ترجمات عبرية

اسرائيل اليوم – بقلم آفي بارايلي – نهاية اليمين واليسار كما عرفناهما

اسرائيل اليوم –  بقلم  آفي بارايلي – 22/11/2020

في العالم مثلما في اسرائيل لم يعد لتعريف اليسار واليمين معنى. فاليسار بات يمثل الطبقة الوسطى العليا بل صار اليمين يطرح برامج اقتصادية – اجتماعية تلبي مصالح الطبقات الدنيا “.

اصطلاحا يمين ويسار لم يعود لهما اي نفع، وليس فقط في اسرائيل، بل وفي كل البلدان الديمقراطية. فمؤخرا يقتحم اليمين المطارح الطبقية التي تعود لليسار على اساس برنامج اقتصادي – اجتماعي وطني بقدر معين يساري، وبشكل عام بالتأكيد ليس يمينيا صرفا.

لقد كان اليمين واليسار منذ الازل اصطلاحين مظلتين واسعين للغاية. وبالتالي فانهما مشوشان بالضرورة.  ولكنهما مع ذلك كانا مجديين في بعض تموضع ما. من الناحية الاقتصادية انقسمت الساحة السياسية بين “العمل” وبين “رأس المال”. في اليمين اندرجت القوى، المصالح والقيم المرتبطة بالقطاع المالي للمجتمع والاقتصاد. وحدد اليسار اولئك الذين يرتبطون بالعمل والعمال هدفا له. وكلاهما شكلا علامة على تطلعات ايديولوجية متنافسة. الاولى، تحقيق المساواة الاجتماعية من خلال رعاية دولة الرفاه، والاخرى لتحقيق المنافسة والتعبير الابداعي للفرد من خلال تقليص دور الدولة.

لم يكن الانقسام مطلقا. فقد ادعى اليمين بان طريقه تخدم العمال ايضا. ولم يسعى اليسار في الغالب الى الغاء اقتصاد السوق. وبقدر ما كانا ديمقراطيين، كان الطرفان ملتزمين سواء بالحرية أم بالمساواة، غير أنهما انقسما من حيث السبل التي اقترحاها للتصدي للتضاربات التي بين هذه القيم. اما الان، فهذا الثنائي لا يجدي حتى في التموضع الاولي في السياسة الديمقراطية في البلدان الرأسمالية. والتشويش الذي حصل في اسرائيل منذ زمن طويل، يحصل أكثر فأكثر في بلدان ديمقراطية اخرى.

منذ زمن بعيد كان دارجا القول انه في اسرائيل لا  ينطبق على اليمين واليسار بمعناهما الاجتماعي – الاقتصادي وصف الساحة السياسية. ففي العقود الاخيرة اصبحت حركة العمل الاسرائيلية حركة الطبقة الوسطى – العالية التي يكاد لا يكون لها تأييد في اوساط العمال اليدويين، الفقراء او المواطنين الاقل تعليما. وقد حصل هذا قبل وقت طويل من شطبها عمليا عن الساحة السياسية، وكذا لكل خلفائها صورة اجتماعية – سياسية متشابهة: طبقة وسطى عالية ومتعلمة مع ارتباطات عميقة بالطبقات الميسورة. وهذا هو سبب اساس لعدم قدرة احزاب الوسط – اليسار للتغلب على الليكود حتى امام مرشح متهم بالجنائي، وهذا سبب اساس للازمة السياسية في اسرائيل.

بالمقابل، حتى التسعينيات كان يبدو أن “اليسار” و “اليمين” في اوروبا وفي الولايات المتحدة لا يزالان يشيران الى التمييز الاقتصادي بين “رأس المال” و “العمل”. ولكن بالتدريج في الولايات المتحدة وفي اوروبا ايضا، في العملية التي هي في اسرائيل حالة متقدمة ومتطرفة لها، شُخص اليسار أكثر فأكثر مع الطبقة الوسطى – العليا والمتعلمة، اي: مقترعون امامهم امكانيات اقتصادية واجتماعية كثيرة. في الجانب الاخر من الساحة السياسية، يكتسب اليمين مؤخرا مواقع تأييد لطبقة العمال والاحياء الفقيرة والاقل تعليما، بسبب توافق مواقفه السياسية والايديولوجية مع مصالح وقيم جمهور المقترعين الشعبي.

مؤشر واضح على هذا يوجد في انتصار المحافظين برئاسة جونسون في دوائر العمال الواضحة في شمال انجلترا في 2019. لعشرات السنين لم يحصل هناك شيء مشابه. اليمين البريطاني عرض موقفا واضحا يؤيد البريكزيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي)، في منح الهجرة واعادة السيادة القومية على الاقتصاد من بروكسل الى لندن. ولهذا فقد تلقى التأييد ممن تضرروا من سياسة العولمة التي اتخذها حتى ذلك الحين حزب العمال وكذا المحافظون بقيادتهم السابقة. هكذا حصل في انتصار ترامب في 2016، وبقوة اكبر في هزيمته المتحققة في 2020. فقد سرع سياقات حولت الحزب الجمهوري ليصبح اكثر شعبيا من ناحية دوائر جمهور الناخبين (البيض، الهسبانيين والسود) ومن ناحية العمل من أجل ناخبيه غير المتعلمين: تقييد الهجرة لمن سيتنافسون معهم في سوق العمل وسياسة تجارة قومية لحماية الصناعة المحلية. من اتهم بالانعزالية تبين كزعيم رائد للصدام مع الصين من اجل ناخبيه. فما هو من ناحية اجتماعية؟ “يميني” “يساري؟”.

في الولايات المتحدة وفي بريطانيا وقعت في العقود الاخيرة مسيرة تقارب بين احزابها الكبرى على برنامج مشترك لاقتصاد المعلومات العالمي، الذي خلق وراءه ملايين المواطنين المتروكين لمصيرهم في محاور الطريق التاريخية. وبالذات احزاب اليمين تتغير  مؤخرا وتعرض عليهم قومية اقتصادية مدافعة. وحتى لو هزمت الكورونا جونسون اخيرا، مثلما هزمت ترامب ربما، يلوح تغيير جوهري في سياسة العالم الديمقراطي. وهذا يقتلع كل منطق الانقسام بين اليمين واليسار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى