اسرائيل اليوم – بقلم الداد باك – قليل جدا، متأخر جدا

اسرائيل اليوم – بقلم الداد باك – 12/12/2019
لم يكن في الزيارة الرسمية التي أجرتها المستشارة الالمانية انغيلا ميركل لمعسكر الابادة في اوشفيتس–بركناو الاسبوع الماضي أي بعد تاريخي. فحقيقة أن ميركل هي الثالثة من المستشارين الالمانيين الذين يزورون هذا المكان الرهيب، هي شهادة فقر لالمانيا، فما بالك أن المستشارة جاءت الى هناك مع نهاية عهدها. في نظرة الى الوراء، كان ينبغي لكل مستشار الماني أن يبدأ ولايته بزيارة اوشفيتس. هذا لا يحصل.
لقد جاءت ميركل الى اوشفيتس ليس فقط في نهاية ولايتها، بل وايضا عندما باتت مكانتها السياسية والجماهيرية في المانيا وفي اوروبا مهزوزة وضعيفة، على اقل تقدير. مشكوك جدا اذا أن يكون لهذه الزيارة أو سيكون أي تأثير على الرأي العام الالماني، الذي يبحث عن كل سبيل ممكنة للابتعاد عن المسؤولية وعن الصلة بجرائم النازيين. لو كانت الزيارة جرت حين كانت ميركل لا تزال تتمتع بمعدلات شعبية عالية للغاية، لكان صدى أهم بكثير لها. هذا ايضا لم يحصل.
في خطابها في اوشفيتس سعت ميركل الى أن تربط بين الماضي ومشاكل الحاضر. كان باعثا على اليأس أن نسمع في اقوالها عن اللاسامية التي تأتي كآخر كل المشاكل الراهنة، فيما أن الاولى بينها هي العنصرية. لقد استسلمت المستشارة للهوس الالماني في جعل الكارثة “رسالة عامة للانسانية”. أما تميز الكارثة، حقيقة أن معظم المبادين في اوشفيتس كانوا يهودا، وعربدة اللاسامية اليوم في المانيا وفي اوروبا فقد كانت تستوجب وضع اللاسامية في رأس السياقات الراهنة. ولكن حتى هذا لم يحصل.
من الصعب التجلد على تجاهل المستشارة للمراجعة التاريخية العربية – الاسلامية بالنسبة للكارثة. ومن هذا المكان بالذات كان يمكن لميركل أن تحاسب ناكري الكارثة في طهران، في رام الله، في بيروت وفي الجاليات المهاجرة الشرق اوسطية في بلادها. ولكن المستشارة لم تتطرق حتى ولا بكلمة واحدة لهذه الظاهرة الخطيرة، التي هي اليوم قلب الظاهرة اللاسامية الجديدة في المانيا وفي اوروبا. الانطباع الناشيء هو أن ميركل استغلت الموقف لاغراض سياسية داخلية ضيقة، أي: لمحاسبة حزب “البديل لالمانيا”. ميركل، كعادتها، لم تتطرق لهذا الحزب مباشرة، لكن الرسالة كانت واضحة بما يكفي، لا سيما قبيل امكانية أن تقف المانيا أمام انتخابات مبكرة قريبا وفي ضوء الانجازات الانتخابية الاخيرة لحزب اليمين القومي المتطرف.
إن التطرق للازدهار المتجدد لحياة اليهود في المانيا أو للعلاقات الطيبة مع اسرائيل بأنها “هدية”، مثلما فعلت ميركل، فهذا اهانة للذكاء. المانيا لا تستحق هدايا من اليهود. كان يمكن لميركل أن تصر على دعوة مندوب اسرائيلي رسمي كبير اثناء زيارتها – حتى ولو على سبيل الجهود لكسر الجمود في العلاقات بين اسرائيل وبولندا. هذا لم يحصل. صحيح أنها منحت اسنادا لموقف حكومة بولندا المبرر في أن معسكرات الموت كانت المانية وليست بولندية (لعناية يئير لبيد وباقي من يعيد كتابة التاريخ في اسرائيل)، ولكنها لم تشر حتى ولا بكلمة واحدة للعلاقة بين اسرائيل والكارثة، أو لالتزام المانيا باسرائيل، النابع من دروس الكارثة.
هذا عرَض لظاهرة عميقة. ذاكرة الكارثة هي مثابة طقس فني عديم كل مضمون وجوهر، طالما تواصل المانيا التصويت بثبات ضد اسرائيل في مؤسسات دولية، تصبح الممول الرئيس لمنظمة اللاجئين المناهضة لاسرائيل “الاونروا”، تستضيف في عاصمتها نشطاء منظمات ارهاب فلسطينية وتضخ الاموال لمنظمات نزع الشرعية المناهضة لاسرائيل والمناهضة للصهيونية. ليس ذكرى اليهود الموتى فقط يجب أن تشغل بال المانيا، بل ايضا حماية اليهود الاحياء، في دولتهم. هذا سيكون هو الاستخلاص المناسب للدروس من الكارثة.