اسرائيل اليوم – بقلم كارولين غليك – في السلام مثلما في السلام

اسرائيل اليوم– بقلم كارولين غليك – 6/12/2019
علم يوم الثلاثاء بان فكتوريا كوتس، نائبة مستشار الامن القومي للرئيس الامريكي دونالد ترامب، استضافت سفراء المغرب، البحرين، الامارات وسلطنة عُمان في البيت الابيض. طلبت كوتس منهم موقفا من امكانية ان توقع دولهم على اتفاقات عدم قتال مع اسرائيل.
ومن خلال النبأ عن اللقاء نتعرف على أن ادارة ترامب تتبنى مبادرة اسرائيل لعقد مثل هذه الاتفاقات، التي هي أقل من اتفاقات سلام، ولكنها تعمل عمليا على تطبيق العلاقات بيننا وبينهم. وذلك كجزء من سياسة بعيدة المدى لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لقلب الترتيب السياسي. حتى الان، اتفق الجميع على أنه يتعين على اسرائيل أولا ان تتوصل الى سلام مع م.ت.ف وفقط بعد ذلك تتمكن من تحقيق تطبيع العلاقات مع الدول العربية. منح هذا الفهم م.ت.ف حق الفيتو على السلام الاقليمي.
من خلال بناء علاقات مستقرة مع دول المنطقة، على أساس المصالح المشتركة، يعمل نتنياهو منذ سنين على الغاء فيتو م.ت.ف. ومجرد انعقاد لقاء كوتس في البيت الابيض هو مؤشر على نجاح خطواته.
في الكلمة التي القاها نتنياهو في الكنيست بمناسبة 25 سنة على اتفاق السلام مع الاردن شرح بان اساس السلام بين اسرائيل والاردن ومصر هو قوة الردع الاسرائيلية. وعلى حد قوله فانه “كلما كنا اقوى – كانوا معنا. كلما كنا اضعف – فان اتفاقات السلام هي الاخرى ستتهاوى”. وكيف هو السلام معهم؟ بالفعل السلام مع مصر في وضع جيد جدا حاليا. في السنوات الاخيرة، ساعد الرئيس السيسي على تطوير علاقاتنا مع دول الخليج.
اما بالنسبة للاردن، فالوضع معاكس. عندما نقارن السلام العملي السائد بيننا وبين الدول السنية بوضع علاقاتنا مع الاردن يثور السؤال ماذا يساوي هذا السلام؟ حسنا، عندنا حدود سلام طويلة وهادئة تسمح لنا بالابقاء على جيش اسرائيلي صغير نسبيا. ولكن حتى قبل السلام حافظ الاردنيون على الحدود. وكم يمكن الاعتماد على أن هذه الحدود ستبقى محفوظة على مدى الزمن؟ في الزمن الاخير اخذ وضع العلاقات بالتفاقم من اسبوع لاسبوع.
“اهتزاز العمود الفقري للنظام”
خذوا مثلا الاسابيع الثلاثة الاخيرة. قبل اسبوع فقط، هجر الجيش الاسرائيلي مناورة اركان تشبه حربا مع اسرائيل. وشاركت في المناورة قوات متفوقة من الحرس الملكي التابعة للقيادة المركزية في الجيش الاردني، بمرافقة دبابات، طائرات قتالية ومروحيات. وحسب تقرير وكالة الانباء الرسمية الاردنية “البتراء” كانت المناورة تشبه معركة دفاع لصد غزو من “الغرب” في ظل تدمير جسور العبور. بكلمات اخرى، كانت المناورة تشبه صدا لهجوم اسرائيلي.
اشرف الملك عبدالله على المناورة عن كثب، ووقف الى جانبه رئيس الوزراء عمر الرزاز ووزراء ملاحق عسكريين من دول غير منحازة. تجدر الاشارة الى أن اجراء المناورة، فما بالك سيرها بشكل علني هكذا كانت ظاهرا خرقا جوهريا لاتفاق السلام الذي يمنع النشاط العسكري المعادي.
قبل اسبوعين، في كلمة القاها الملك عبدالله في نيويورك امام جمهور عاطف من اليهود الامريكيين ادعى بان علاقات الاردن – اسرائيل تدهورت الى “نقطة دنيا في كل الازمنة”، واتهم اسرائيل بالمسؤولية عن ذلك.
قبل ثلاثة اسابيع أجرى عبدالله وابنه صلوات في جيبي تسوفر ونهاريم للاحتفال بتسليمهما الى الاردن من ايدي اسرائيل. وذلك بعد أن رفض الملك بخلاف روح اتفاق السلام تجديد اتفاق التأجير للجيبين لفترة اخرى من 25 سنة.
