ترجمات عبرية

اسرائيل اليوم – بقلم  د. تمير ليبال – نهاية فعل عسكري بتفكير سياسي

اسرائيل اليوم – بقلم  د. تمير ليبال ، باحث في جامعة بانبرغ  – 3/12/2019

“حقيقة ان ليس لنا مفهوم سياسة امنية رسمي هي خلل وهروب من المسؤولية. هذا موضوع يجب أن يلقى تعبيرا يشكل الهاما لرؤساء الاجهزة الامنية”. هذا الاعلان لرئيس الاركان السابق غادي آيزنكوت في المؤتمر السنوي لمركز الامن والديمقراطية في المعهد الاسرائيلي للديمقراطية لم ينل الاهتمام المناسب. الامر ينبع جزئيا من أن الحديث يدور عن قصور متواصل يعود لعشرات السنين وببساطة ليس معروفا لمعظم الجمهور الاسرائيلي. 

ما وصفه  رئيس الاركان السابق بانه “مفهوم الامن الرسمي” معروف أكثر في الدول الغربية كـ “استراتيجية الامن القومي”. والنموذج الاكثر شيوعا، كما يفترض القول، هو الامريكي. فبمبادرة بعض اعضاء الكونغرس من بعيدي النظر تقرر في القانون بانه مرة كل فترة زمنية محددة يتعين على السلطة التنفيذية ان تجري وتنشر تقويما شاملا للمحيط الامني الحالي: ما هي التهديدات التي تقف امامها الولايات المتحدة وما هي مستواها، ما هي الاهداف الامنية التي يجب العمل عليها وما هي الوسائل لتحقيقها وما شابه. 

هذه الوثيقة، المعروفة كـ “استراتيجية الامن القومي” تظهر في صيغتين – علنية وسرية – وهي ليست عسكرية في طبيعتها. فاعدادها تشارك فيه كل أذرع الادارة، وهي ترسم الطريق لدمج أربع قنوات القوة القومية – السياسية، الاقتصادية، العلمية  والعسكرية – لتعظيم احتمالات تحقيق اهداف الامن القومي وانطلاقا من الفهم بوجوب ضمان دعم القنوات الاربعة الواحدة للاخرى.

ان اهمية الوثيقة ليست بمجرد نشرها، وان كانت مساهمة هامة للرسالة الواضحة التي تطلقها للاعداء وللاصدقاء على حد سواء بالنسبة للاهداف والخطوط الحمراء للامة، بل في أن عملية العمل الذي يؤدي الى نشرها تضم كل اللاعبين في ميدان الامن القومي، تدمج اهتمامهم وترتب تقسيم العمل بينهم. وفضلا عن ذلك، ترسم الوثيقة المقاييس التي في اطارها كل واحدة من وكالات الادارة ومن الوزارات ذات الصلة تنشر استراتيجية قومية في مجال مسؤوليتها: العسكري، الاستخباري وما شابه. 

مثلما في مجالات سياسية عديدة اخرى، فان غياب استراتيجية امن قومي اعتبر كقصور يتطلب اصلاحا في سلسلة تقارير للجان تحقيق من مراقب الدولة ومن لجان حكومية، وجملة اخرى من اوراق الموقف وتقارير البحث الاكاديمي. بشكل شاذ للغاية، ما كان يمكن تصوره في اي دولة ديمقراطية اخرى، نشر الجيش الاسرائيلي تحت قيادة رئيس الاركان آيزنكوت الوثيقة الموازية للاستراتيجية العسكرية القومية – “استراتيجية الجيش الاسرائيلي”. في غياب تحديد اهداف وسياسة الامن القومي، اي “استراتيجية الامن القومي” والتي يفترض بها أن تقررها القيادة السياسية، حدد الجيش الاسرائيلي بناء على رأيه الاهداف العسكرية التي يفترض أن تستخلص منها. 

من جهة، اخترقت الخطوة المبدأ الاساس في أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل اخرى، في أن تحديد الاهداف العسكرية من قبل الجيش الاسرائيلي فرض بحكم الامر الواقع اهدافا امنية سياسية ليست بناء على رأي القيادة السياسية. وبالمقابل، يخيل أن أمل آيزنكوت كان في أنه من خلال الحقائق على الارض سيتمكن من تحريك القيادة السياسية لاتخاذ قرارات واضحة ورسمية بشأن السياسة الامنية. ولكن مشكوك فيه أن يكون هذا الفعل اليائس قد أخفق في حمل الحكومة على تحمل مسؤوليتها في الموضوع. 

الحكومة القادمة، مهما كانت، ستخون وظيفتها اذا لم تبادر الى اعداد نشر “استراتيجية الامن القومي”. وينبع الالحاح ليس فقط من التصاعد في حجم وخطورة التهديدات الامنية على اسرائيل، بل وايضا من سلسلة اخفاقات ومشاكل اسرائيلية داخلية. ففي السنوات الاخيرة اهملت الحكومات بناء القوة للوزارات الحكومية الامنية غير العسكرية. الى جانب الاهمال والاضعاف المقصود لادوات القوة السياسية لاسرائيل – وزارة الخارجية – اقيمت سلسلة من الوزارات الحكومية ذات الازدواجية في الصلاحيات الغامضة في مجال الامن القومي، مثل وزارة الشؤون الاستراتيجية ووزارة الاستخبارات، والتي تضيف تشويشا وتبذيرا لا داعٍ له. كما أن المخططات لبناء القوة للجيش الاسرائيلي، مثل “الجيش الاسرائيلي 2030” أو “الخطة الخماسية جدعون”، والتي تضمن ميزانيات طائلة للجيش الاسرائيلي، تنقصها نظرة شمولية ومعمقة الى احتياجات الامن القومي ومتطلباتها. على رئيس الوزراء القادم ان يضمن ان يسبق الفعل العسكري تفكير امني مسبق. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى