ازدادت التجارة التركية الايرانية وسط التعاون المتزايد في سوريا
بعد تراجع دام أربع سنوات، ارتفعت التجارة بين تركيا وإيران في عام 2017، حيث بدأ الجيران التعاون في سوريا. وباستنادا إلى أرقام السنوات الخمس الماضية، يبدو أن المناخ السياسي بين أنقرة وطهران يؤثر بشكل مباشر على العلاقات التجارية. وانكمش حجم التجارة الثنائية بينهما خلال الفترات التي أدت فيها سياسات تركيا في الشرق الأوسط إلى تعاون أوثق مع المملكة العربية السعودية واختلافات متباينة مع إيران، إلا أنه تم تعزيزها في عام 2017 عندما شارك البلدان في جهود مشتركة في سوريا.
وبلغ حجم التجارة بين تركيا وإيران أعلى مستوياته في عام 2012، حيث بلغ مجموعها 21.9 مليار دولار. في عام 2013، انخفض بشكل حاد، إلى 14.5 مليار دولار، تحت تأثير العقوبات الأمريكية على إيران. واستمر الانخفاض في عام 2014، ليصل إلى 13.7 مليار دولار. وفى محاولة لدعم العلاقات التجارية، سنت الدولتان اتفاقية تجارة تفضيلية فى بداية عام 2015، وخفضت التعريفات الجمركية على مئات المنتجات. وتم تحديد هدف بقيمة 35 بليون دولار في التجارة الثنائية السنوية.
إن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع القوى العالمية سرعان ما أدى إلى رفع العقوبات، مما يؤجج الأمل في عدم وجود عقبات كبيرة أمام الطفرة المرغوبة في التجارة الثنائية. وعلى الرغم من التطورات الإيجابية، انخفض حجم التجارة إلى 9.7 مليار دولار في عام 2015 ثم إلى 9.6 مليار دولار في عام 2016. وكانت الأرقام المتدهورة علامة واضحة على أن العلاقات التجارية سوف تفشل في الإقلاع دون أن تحل الدولتان مناطق الصراع في سياساتهما الإقليمية من بينها الأزمة في سوريا.
وبدأت الأمور تتغير في عام 2017، حيث جاءت تركيا إلى الولايات المتحدة في سوريا، وشاركت في الجهود مع روسيا وإيران من أجل التوصل إلى حل للصراع. وهناك عامل مهم يجعل انقرة وطهران أقرب إلى القلق المشترك من أن بلدانهم يمكن أن تكون المقبل في خط المتاعب الناجمة عن الاضطرابات الإقليمية، مع المشكلة الكردية تزداد تعقيدا لكلا منهما.
لقد شعر الأتراك منذ زمن بعيد بالقلق من أن القوى الغربية تريد “تقسيم” بلادهم ، وكان هذا عاملا رئيسيا في تشكيل السياسات المحلية والأجنبية على حد سواء. وفي هذا السياق، فإن الدافع الرئيسي وراء تحالفات تركيا الجديدة هو التحرك لتحييد أي مخاطر قد تؤدي إلى التقسيم. وبالنسبة لعدد كبير من الأتراك العاديين وحتى المسؤولين الحكوميين، فإن العديد من دول الناتو ليست حليفة حقا، ولكن القوى الغربية تتآمر لتخليص تركيا من إنشاء دولة كردية بالوكالة متاخمة لإيران وتقليل موقف تركيا كقوة إقليمية. وهنا، فإن فكرة تعزيز التحالفات الإقليمية تتمتع بدعم جماهيري قوي. إن التقارب السياسي والعسكري والاقتصادي مع إيران وروسيا والعراق وسرد الحفاظ على سلامة أراضي سوريا يتوقف على الإخطار بالوقوف جنبا إلى جنب مع الحلفاء لمنع التهديدات على الحدود التركية وتجنب التقسيم.
وفى خضم حملة تعزيز التحالفات الاقليمية، ازدادت الزيارات رفيعة المستوى بين تركيا وايران فى العام الماضى. واتفق الجانبان على استخدام معاهداتهما الوطنية بدلا من الدولار الامريكى فى التجارة الثنائية. ووقعت البنوك المركزية التركية والإيرانية في تشرين الأول / أكتوبر اتفاقا بهذا الشأن.
وبالتوازي مع التقارب السياسي، ارتفع حجم التجارة لأول مرة منذ عام 2012، حيث بلغ 10.7 مليار دولار في نهاية عام 2017، وهو ما يمثل زيادة قدرها 1.1 مليار دولار عن عام 2016. وقد استفادت إيران أكثر من الانتعاش مما فعلته تركيا. وبلغت وارداتها من تركيا نحو 3.2 مليار دولار، بانخفاض من حوالي 5 مليارات دولار في عام 2016، في حين ارتفعت صادراتها إلى تركيا إلى أكثر من 7.5 مليار دولار، بزيادة من حوالي 4.7 مليار دولار في العام السابق. وبعبارة أخرى، عكست إيران الميزان التجاري لصالحها، من عجز قدره 266 مليون دولار في عام 2016 إلى فائض بلغ نحو 4.3 مليار دولار في عام 2017.
بيد أن الأرقام تشير في الواقع إلى أن التجارة الثنائية لا تعود إلا إلى وضعها الطبيعي. في السنوات ال 17 الماضية، كان عام 2016 هو العام الوحيد الذي شهدت فيه إيران عجزا تجاريا فيما يتعلق بتركيا، وتراوحت الفوائض بين 579 مليون دولار و 8.8 مليار دولار في السنوات الأخرى.
كيف تحول التوازن في صالح إيران؟ وكانت زيادة إمدادات النفط إلى تركيا هي العامل الرئيسي. ولم تتوافر بيانات رسمية حتى الآن، ولكن وفقا للأرقام التي جمعتها وكالة الأناضول التركية، بلغت الواردات النفطية من إيران 7.4 مليون طن في الأشهر السبعة الأولى من عام 2017، بزيادة نسبتها 142٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. كما لوحظت زيادة في أكثر من 100٪ في الواردات التركية من الزنك غير المعالج والمعادن النتروجينية والأسمدة الكيماوية والألمنيوم غير المعالج والفواكه الطازجة والمجففة.
لماذا انخفضت الصادرات التركية؟ ويعزى هذا التراجع أساسا إلى عثرة هائلة في صادرات الذهب التي كانت مزدهرة في تركيا إلى إيران، والتي بلغت 111 مليون دولار في العام الماضي، من 1.3 مليار دولار في عام 2016.
إن احتياطيات إيران الضخمة من الطاقة – 150 مليار برميل من النفط الخام و 33.5 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي – تجعلها واحدة من أكبر منتجي الطاقة في العالم، في حين لا تزال تركيا المجاورة مستوردة رئيسية للنفط والغاز وسط الجهود المبذولة لتصبح طريقا رئيسيا للطاقة بين الشرق الأوسط وأوروبا.
إن تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران قد يكون مفيدا لتركيا، ولكن لا يمكن تجاهل احتمال حدوث نكسة نظرا للوجه الأخير – التحركات المتغيرة بين أنقرة وواشنطن. إدارة دونالد ترامب لديها بوضوح إيران في مرمى لها. وفي الوقت نفسه، أصبحت تركيا هدفا محتملا للعقوبات الأمريكية على خطتها لشراء الصواريخ الروسية المتقدمة، فوق اللمحة العالقة في سوريا.
إذا كانت أنقرة ملتزمة بإصلاح الغرامات مع واشنطن، فإن القيام بذلك مع الحفاظ على التعاون مع إيران سيتطلب أفعالا ماهرة.
المصدر : ترجمة خاصة عن موقع المونيتور ٢-٣-٢٠١٨ – محمد سيتينجوليك (صحفى تركى يتمتع ب 34 عاما من الخبرة المهنية بما فى ذلك 23 عاما مع مجموعة صباح لوسائل الاعلام التى شغل خلالها منصبا كمراسل يغطى مكاتب رئيس الوزراء والرئاسة ورئيس اعلام الاقتصاد ورئيس مكتب البرلمان)