اسرائيل اليوم – بقلم د. عيران ليرمان – اسرائيل حققت هدفها الاساس

اسرائيل اليوم – بقلم د. عيران ليرمان- رئيس معهد القدس للاستراتيجية والامن نائب رئيس الامن القومي ومسؤول كبير في شعبة الاستخبارات سابقا – 15/11/2019
كل بحث في مسألة معاني الجولة الاخيرة يجب أن يبدأ بازالة المعضلة المفترضة ظاهرا، عن الطاولة، الا وهي هل تصفية ابو العطا كانت مجدية، في ضوء الثمن الاقتصادي الباهظ المتمثل بتعطيل مناطق واسعة في اسرائيل؟ رغم الانشغال المكثف في الموضوع، فان المسألة غير ذات صلة من اساسها: من المهم أن نتذكر بان الاحباط لم يأت لتصفية حسابات قديمة بل كان، ببساطة احباط لنوايا وقدرات مسؤول الجهاد الاسلامي على تنفيذ عمليات بحجم كبير. لو تحققت، لكانت على اي حال ستفرض على اسرائيل الرد بيد قاسية – مما سيشعل، في كل حال، جولة مواجهة مشابهة في حجمها الى هذا الحد او ذاك. ليس اسرائيل هي التي اختارت خيار التصعيد بل الجهاد الاسلامي، كجزء من نمط اوسع من النشاط التي تبادر اليه ايران وتنفذه بواسطة فروعها.
اذا كان هكذا، فهل تحققت اهداف اسرائيل (في اطار الفهم الاساس لادارة النزاع)؟ أولا وقبل كل شيء، هل رمم، وان كان جزئيا، الردع؟ في الوضع الذي نوجد فيه، ليس هناك بل ولن تكون اجوبة غير قابلة للتأويل على هذه الاسئلة. وحتى التجربة الجزئية والمتحفظة التي ستعرض هنا ستتبين فقط على مدى الزمن – وحتى عندها، ليس بشكل نهائي ولا مرد له.
من حيث الجوهر فان الردع هو وضع نفسي غامض وغير مستقر، وليس غرضا ماديا يمكن أن يقال عنه بشكل ملموس اذا كان موجودا أم لا. على الرغم من ذلك، ثمة امور هامة يمكن الاشارة اليها. اولا وقبل كل شيء، القرار الواضح والثابت لقيادة حماس بعدم الانضمام الى القتال يعكس ليس فقط العداء المتبادل بينها وبين الجهاد الاسلامي بل وايضا، وبالاساس، الردع الذي نجحت اسرائيل في خلقه بالفعل. فلو اعتقدوا في حماس بان الثمن سيكون متدنيا، ما كانوا ليترددوا في تثبيت موقعهم كـ “الاخ الاكبر” واخذ الصدارة في ادارة المعركة مع اسرائيل. اما انهم لم يفعلوا ذلك فله معنى عملي ورمزي بعيد الاثر.
صحيح – رافق ذلك ايضا نوع من “الجزر” في شكل حقائب مالية من قطر وترتيبات توريد للوقود والبضائع من اسرائيل: ولكن في ذلك تتعاظم الرسالة فقط. منظمة اقيمت قبل 30 سنة لغاية كفاح جهادي لابادة اسرائيل، لم تقترب بصفتها هذه من تحقيق اهدافها، وتنطوي حاليا، عمليا، في نوع من “الهدنة” المتواصلة – مقابل الاحتياجات المادية للسكان الخاضعين لامرتها. يوجد لاسرائيل، وليس لها فقط، مصلحة طويلة المدى في أن هذا ما يحصل. وفي اطار ذلك، تكون علامة استفهام حول شرعية الاسلام السياسي الراديكالي كطريق ايديولوجي، بينما في نفس الوقت تتراكم آثار احداث اخرى، بما فيها تصفية ابو بكر البغدادي.
بالنسبة للجهاد الاسلامي نفسه، فهو يدعي انه “انتصر” وفرض، بفضل تضحياته وخسائره، معادلة جديدة. ولكن عمليا، الدخول في دائرة المفاوضات مع مصر كان يعني ان اسرائيل حققت هدفها الاساس. فالتعهد بوقف النار معناه ان التنظيم يتخلى – تحت الضغوط المتداخلة من مصر وحماس، وباثر خسائره ايضا – عن نيته في إثارة، بتكليف من ايران، استفزازات متزايدة التعاظم. وكما أسلفنا، كان يفترض بهذه ان تتداخل مع محاولات النظام في طهران لهز المنظومة الاقليمية والدولية لفرض مفاوضات نووية متجددة وفقا لشروطها والخروج من الضائقة الاقتصادية المحتدمة عقب العقوبات التي فرضتها ادارة ترامب. اذا كانت الحملة أدت، حتى ولو لفترة زمنية محدودة، الى شطب قدرة الجهاد الفلسطيني على تقديم خدمات من هذا النوع لاسياده في طهران، فان خطوات اسرائيل تكون قد خدمت جيدا مصلحتها الاستراتيجية – وليس فقط مصلحتها. اما الصمت في العالم العربي، في هذا السياق، فيثبت ذلك.
امام كل هذا يقف ادعاء زعيم الجهاد الاسلامي – زياد النخالة بانه “حقق” ايضا تنازلا اسرائيليا في مسألة اطلاق النار الحية في اثناء المواجهات على الجدار. ولكن المعنى العملي لهذا “التنازل” محدود – فعلى اي حال لا يستخدم الجيش الاسرائيلي النار الحية الا عندما ينعدم الخيار، والكثير منوط الان بالطريقة التي سيعمل فيها رجال حماس في اثناء ايام الجمعة القريبة القادمة. فاذا لم تكن لهم بالفعل مصلحة في المواجهة، مثلما اثبتت سلوكهم في احداث الايام الاخيرة، فينبغي الافتراض بان لديهم مصلحة في تفعيل اللجم كي لا يضعوا وقف النار قيد الاختبار.