وهذا الاسبوع بدأت محاكمة المواطن الاسرائيلي قسطنطين كتوف في محكمة الامن الاردنية. وكان كتوف اعتقل في نهاية تشرين الاول بعد أن اجتاز الحدود بشكل غير قانوني. وتوقعت اسرائيل أن يعاد اليها الشهر الماضي بالتوازي مع تحرير مخربين اردنيين كانا معتقلين في اسرائيل. هذا لم يحصل.
بالتوازي مع كل الخطوات الاردنية المعادية، كما افيد في التقارير، ابرمت اسرائيل والاردن اتفاقا جديدا لتوريد المياه للمملكة. في اتفاق السلام، تعهدت اسرائيل بان تسلم الاردن 50 مليون متر مكعب من المياه في السنة. وضوعفت الكمية الى 100 مليون متر مكعب في 2016. وابقيت تفاصيل الاتفاق الاخير في السر. ولكن التقدير هو ان اسرائيل وافقت على ان تزيد كمية المياه المحولة الى الاردن من منشآت التحلية وعبر بحيرة طبريا.
التفسير لسلوك اسرائيل واضح. فاسرائيل معنية بالحفاظ على السلام مع الاردن. فالسلام مع الاردن يمر عبر حفظ الاسرة المالكة الهاشمية، التي توجد بذاتها تحت تهديد دائم من الشارع الاردني. وفي السنة الماضية شارك مئات الاف الاردنيين في المظاهرات ضد نظام الملك عقب الوضع الاقتصادي المتردي للمملكة. واضطر الملك الى اقالة رئيس وزرائه كي يهديء روع جمهور المحتجين الذي ضم لاول مرة عشائر بدوية تشكل العمود الفقري للنظام.
صحيح أن سبب سلوك القدس تجاه عمان المعادية واضح، ولكن حان الوقت للفحص اذا كانت حاجة حقيقية لدفع الثمن المتزايد الذي يجبيه هذا السلوك من الدولة.
ضغط سياسي معتدل
ليس للاردن الكثير من الخيارات تجاه اسرائيل. فهو لا يمكنه أن يستخدم روافع ضغط اقتصادية ضدنا، كما أن قدرته على المس بنا سياسيا محدودة في عهد الرئيس ترامب. وعليه فانه عندما يهددنا، يتوجه دوما لسلاح يوم الدين – الغاء اتفاق السلام.
بخلاف الاردن، لدى اسرائيل غير قليل من روافع الضغط. والدليل على ذلك رأيناه هذا الاسبوع. يوم الثلاثاء، رفضت قوات اردنية في معبر الحدود مع العقبة السماح لوفد من نواب رؤساء البلديات الاسرائيلية الدخول الى الاردن في رحلة يومية الى البتراء. وذلك لان بعض الاسرائيليين كانوا يرتدون ملابس دينية.
مع صدور نبأ الحادثة الخطيرة، أبلغ وزير الداخلية آريه درعي الاردن بانه كخطوة عقابية يوشك على الغاء تأشيرات عمل مواطني الاردن في اسرائيل، بما في ذلك في ايلات. وفي رد سريع الغى الاردنيون الحظر الذي فرضوه على دخول الاسرائيليين بقبعاتهم ورموزهم الدينية.
اسرائيل عمليا ضامنة لبقاء الاقتصاد الاردني، ومن المجدي لها ان تعترف بالخيارات التي تمنحها لها مكانتها. فمثلا لا تحتاج اسرائيل لان تلغي توريد المياه الى الاردن. يمكنها ببساطة ان تعلن عن مراجعة لكميات المياه التي يمكنها أن توردها الى الاردن فوق الخمسين مليون متر مكعب التي اتفق عليها في اتفاق السلام.
بالمناسبة، في ضوء تحسن علاقات اسرائيل مع السعودية المعادية للفلسطينيين، وبرودة علاقاتها مع عمان المؤيدة للفلسطينيين في كل استفزازاتهم ضد اسرائيل، يمكن لاسرائيل أن تعلن ايضا عن مراجعة للترتيبات في الحرم. اضافة الى ذلك، في ضوء التحولات الاستراتيجية الاقليمية، يجدر بوزارة الدفاع عن تفحص امكانيات زيادة حجم قوات الجيش الاسرائيلي. كان ينبغي لمثل هذا الفحص ان يجري منذ زمن بعيد. يمكن عمله الان، في ضوء المناورة المعادية للجيش الاردني.
لكل الاراء، السلام مع الاردن، مثلما هو بقاء الاسرة المالكة الهاشمية هما مصلحة استراتيجية لاسرائيل. ومع ذلك نتنياهو محق. سلامنا مع جيراننا يقوم أولا وقبل كل شيء على قوة ردعنا. من شدة القلق على الملك، يبدو أننا نسينا انه هو ايضا ينبغي ردعه. حان الوقت لاصلاح الوضع.