اسرائيل اليوم– بقلم أرئيل كهانا – الرجل الذي فكر من خارج العلبة
اسرائيل اليوم– بقلم أرئيل كهانا – 11/9/2020
“ مسيرة التطبيع مع الامارات لم تبدأ الان بل تراكمت منذ خمس سنوات مع تراكم الثقة والتوافق في الرؤى حول المنطقة ومشاكلها ومستقبلها بوساطة بلير“.
يوم الجمعة الماضي رن هاتف رئيس الوزراء البريطاني الاسبق طوني بلير. وكان على الخط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي اتصل بصديقه القديم كي يقول له كلمة واحدة – شكرا.بلير، كما نكشف النقاب هنا لاول مرة، هو واحد من شخصين لهما سهم تأسيسي في الاختراق التاريخي بين اسرائيل وبين اتحاد الامارات. بداية عمليةتحسين العلاقات بين اسرائيل وامارات الخليج في اواخر 2015 عندما كانت نقطة البداية الصفر. في 2010 كشفت شرطة دبي عن تصفية كبير المخربين محمود المبحوح على ايدي رجال الموساد زعما. غضب الاماراتيون. فقدوا الثقة بالقليل من الاسرائيليين الذين كانوا حتى ذلك الحين على اتصال سري بهم. وتجمدت الاعمال المشتركة. شرطة الامارات، عبر الانتربول، اصدرت امر اعتقال دولي ضد 33 من رجال الموساد الذين اشتبهت بهم كمنفذي الاغتيال. وخطير بقدر لا يقل – فقدت اسرائيل منظومة علاقات مع دولة عربية حيوية. فليست العلاقات الامنة وحدها هي التي توقفت بل وايضا اعمال تجارية هادئة كانت تجري منذ بضع سنوات.
وقد اتيحت الانعطافة في اعقاب خطاب نتنياهو في الكونغرس الامريكي ضد الاتفاق النووي مع ايران في اذار 2015. ومثل دول خليجية اخرى شعرت الامارات ايضا بخيانة اوباما لها. وكان موقف نتنياهو ضد الادارة، ضد الاتفاق وضد ايران قد اثار انطباع محمد بن زايد، ولي العهد والرجل القوي في الامارات. منذ استلم خيوط الحكم في 2005، قاد ابن زايد في الامارات سياقات الحداثة، الانفتاح على العالم والتسامح. اما ايران، مثلما هو ايضا الاسلام السني المتطرف، فقد حددهما ابن زايد كخطر.
“العلاقة تلقت حياة خاصة بها”
من شخص الفرصة لعقد تعاون مع اسرائيل على اساس هذه الاراء، فقد كان بلير، الذي مع اعتزاله رئاسة الوزراء في بريطانيا في 2007 قال ان احلال السلام في الشرق الاوسط هو حلم حياته. وقد عين مبعوثا للرباعية ولكنه في 2015 اعتزل منصبه مع استنتاج واضح.
“فكرت كم من السنين نحتاج لان نغير النهج الدارج”، شرح بلير في مقابلة انترنت من لندن لـ “اسرائيل الاسبوع”، “بدلا من ان نرى في السلام بين اسرائيل والفلسطينيين وسيلة تؤدي الى اختراق مع الدول العربية، يجب قلب المفهوم رأسا على عقب. بدون اتفاقات مع الدول العربية، لن تأتي التسوية مع الفلسطينيين”.
هكذا، بينما هو متحرر من ضغوط الدول الاجنبية، قاد بلير المسيرة وفقا لرؤياه. وهذه، بصدفة ام بغير الصدفة، كانت تشبه موقف نتنياهو، الذي كان على اي حال على اتصال طيب به منذ بضع سنوات. نتنياهو هو الاخر ادعى منذ 2015 بان الدول العربية ستجلب الفلسطينيين، وليس العكس. وغازل بلير دولا عربية، حين وجد في الامارات الاذن الاكثر انصاتا. ولكن من أجل استئناف العلاقة مع اسرائيل كانت حاجة قبل ذلك للتغلب على قضية المبحوح.
بعد خمس سنوات من ذلك ايضا، كانت الامارات غاضبة على اسرائيل. فقد وصفت الفعلة بـ “غير المحترمة”، وطلبت ضمانات.
ولكن بلير لم يكن وحده. فمن اجل صب ثقة في الرسائل التصالحية التي نقلها، جند نتنياهو للمهمة رجل سره، اسحق مولخو. ربط بلير بين مولخو واحد الوزراء الشبان في حكومة ابن زايد. وكان اللقاء الاول بين الاثنين في لندن في نهاية 2015، بمشاركة بلير، وحقق نجاحا.
في اعقابه ولدت علاقة تضمنت لقاءات عديدة لمولخو والوزير الاماراتي في قبرص وفي ابو ظبي، وكذا مكالمات هاتفية عديدة. في البداية رافق بلير المحادثات، ولكن لاحقا “تلقت العلاقة حياة خاصة بذاتها”، مثلما يقول ولم يعد حضوره لازما.
لقاءات سرية في القدس
في محادثات مولخو والوزير الاماراتي رفعت رسائل من رئيس الوزراء الى الحاكم الاماراتي الذي كما اسلفنا حدد الاخوان المسلمين والاسلام المتطرف كخصوم الداء، وهذا نهج توافق مع اسرائيل. وترافقت الاقوال بالافعال وعلى رأسها إذن من نتنياهو لبيع منظومات مختلفة، مدنية وعسكرية، للامارات.
وكان الاشارة الاكثر اهمية لنجاح المسيرة هي موافقة الامارات على استئناف العلاقات مع اسرائيل. كان هذا انجازا عظيم الاهمية لدولة اسرائيل مسجل على اسم مولخو – المحامي الخبير والمبعوث المجرب الذي خسرت دولة اسرائيل خدماته بسبب قضية الغواصات.
مع ازالة العائق الاول والاصعب، تحسنت العلاقة بين الدولتين. في نهاية 2016، بدأت لقاءات من الوزير الامارات اياه مع رئيس الوزراء نتنياهو. وجرت اللقاءات بداية في قبرص وبعد ذلك في منزل رئيس الوزراء في القدس. وأدت علاقات الثقة الناشئة في البداية الى خلق اتصال مع ولي العهد نفسه، محمد ابن زايد. بداية جرت مكالمات هاتفية أخذت وتيرتها في التصاعد، وتحدث الرجلان مرة كل بضعة اسابيع، فتبادلا الاراء في الوضع وحللا الميول في المنطقة.
ابن زايد، على حد قول بلير، تبين كـ “كفاءة سياسية نادرة، زعيم منفتح وجسور”. وكلما تقدمت العلاقة تبين كم هو ونتنياهو يحتفظان بمفاهيم فكرية مشابهة. حين قال نتنياهو عشرات المرات في السنوات الاخيرة، انه في معارضته لايران يعبر عن مواقف زعماء المنطقة، كان المقصود ابن زايد، وليس هو فقط. ولا يقل اهمية عن ذلك تحدث ولي العهد مع نتنياهو عن مستقبل المنطقة وعن الحاجة لتوفير جواب بادوات حديثة، للجيل الشاب والعاطل عن العمل في الشرق الاوسط.
“عندما تلتقي ابن زايد، ستكون بينكما كيمياء فورية”، قال بلير لنتنياهو في احدى المحادثات الكثيرة بينهما. واللاء، للدقة اللقاءات ستأتي بالفعل. نتنياهو، كما كشفت “اسرائيل اليوم” وصل مرتين الى عاصمة الامارات في 2018 حين اجتازت الرحلة الاسرائيلية الجوية سماء السعودية. وعلى خلفية العلاقات الوثيقة بين ابن زايد وبين محمد بن سلمان، وليس عهد السعودية، يمكن التقدير باحتمالية عالية بانهم في الرياض كانوا يعرفون بان طائرة رئيس الوزراء هي التي تجتاز المجال الجوي للمملكة.
من فكرة الى مصالح مشتركة
التقى نتنياهو بابن زايد لعدة ساعات، وراكم الرجلان بالفعل علاقة فورية وممتازة. وفي احد اللقائين في ابو ظبي، تجول رئيس الوزراء في المدينة وان كان اللقاء قصيرا. “كم ساعة يمكن اخفاء رئيس وزراء؟!”. مثلما يسأل في سؤال بياني موظف كبير مطلع على التفاصيل في حديث مع “اسرائيل اليوم”.
