ترجمات عبرية

اسرائيل اليوم– بقلم  الداد باك – الناتو: ترامب ينقذ اوروبا من نفسها

اسرائيل اليوم– بقلم  الداد باك – 4/12/2019

ليس هناك اسباب وجيهة كثيرة تبرر الفرح لزعماء دول الناتو الـ 29، ممن يجتمعون في لندن في قمة احتفالية احياء للذكرى السبعين لتشكيل الحلف العسكري عابر الاطلسي الذي اقيم كمظلة دفاع عن غرب اوروبا في وجه التهديد الشيوعي – الروسي. فهو يوجد اليوم في احدى الساعات الصعبة. بعد سنتين من اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب بان الناتو “قديم” وطلب من اعضائه زيادة مساهمتهم المالية في المنظومة العسكرية للحلف، اعلن الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون بان الناتو يعاني من “موت دماغي” بسبب غياب التنسيق بين اعضائه. 

منذ انهيار الكتلة الشيوعية والناتو يتردد في طرق تكيفه مع الظروف الامنية المتغيرة في العالم. فقوات الناتو تواصل المراوحة في المستنقع الدموي في افغانستان وفي حرب استنزاف ضد ميليشيات اسلامية في غرب افريقيا والقرن الافريقي. فاتساع الناتو شرقا اثار غضب موسكو ودفع روسيا لاجتياح اراضي اثنتين من جيرانها- جورجيا واوكرانيا، اللتين طلبتا الانضمام الى صفوف الناتو. وكان رد الحلف العسكري الغربي على العدوان الروسي هزيلا لدرجة ان مزيدا من الدول “الفاصلة” – استونيا، لتفيا، ليتا وحتى بولندا – تخشى اليوم من المس الروسي بها. تركيا هي الاخرى تغيظ حلفائها في الغرب بشراء منظومة صواريخ اس 400 من روسيا، باجتياح شمالي سوريا، وباشتراط موافقتها على زيادة التواجد العسكري للناتو في دول البلطيق، باعتراف اعضاء الناتو بالمنظمة الكردية في شمال سوريا (YPG) كمنظمة ارهابية.

يواصل الرئيس ترامب مطالبة الاعضاء الاوروبيين في الحلف بالايفاء بالتعهدات التي اخذوها على انفسهم منذ 2002، ومرة اخرى في 2004، لزيادة ميزانياتها العسكرية الى 2 في المئة من الناتج القومي الخام لديها. قبل بضعة ايام من المؤتمر في لندن، اعلنت ادارة ترامب عن تقليص التمويل الامريكي لميزانية الناتو المباشرة. اما الرئيس ماكرون، الذي رغم ضعفه السياسي في الداخل، فانه يصبح المحرك المتصدر لاوروبا، فقد ثار غضبه على اصرار ترامب على التركيز على المسألة المالية، وهو يطالب بداية بان تتوفر حلول للعلاقات الاشكالية مع روسيا وتركيا. 

تستطيب اوروبا كراهية ترامب، مثلما كرهت قبله جورج دبليو بوش ورونالد ريغان. ولكن هذه الكراهية عديمة المبرر. فمثلما تعاملت اوروبا بنكران للجميل مع ريغان، الذي ادى الى انهيار الاتحاد السوفياتي، هكذا ترفض الاعتراف بان نهج ترامب يستوجب من الاوروبيين التعاطي بجدية مع التحديات الامنية التي تهددهم. ففي الواقع الناشيء في اثناء الحرب الباردة الاولى، والذي لم يتغير تماما منذئذ، القى الاوروبيون كامل المسؤولية عن أمنهم على كاهل الولايات المتحدة.

تقليص الدول الاوروبية ميزانياتها الامنية وتخصي جيوشها، ويصبح الاتحاد الاوروبي “مجلس سلام”، اقتصادي واخلاقي، يعمل على اضعاف قوة الولايات المتحدة في مناطق معينة في العالم (ولا سيما في الشرق الاوسط) ويسمح لنفسه بتوبيخ الامريكيين على اساليب عملهم العسكري. فليس هكذا يكون الحلف، وكل ما فعله ترامب كان الايضاح للاوروبيين: اوروبا اليوم ليست اوروبا 1949. القوة الاقتصادية لاوروبا، ولا سيما اعضاؤها البارزون – المانيا، فرنسا، ايطاليا – يجب ان تجد تعبيرها في زيادة الميزانيات الامنية، في صالح اوروبا. للولايات المتحدة مشاغلها الاقتصادية الخاصة بها. 

لقد اثار الخروج الامريكي المفاجيء من شمال سوريا،  اجراس تحذير في ارجاء اوروبا: اذا كان بوسع واشنطن أن تترك حلفاء كالاكراد لمصيرهم، فانه يمكنها أن تهجر هكذا حلفاء آخرين ايضا. في نظرة الى الوراء، هذه الشبهات ليست مبررة. فمنذ دخل ترامب البيت الابيض، ازداد التواجد العسكري الامريكي في اوروبا. والتعاون العسكري مع بعض الشركاء الاوروبيين البارزين – بينهم المانيا – تعزز. فضلا عن ذلك، استوعب الاوروبيون بانهم ملزمون بان يستثمروا المزيد في جيوشهم، وهم يفعلون هذا منذ الان، وهذه حقيقة تفتح امام الصناعات العسكرية الاسرائيلية المتطورة فرصا عديدة ايضا. حتى لو كان ترامب ينجح في احيان قريبة باسلوبه الفظ باغاظة الاوروبيين، فانه سيتعين عليهم في وقت ما ان يشكروه على أنه ايقظهم من سبات الاحلام الطويل جدا، والزمهم باخذ المسؤولية عن امنهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى