اسرائيل اليوم – بقلم غرشون هكوهن – نوبة قلق متواصلة
اسرائيل اليوم – بقلم غرشون هكوهن – 17/12/2021
” في الوقت الذي انشغلنا فيه بايران، نشأت لدولة اسرائيل تهديدات جديدة. احتمال الانهيار الداخلي الكامن فيها اخطر بعدة اضعاف من التهديد النووي من طهران “.
ان الانشغال بالتهديد النووي الايراني في اعلانات الزعماء وفي الخطاب الاسرائيلي العام – وصل في الاسبوع الاخير الى الذروة. فحكم آيات الله في طهران عن حق وحقيق يهدد دولة اسرائيل. ولكن يجدر بنا النظر ليس فقط الى احتمال التهديد بحد ذاته – بل وايضا الى المكان الذي يحتل فيه هذا التهديد جدول الاعمال ووعي الهوية لدينا.
في صورة لفنه وردت الآية: “وعليهم يقع الرعب والخوف”. ثمة من يشعرون: “عليهم وليس علينا”. اما نمط القلق الذي يتصدر الخطاب الاسرائيلي في مسألة النووي الايراني منذ اكثر من عشرين سنة، فيسرع القاء الرعب علينا اساسا. يجدر بنا ان نفحص ما الذي يوجد فيه، في التهديد الايراني وبخاصة في التهديد النووي، مما يتسلل جدا الى عمق الحالة النفسية والثقافية لليهودي في دولة اسرائيل. هذا السؤال يدعو المجتمع الاسرائيلي لان ينظر الى داخله في التوترات غير المحلولة المغروسة في الوعي وفي الوعي الباطني لاساس هويته.
لقد ثبتت حرب الاستقلال في الوعي الاسرائيلي كحرب وجود بلا جدال. اما الحروب التي جاءت بعدها فلم تحظى بذات الاجماع. في المسعى للتمييز بين حرب عادلة وحرب غير عادلة، انغرس في الاسرائيليين مسلمة بان الحرب العادلة هي “حرب اللامفر” – الحرب التي نحمي فيها مجرد الوجود.
غير أنه في اختبار نقدي، يكون التمييز بين حرب المفر وحرب اللامفر لا يجتمع في تبرير لا يكون موضع خلاف. هنا تكمن القوة المغرية للتهديد النووي الايراني، الذي يعرض كتهديد وجودي صرف. هذا تهديد سطحيا، ليس موجها ضدنا بسبب “الاحتلال” – وهكذا فانه يضع دولة اسرائيل، بنظرها نفسها على الاقل في مكانة الضحية المحقة.
في التشبيه الفيزيائي يعد النووي الايراني كتهديد الابادة المعروف لنا من اوشفيتس. مثلما في معسكرات الابادة، فان النووي الايراني ايضا يهدد كل يهودي دون تمييز. بالمفارقة، يوحد التهديد بين اليهود بذات وحدة المصير التي تنشأ حيال تهديد مشترك.
عرض الحاخام سلوبتشيك الهوية اليهودية كهوية مرتبطة معا في عهد مصير وعهد غاية. بالهامه سعى مفكرون يهود في العصر الجديد بعد الكارثة واقامة دولة اسرائيل – الى اقامة هوية يهودية على اساس غاية مشتركة وليس فقط على اساس مصير كارثي مشترك. في هذه الاثناء، بقصر يد القيادة الاسرائيلية على اجيالها لان توفر هوية اسرائيلية – يهودية على القوة الجامعة لوعي غاية مشتركة – اختارت القيادة الفرار الى البعد الموحد المركز حول قلق وجودي مشترك. هكذا بنيت الحاجة السياسية لرعب النووي الايراني.
ليس ملجأ فقط
دراسة مهنية لاحتمال التهديد النووي الايراني على دولة اسرائيل ستبين كم هو مفهوم “التهديد الوجودي” ايضا ليس مفهوما لا لبس فيه. فحتى لو وصل الايرانيون الى القنبلة ستكون امام ناظريهم اعتبارات غير قليلة للامتناع عن استخدامها. وحتى لو اطلقت القنبلة لا سمح لله، فالدول لا تختفي خطفا ولا تنهار بضربة واحدة، ولا حتى في هجوم نووي. كل ما مر على الدولة السورية منذ بدأت الحرب الاهلية، يدل كيف ان الدولة يمكنها ان تواصل الوجود حتى عندما تبدو بانها انهارت تماما. وحتى السيناريو الافظع، من ناحية عملية يوجد اساس للامل في الا يتدهور وضع اسرائيل الى درجة وضع سوريا.
