اسرائيل اليوم– البروفيسور ايال زيسر – إرث عرفات ،”تفكيك الوطنية الفلسطينية
اسرائيل اليوم– بقلم البروفيسور ايال زيسر – 11/11/2019
في مناطق السلطة الفلسطينية يحيون اليوم الذكرى الـ 15 لوفاة ياسر عرفات، زعيم م.ت.ف ومؤسس السلطة.
لابناء جيل عرفات، اناس من عمر وجيل ابو مازن، الزعيم الحالي للسلطة، الذي احتفل هذه السنة بيوم ميلاده الـ 83، يبقى عرفات رمز الكفاح الفلسطيني ضد اسرائيل، بل والممثل الواضح للقضية الفلسطينية على اجيالها. درة التاج في هذا الكفاح كانت بلا شك كلمة عرفات امام الجمعية العمومية في نيويورك في تشرين الثاني 1974، قبل 45 سنة بالضبط، وبعد نحو عقدين من ذلك التوقيع على اتفاق اوسلو في ايلول 1993، والذي منح الفلسطينيين وم.ت.ف اعترافا اسرائيليا بل وسيطرة اقليمية في الضفة وقطاع غزة.
ولكن بالنسبة لمعظم الجمهور الفلسطيني، فان عرفات هو ذكرى بعيدة بل وشخصية غير ذات صلة. ففي اثناء الـ 15 سنة التي انقضت منذ وفاة ياسر عرفات، فقدت القضية الفلسطينية مركزيتها في نظر العالم العربي بل وفي نظر العالم الواسع.
لقد نبع التآكل في مكانة الفلسطينيين من خليط فتاك من انعدام التسامح، التعب بل وملل الكثيرين في العالم من طريقهم ومن سلوكهم – ولكن الى جانب ذلك، ايضا من الفهم العميق بان القضية الفلسطينية ليست الوحيدة، بل وعلى ما يبدو ليست الاهم التي توجد على جدول اعمال المنطقة؛ ومن الفهم في أنه توجد مشاكل ملحة بقدر لا يقل، والاهم من ذلك – حل هذه لا يرتبط على الاطلاق بالقضية الفلسطينية وليس منوطا بها. فعمليات الارهاب لتنظيم القاعدة، وبعد ذلك ظهور داعش، مست هي ايضا بالفلسطينيين إذ دلت – لمن احتاج في العالم لمثل هذا الدرس – على أنه لا ينبغي التمييز بين “الارهاب الشرير” و “الارهاب الخير”، وأن من يبدي تسامحا وتفهما تجاه الارهاب الفلسطيني ضد اسرائيل، نهايته أن يجد نفسه أمام ارهاب اسلامي راديكالي.
لقد كان طريق عرفات هو طريق المفاوضات الذي يترافق مع العنف والارهاب كوصفة لتحقيق مطالبه. اما ابو مازن، خليفته، وان كان يعلن المرة تلو الاخرى بانه يتنكر للارهاب، ولكن ليس في وسعه أن يقترح طريقا آخر، اكثر واقعية، طريق السلام القائم على الحلول الوسط والتنازلات التي تسمح بتحطيم الطريق المسدود الذي علق الفلسطينيون فيه.
وأخيرا، فان فشل السلطة في اقامة مؤسسات حكم تؤدي مهامها ونظيفة من الفساد، كلفها فقدان شرعيتها في نظر السكان الفلسطينيين. قد رأى هؤلاء بعيون تعبة كيف تتدفق مليارات الدولارات، من مساعدات الاسرة الدولية، الى الجيوب الخاصة، او في حالة حماس الى انفاق الارهاب وشراء الصواريخ التي لا حاجة لسكان القطاع بها. يتضح من كل هذا ان الحركة الوطنية الفلسطينية وصلت الى نهاية طريقها. فقد فشلت في ادارة مؤسسات السلطة. لا تنجح في فرض إمرتها على الفصائل وعلى المنظمات المسلحة، مثل حماس، فقدت تأييد العالم، وأكثر من ذلك، ليس لها طريق يمكنها أن تعرضه على ابناء شعبها.
لا غرو ان الفلسطينيين يهجرون السلطة ولكنهم يهجرون حماس ايضا. ينبغي الافتراض بانه اذا كان الخيار في يد الفلسطينيين، فان الكثيرين منهم يفضلون ان يصبحوا مواطني دولة اسرائيل، مثلما يفعل، بالمناسبة، الكثير من سكان شرقي القدس. هذه انباء تبعث على التحدي لاسرائيل، التي تحتاج – في الواقع الذي خلقته اتفاقات اوسلو – الى شريك فلسطيني كي يحافظ على الهدوء بل ان يحاول الدفع الى الامام لتسوية تضمن الاستقرار على مدى بعيد.
سخرية القدر هي أن التحدي لاسرائيل لم يعد ينبع من الوطنية الفلسطينية التي تتحدى مجرد وجود دولة اسرائيل بل بالذات من فشل هذه الحركة الوطنية، التي تجلب الفلسطينيين الى حضن اسرائيل، وتلزمها بان تحرص على حماية هويتها كدولة يهودية وديمقراطية.