احوال التركية ، دايفيد ليبسكا يكتب – السبب الحقيقي وراء وجود تركيا في ليبيا

دايفيد ليبسكا *- 14/11/2019
قد لا يكون الدعم العسكري الكبير الذي تقدمه تركيا للمقاتلين الإسلاميين في ليبيا مرتبطاً بأي أيديولوجية مشتركة، وإنما نتيجة مباشرة لعلاقة قطر ما بعد الربيع العربي بإسلامي ليبي قابل الأشخاص المناسبين في الدوحة.
في الأسبوع الماضي، تعرضت العلاقات بين تركيا وقطر للهجوم في وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة، والتي انتقدت قناة الجزيرة القطرية الناطقة باللغة الإنكليزية بسبب تغطيتها السلبية لهجوم أنقرة في شمال شرق سوريا.
يرى ديفيد روبرتس، المحاضر في كلية كينغز كوليدج لندن ومؤلف كتاب (قطر: تأمين الطموحات العالمية للمدينة الدولة) أن هذا الأمر ليس قضية، لأن قناة الجزيرة تميل إلى اتخاذ قراراتها التحريرية ولأن العلاقات التركية القطرية قوية جداً. وتعود العلاقات إلى العصر العثماني، على الرغم من أن التحالف الحالي أكثر حداثة.
وقال روبرتس لموقع (أحوال تركية) في بث صوتي (بودكاست) “بدأت العلاقات الوثيقة غير العادية بين تركيا وقطر مع الربيع العربي … يشعر الاثنان بالارتياح للغاية للانخراط بدرجات مختلفة مع أطراف فاعلة من الطيف الإسلامي. تركيا أكثر من ذلك بكثير، ربما، لكن قطر تشعر بأنها على ما يرام مع هذه الأطراف”.
وعندما فرضت كتلة من دول المنطقة بقيادة المملكة العربية السعودية في منتصف عام 2017 مقاطعة على قطر، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى دعمها للجماعات الإسلامية، تدخلت تركيا لتقديم المساعدة.
وقال روبرتس “خلال الأيام القليلة الأولى من الحصار، شاهدنا بالتأكيد وصول القوات التركية وشاهدنا دبلوماسية الدفاع في أفضل حالاتها بشكل واضح للغاية”، مشيراً إلى أن فرقة التدريب العسكري التركية في قطر في ذلك الوقت توسعت بسرعة إلى قاعدة عسكرية تركية.
وفي شهر أغسطس عام 2018، ردت قطر المعروف، إذ أنقذت الاقتصاد التركي المتعثر بحوالي 15 مليار دولار من الاستثمارات، بالإضافة إلى طائرة خاصة فاخرة بقيمة 500 مليون دولار من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى “شقيقه” الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
في ذلك العام، زادت التجارة بين تركيا وقطر بنسبة حوالي 80 في المئة. وكانت العلاقات تزداد قوة، وتوجهت قطر التي يبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة فقط إلى تركيا طلباً للمساعدة.
وأوضح روبرتس “ليس لدى قطر ما يكفي من الناس للانتقال من مكان لآخر وتحتاج إلى تعزيز العلاقات حيثما تستطيع”.
وأضاف “لقد أصبحت تركيا طرفاً مهماً في السياسة الخارجية مع قطر وبالنيابة عنها”، مشيراً إلى ليبيا وسوريا والصومال. وقال “كان الأتراك هم الذين لديهم جهاز الخدمة الخارجية والمعرفة والدراية الفنية، وهكذا عمل الاثنان عن كثب في هذه المجالات الأجنبية المختلفة”.
وقال روبرتس إن قطر ليست مكرسة للقضية الإسلامية بشكل خانع، كما يشير الكثير من المراقبين، بل هي مؤيدة لجماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين بدافع البراغماتية. ويعتقد روبرتس أن دعم قطر للإسلاميين في ليبيا، وبالتالي دعم تركيا، كان بشكل أساسي نتيجة للمصادفة.
وقد تم نفي علي الصلابي، وهو شخصية قيادية في الحركة الإسلامية الليبية، إلى قطر وأقام صلات هناك بشخصيات من جماعة الإخوان المسلمين والقيادة القطرية، مما أدى إلى إنفاق الدوحة حوالي ملياري دولار لدعم جهوده في ليبيا.
وقال منشور للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على الإنترنت “عندما اندلعت ثورة 2011، عاد الصلابي إلى ليبيا ليعمل كقناة محلية للأسلحة والاستخبارات والتدريب العسكري القطري … يحمل الآن الجنسية القطرية وله علاقة وثيقة مع يوسف القرضاوي، الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين البالغ من العمر 91 عاماً والمقيم في قطر”.
وبعد الإطاحة بالديكتاتور الليبي معمر القذافي في عام 2011، كان ينظر كثير من المراقبين الغربيين إلى الصلابي على أنه شخصية مهمة في ليبيا. وبعد مقابلة في أكتوبر 2011، وصفته صحيفة واشنطن بوست بأنه كبير مهندسي ليبيا الجديدة.
وطالما ذكر حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الصلابي كنموذج لحكم الدولة الإسلامية المعتدلة. وبالتالي، عندما بدأت قطر في تقليص مشاركتها في ليبيا في عام 2014، لم يكن مفاجئاً أن تركيا تدخلت واستمرت في العمل مع الصلابي.
واليوم، لا تلعب الدوحة دوراً يُذكر في الصراع الليبي، وفقاً لروبرتس، في حين تلعب تركيا دوراً كبيراً. وبعد سنوات من تقديم الأسلحة والإمدادات إلى الإسلاميين الليبيين في الخفاء لتجنب اتهامات بانتهاك حظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة، أصبحت أنقرة منذ شهر مايو أكثر انفتاحاً بشأن جهودها في ليبيا، بما في ذلك التسليم العلني للمركبات المدرعة الثقيلة.
وبدءاً من شهر سبتمبر، ذكرت تقارير أن تركيا تشرف على جزء كبير من الحرب، وتساعد الإسلاميين المحليين على تشغيل طائرات دون طيار تركية الصنع وتوجيه العمليات العسكرية لحكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها وهي تقاتل قوات القائد العسكري خليفة حفتر.
وفي وقت مبكر من هذا العام، نشر مستشار أردوغان ياسين أقطاي على تويتر صوراً للقاء مع الصلابي بجانب مجموعة من النصوص الدينية في مكتبه في إسطنبول. ودعا أقطاي إلى خلافة تقودها تركيا ووصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها قوة تابعة لتركيا.
ويقول روبرتس إن كل هذا نتيجة الحظ السيء إلى حد كبير للصلابي الذي يدعم القضايا الإسلامية وينتهي به الأمر في قطر بدلاً من الولايات المتحدة، على سبيل المثال.
وقال روبرتس “حقيقة أن (القطريين) عرفوه أثناء وجوده في قطر أهم بكثير من الصراع الأيديولوجي الكبير … إذا كان الصلابي شاباً مسيحياً إنجيلياً لديه الكثير من الدعم والشرعية في ليبيا، فأنا متأكد حينها من أن قطر كانت ستدعمه وتدعم قضيته”.
*دايفيد ليبسكا كاتب وصحفي مختص بالشأن التركي وخصوصا اكراد تركيا– عن احوال تركيا.