في هذا الجانب، فان الهجوم على دولة اسرائيل بسلاح نووي هو بالتأكيد تهديد جدي – ومع ذلك مع كل الثمن الباهظ، ستواصل اسرائيل الوجود، وهي ستواصل رد الحرب – والانتصار.
قيادة دولة اسرائيل ملزمة بان تفعل كل شيء في وسعها كي تمنع تحقق التهديد بهجوم نووي، وينبغي تطوير قدرات لرد مناسب. ولكن جدير لجم قلق الوجود. فالنظر الى القلق سيبين كم هو متعلق قبل كل شيء بنا، بالقصة التي نرويها نحن لانفسنا عن سبب وجودنا كدولة في بلاد الآباء، على كل ما نسعى لان نحققه فيها.
منذ بدايتها تأرجحت القصة الصهيونية بين غايتين؛ من جهة الغاية العتيقة لخلاص اسرائيل. من جهة اخرى غاية بالحد الادنى لدولة اسرائيل كلمجأ آمن ليهود مضطهدين. على الفجوة بين الغايتين وقف اللواء بني بيلد بتهنئته للعام 2000.
كتب بيلد: “لو كان بوسعي لاردت في السنة القادمة ان يشطب من القاموس ومن وعينا تطلع الصهيونية كما عرفه الكونغرس الاول في بازل في 1897 وبقي ساري المفعول حتى يومنا هذا: “لاقتناء ملجأ آمن على اساس محكمة علنية للشعب اليهودي في بلاد اسرائيل”. اريد لهذا التعريف لمجال اقامة اليهودي في حدود معترف بها وآمنة من قبل الراعين والمال ان يشطب وان يأتي بدلا منه تعريف يتناسب وفكرة الدولة اليهودية لهرتسل الا وهو اقامة دولة يهود في بلاد اسرائيل، من قبل اولئك اليهود الذين ملوا حياة المنفى والسكن الفرعي، ومستعدون لان يعطوا حياتهم من أجلها”.
النقب قبل طهران
لاولئك الذين يرون في دولة اسرائيل ليس اكثر من ملجأ آمن، فان التهديد النووي الايراني يبعث بالتأكيد على الاحباط. فلئن رغم كل مساعي القرن الاخير، لم تنجح الصهيونية الا باستبدال تهديد وجودي من نوع الجريمة الجماعية في كيشنوف، بتهديد وجودي من نوع قنبلة نووية ايرانية، فلا مناص من السؤال: أفلم يحقق اليهود في بروكلين حلا اكثر نجاعة؟ مفهوم ان لا.
ان النقاش الجوهري في امن دولة اسرائيل يجب ان يتطور، ولا يمكنه ان يجرى بشكل فني فقط على اساس حسابات المخاطر والتهديدات. النقاش مطالب بنظرة ثاقبة الى اساس الغاية والرؤيا بروح بن غوريون: لا الامن هو الاساس بل “خلاص اسرائيل، جمع المنافي، نهضة قومية”.
في ابعاد الاسرائيليين عن وعي غاية الخلاص، بات التهديد الايراني بالنسبة للقيادة والمجتمع الاسرائيلي مهربا من التصدي لتحديات النهضة القومية. رغم المثابرة الايرانية للوصول الى قنبلة نووية، مطلوب فحص متجدد لتصنيف هذا التهديد في المكان الاول في سلم الاولويات القومي لاسرائيل.
يندمج السلاح النووي دوما في منظومة شاملة من الوسائل القتالية والميول الاستراتيجية. فلهذا السلاح مخصص بشكل عام دور شبكة أمان، لاخذ مخاطر في مجالات الاحتكاك التقليدية. اما التركيز الزائد لحكومات اسرائيل على التهديد النووي على مدى السنين فمس بقدر كبير بتركيز الجهد في ساحات اخرى بما فيها الساحة الداخلية ايضا. ففقدان السيادة الاسرائيلية في النقب وفي الجليل يهدد للمدى البعيد دولة اسرائيل بقدر لا يقل عن التهديد الايراني.
وفضلا عن ذلك، في تركيز جهود الحكومات السياسية على المجال الايراني، نشأ ارتباط واشتراط – حتى وان لم يكن صريحا – بين تأييد الادارة الامريكية لمطالب اسرائيل في الساحة الايرانية وبين ما هو مطلوب من اسرائيل في الساحة الفلسطينية. لقد ادى هذا التعلق، ضمن امور اخرى الى امتناع متواصل من جانب حكومات اسرائيل عن البناء في القدس في المناطق المفتوحة، مثل عطروت.
في الوقت الذي انشغلنا فيه بايران، نشأت لدولة اسرائيل تهديدات جديدة. احتمال الانهيار الداخلي الكامن فيها اخطر بعدة اضعاف من التهديد النووي من طهران.