ما بدأ بنظرة فكرية مشابهة الى الوضع الاقليمي، سرعان ما اصبح تداخل مصالح في جملة واسعة من المجالات. كمؤمن كبير بالعلم وبالتكنولوجيا وجد ابن زايد لغة مشتركة مع نتنياهو في هذه المواضيع ايضا. ليس صدفة ان واحدا من اللقاءات الخمسة التي انعقدت في ابو ظبي الاسبوع الماضي كانت في مجال الفضاء – فالامارات، صدقتم أم لم تصدقوا، اطلقوا منذ الان سفينة فضاء الى المريخ.
يشدد بلير على انه من أجل احداث الاختراق كانت حاجة الى عنصرين اساسيين. “كانت حاجة الى اطار سياسي وبالتأكيد توجد لاسرائيل وللامارات تهديدات أمنية مشتركة من الاسلام المتطرف، السني والشيعي على حد سواء، وكان هذا جزءا مركزيا في الموضوع. ولكن الاطار السياسي ليس كافيا. كانت حاجة لجعل الاعتراف باسرائيل موضوعا يوجد في الاولوية من ناحية الامارات وكانت مطلوبة خطوات عملية”.
“تواصلت هذه الخطوات على مدى بضع سنوات وهي التي بنت الثقة”، يروي ويضيف “تبين الطرفان ان بوسعهما البحث في مواضيع مختلفة بانفتاحية ولكن بسرية. والاشخاص ذوي الشأن تعلموا ان بوسعهم الثقة الواحد بالاخر. وهذا ما جلبنا الى هذه النقطة”.
وهو يشدد على ان ليس فقط الخطر الايراني هو الذي دفع الامارات واسرائيل الواحدة الى الاخرى. “الامر الاهم للفهم هو أن اساس العلاقة بين فقط الموضوع الامني. فالمحادثات كانت ايضا عن المنطقة، عن التطبيع في الشرق الاوسط، عن الاقتصاد، عن الثقافة، عن مستقبل المنطقة وعن الفهم ما هي دولة اسرائيل وما هو دورها في المنطقة”، يقول بلير.
وهو يمتدح القيادة والتصدر من جانب نتنياهو (“زعيم عظيم”)، الرئيس ترامب وصهره جارد كوشنير وابن زايد، ولكنه يشدد على ان “هذا ليس فقط العائلة المالكة بل وايضا مندوبون آخرون في الحكومة. لاجل أن تنجح المسيرة كانت حاجة للانفتاح على العالم وهذا موجود في الامارات. كانت هنا فرصة”. ويضيف بلير: “مسألة الضم سمحت بها، ولكن الاختراق ولد كنتيجة مسيرة عميقة تواصلت بضع سنوات. بدونها ما كان لهذا ان يحصل”.
ان البرنامج السياسي المشترك الذي بني عليه السلام مع الامارات هو فكر مشابه لنتنياهو وابن زايد، عن الوضع في المنطقة. ومشوق الاشارة الى أنه في كتاب نتنياهو “مكان تحت الشمس”، قبل 25 سنة، تنبأ بالمسيرة التي يقودها هو نفسه. فقد كتب نتنياهو في الصفحة 259، انه “اذا توصل العرب في الجيش القادم الى الاعتراف بان اسرائيل تسكن بامان في الشرق الاوسط وانها ستبقى فيه الى الابد يحتمل أن تتحقق ثورة نفسية في موقفهم من حق اسرائيل في الوجود. اعتقد ان ليس الى الابد سيضرب العرب رؤوسهم في الحائط”.
وفي سياق الكتاب يضيف بان “دولة اسرائيل التي يعيش فيها 8 او 10 مليون يهودي بعد بضع عشرات السنين، ستتمكن من الاستمتاع بالازدهار، الزخم والاستقلال. وبالذات لان الدولة اليهودية ستتعزز هكذا، سيضطر في نهاية المطاف معظم العالم العربي لعقد سلام حقيقي معها.
“تتعارض هذه الفكرة جوهريا مع فكرة اخرى تسود اليوم، تعتقد بان اسرائيل لن تحقق السلام الا اذا “تصالحت” مع العالم العربي بتنازلات بعيدة الاثر تضعفها وتقلصها. والحقيقة هي أن السلام الدائم لن يتحقق الا اذا اقنع الشعب اليهودي العرب بان معهم والى جانبهم يجب أن يعيش، اذ انه هنا وسيبقى هنا (صفحة 290)”.
هذه الرؤيا التي تحدت مفهوم “الارض مقابل السلام” اثبتت نفسها في الواقع بقدر كبير.