#شؤون اقليمية

استغلال الضغوط: لماذا تربط إيران بين الاحتجاجات الداخلية والدور الخارجي؟

منذ اللحظة الأولى لاندلاع الاحتجاجات الحالية اعتراضاً على قرار الحكومة، في 15 نوفمبر الجاري، برفع أسعار الوقود، بدا أن النظام حريص على الربط بينها وبين الدور الإقليمي الذي تمارسه إيران، لاسيما داخل دول الأزمات، على نحو يشير إلى أنه لا يفصل بين الضغوط التي يتعرض لها على المستوى الداخلي وتلك التي يواجهها على الصعيد الخارجي، حيث أن التوافق الزمني بين تصاعد حدة العقوبات الأمريكية واندلاع تظاهرات داخلية تجاوزت مطالبها التراجع عن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة ووصلت إلى حد التنديد بسلطات المرشد ونفوذ الحرس الثوري، لا يبدو مصادفة، وفقاً لرؤيته.

حملة مستمرة:

رغم انتشار الاحتجاجات في العديد من المدن والقرى الإيرانية، والتي كان عنوانها الرئيسي الاعتراض على قرار الحكومة برفع أسعار الوقود، إلا أن النظام تعمد من البداية الترويج لوجود مخطط خارجي يهدف إلى تأجيج الأزمة الداخلية في إيران وتقويض دعائمه وتهديد بقاءه في السلطة، على نحو بدا جلياً في تصريحات المسئولين الإيرانيين، وفي مقدمتهم المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي قال، في 20 نوفمبر الجاري، أن “إيران جعلت العدو يتقهقر في ساحات الحرب العسكرية والاقتصادية ومنها الممارسات الأخيرة التي حصلت والتي كانت أمنية وليست شعبية”.

وسارعت إيران إلى الربط بين الاحتجاجات وبين التصعيد المتواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد أن وضعت الأخيرة، في 22 نوفمبر الجاري، وزير الاتصالات الإيراني محمد جواد آذر جهرمي ضمن قائمة العقوبات، بسبب قيام السلطات الإيرانية بحجب شبكة الإنترنت وفرض قيود شديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتوازي مع دعوة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو المحتجين الإيرانيين لإرسال الصور والفيديوهات التي توضح، حسب تصريحاته، الانتهاكات التي تعرضوا لها من قبل السلطات.

احتواء الأزمة:

من هنا، ربما يمكن القول إن النظام الإيراني سعى عبر الربط بين الدور الإقليمي والاحتجاجات الداخلية إلى تقليص الزخم الذي حظت به الاحتجاجات، على الساحتين الداخلية والخارجية، وذلك من خلال صرف الانتباه بعيداً عن أسبابها الحقيقية، والتي تتعلق بالأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران وتتجاوز مؤشراتها، إلى حد كبير، مجرد رفع أسعار الوقود. إذ أن تقليص العوائد المالية التي كانت تحصل عليها إيران عبر صادراتها النفطية فرض تداعيات اقتصادية عديدة على الأرض، أسفرت عن ارتفاع مستوى التضخم وزيادة انكماش الاقتصاد الإيراني.

وبمعنى آخر، فإن النظام حاول عبر الترويج لوجود مخطط خارجي لتأجيج الاحتجاجات في الداخل، إضفاء وجاهة على مزاعمه القائمة على أنه لا توجد أسباب داخلية حقيقية للاحتجاجات، لاسيما أن الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة سوف تصب في صالح المواطنين في النهاية، حسب تصريحات الرئيس حسن روحاني. ويتوازى ذلك مع الحملة التي تشنها وسائل الإعلام الموالية للنظام والتي تركز على أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة نجحت، إلى حد كبير، في احتواء تأثيرات العقوبات الأمريكية.

شارع موازٍ:

وكان لافتاً أن المظاهرات المؤيدة للنظام، والتي تم تنظيمها بعد صلاة الجمعة في 22 نوفمبر الجاري، حملت شعارات تشير إلى أن “الفوضى في إيران لا تنفصل عن ما يجري في سوريا”، وذلك في ربط واضح بين الاحتجاجات الأخيرة والضربات العسكرية التي شنتها إسرائيل على مواقع تابعة للنظام السوري و”فيلق القدس” التابع للحرس الثوري، في 20 نوفمبر الجاري.

وهنا، فإن طهران تسعى إلى الترويج بأن انخراطها في الجهود التي بذلت من أجل دعم النظام السوري والحفاظ على بقاءه في السلطة خلال الأعوام الثمانية الأخيرة، منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس 2011، دفعت خصومها، وفقاً لمزاعمها، إلى العمل على محاصرة المكتسبات التي فرضها هذا الدور، وتشتيت قدرات إيران في أكثر من ساحة، ولاسيما الساحة الداخلية، من خلال محاولة تأجيج الاحتجاجات الداخلية المنددة بإصرار النظام على استنزاف العوائد المالية الإيرانية في دعم حلفائه الإقليميين.

تهديدات مباشرة:

​وقد سمحت السلطات الإيرانية خلال تنظيم تلك المظاهرات المؤيدة للنظام بانضمام بعض الطلبة الأجانب الذين يدرسون في المؤسسات التعليمية والدينية في إيران، على غرار الحوزة العلمية في مدينة أصفهان، إليها، حيث رفعوا شعارات “الموت لأمريكا”، منددين بالاحتجاجات التي خرجت للاعتراض على رفع أسعار الوقود.

ومن دون شك، فإن الهدف لا يكمن فقط في تعزيز قدرة النظام على احتواء الاحتجاجات الداخلية المناوئة لسياساته، وإنما يتعلق برغبة النظام في توجيه رسائل تهديد إلى القوى المعنية بالملفات التي تمارس فيها إيران أدواراً، مفادها أن الأخيرة تمكنت من تكوين رصيد إقليمي ودولي لها يمكن أن تستند إليه في حالة وصول التصعيد الحالي مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلى درجة غير مسبوقة، بما يعني أنها تعود مرة أخرى إلى التلويح بنفوذها الإقليمي العابر للحدود في مواجهة العقوبات الأمريكية والضغوط الإقليمية والدولية.

ولم تكن هذه هى المرة الأولى التي تستعين إيران بحلفائها من أجل مساعدتها على مواجهة أزمات أو مشكلات داخلية، حيث سبق أن استعانت بعناصر من حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي وميليشيا “فاطميين” الأفغانية، في مواجهة أزمة السيول التي اجتاحت مناطق عديدة داخلها في أبريل 2019، في مؤشر يوحي بأنها تسعى إلى الترويج لأن دعم حلفائها لا يهدف إلى تعزيز حضورها في الخارج فحسب، وإنما يهدف أيضاً إلى دعم سلطة النظام في الداخل.

وبعبارة أخرى، فإن النظام الإيراني يسعى إلى توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تحديداً تفيد أن كُلفة أية مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران سوف تكون عالية، ليس في ضوء قدرات إيران العسكرية فقط، وإنما في ظل نفوذها لدى حلفائها من الميليشيات التي قامت بدعمها وتكوينها وتدريبها في بعض دول الأزمات.

أزمة متجددة:

في النهاية، يمكن القول إن النظام ما زال مُصِرَّاً على تبني المقاربة الأمنية في تعامله مع الاحتجاجات الداخلية، على نحو يشير إلى أن احتمال تجددها في الفترة القادمة ربما لا يكون مستبعداً، في ظل بقاء دوافعها الرئيسية دون تغيير، ويتمثل أبرزها في الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها إيران في الوقت الحالي، والتي لا يمكن فصلها عن استمرار السياسة التي يتبناها النظام على الساحتين الإقليمية والدولية.

  • مركز المستقبل للدراسات المتقدمة 24-11-2019

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى