أقلام وأراء

ابراهيم حيدر يكتب – رسائل ديفيد هيل ومعضلة “حزب الله”!

بقلم ابراهيم حيدر *- 17/4/2021

جاء ديفيد هيل إلى بيروت مستطلعاً ومستكشفاً المناخ السياسي اللبناني، من دون أن تحمل زيارته جديداً في الموقف الأميركي من الملفات اللبنانية، خصوصاً في تشكيل الحكومة المعلق على وقع الخلافات اللبنانية الداخلية وامتداداتها الإقليمية. لم يتحدث في شكل الحكومة ولم يقدم أي وجهة أميركية في شأنها باستثناء تأكيده الثوابت، أي تشكيل حكومة تحظى بثقة المجتمع الدولي وتنجز الإصلاحات للتفاوض مع صندوق النقد، وقال إن اللبنانيين وحدهم يمكنهم تشكيل الحكومة ولا أحد غيرهم قادر على الإنابة عنهم في هذا الملف.

في ما يتخطى الملف الحكومي، توقف هيل عند ملف ترسيم الحدود، علماً أن زيارته لبنان هي الأخيرة كوكيل لوزارة الخارجية الأميركية، وهو سيرفع تقريراً الى إدارته حول الوضع اللبناني لتبني عليه خليفته فيكتوريا نولاند خطواتها للتعامل مع لبنان والمنطقة أيضاً. تشير زيارة هيل وتجنّبه الخوض في آلية التشكيل إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة لم تحدّد بعد وجهتها في التعاطي مع الملف اللبناني وما هو مرتبط به، وإن كان المسؤول الأميركي رأى أن لا مبررَ لاستمرار عملية تعطيل تشكيل الحكومة.

النقطة المهمة التي يمكن استنتاجها هي أن لبنان ليس من الأولويات الأميركية في هذه المرحلة، باستثناء الملفات المتعلقة بإسرائيل، ومنها ملف ترسيم الحدود البحرية وملف “حزب الله” وسلاحه، وهما يفتحان حكماً على تطورات المنطقة والمفاوضات المفتوحة حول الملف النووي والتصعيد في المنطقة بين إسرائيل وإيران، والمواجهات المستجدة في العراق بعد القرار الإيراني باستهداف القواعد الأميركية، لذا يبدو ملف تشكيل الحكومة اللبنانية، وإن كانت استعصاءاته داخلية بين القوى السياسية والطائفية والخلاف على الحصص والثلث المعطل والهيمنة على القرار، فهو مرتبط أيضاً بما يدور في المنطقة، خصوصاً الارتباطات اللبنانية بالقوى الإقليمية، لا سيما “حزب الله” ومرجعيته الإيرانية. وهنا يبدو الانتظار سيد الموقف وما إذا كانت المفاوضات حول الاتفاق النووي والعقوبات ستعيد ترتيب موازين القوى، ومنها ما يتعلق بلبنان.

نصيحة هيل في بيروت بدعوته اللبنانيين إلى عدم انتظار أي تطورات إقليمية أو دولية أو المفاوضات بين أي من الأطراف لتشكيل حكومة، لأن الواقع اللبناني غير قادر على الانتظار، تعكس عدم وجود أي ضغط أميركي تجاه لبنان، حتى أن هيل أشار إلى ضرورة توصل الأفرقاء اللبنانيين إلى تسوية ضرورية للخروج من المأزق، وهي السبيل الوحيد للتشكيل. لكن الواقع حتى الآن يشير الى أن عدم اتفاق الفرقاء المحليين على تشكيل الحكومة، وتمسك كل طرف بشروطه، خصوصاً رئيس الجمهورية ميشال عون كاستعصاء أول، ومعه رهانات “حزب الله” وانتظار قرار مرجعيته، يظهر أن لعملية التشكيل والملفات المرتبطة بها امتدادات إقليمية، وأن التسوية غير متاحة حتى الآن، فيما المبادرة الفرنسية وصلت إلى طريق مسدود، وهي بالأصل كانت تحتاج إلى قوة دفع أميركية، فيما الأميركيون يهمهم في الملف اللبناني حالياً، ترسيم الحدود. وعلى هذا أبدى هيل استغرابه من الموقف اللبناني المستجد حول تعديل مرسوم خط الحدود البحرية، واعتبره أنه يعرقل المفاوضات مع إسرائيل. كما أن الجيش اللبناني يهم الأميركيين وما إذا كان قادراً على الصمود في ظل الانهيار الحالي، وهو ملف بحثه أيضاً هيل في لبنان من دون أن تظهر حوله نتائج محددة.

المفارقة أن ديفيد هيل تحدث عن العقوبات الأميركية بخجل، ملمحاً إلى احتمال فرض عقوبات على من يعرقل التسوية في تشكيل الحكومة، “فأولئك الذين يواصلون عرقلة تقدّم الإصلاح، يغامرون بعلاقتهم مع الولايات المتحدة وشركائها ويعرّضون أنفسهم للإجراءات العقابية. أما الذين يعملون على تسهيل التقدّم، فيمكنهم الاطمئنان لدعمنا القوي”. أما الملف الأساسي الذي يهم الأميركيين فعبّر عنه هيل بالقول “إن تكديس “حزب الله” الأسلحة الخطرة والتهريب والأنشطة غير المشروعة والفاسدة، يقوّض مؤسسات الدولة الشرعية. وهو يسلب من اللبنانيين القدرة على بناء بلد مسالم ومزدهر. وإيران هي التي تغذّي وتموّل هذا التحدي للدولة، وتشوّه الحياة السياسية اللبنانية”. وفي الجانب اللبناني رئيس الجمهورية، ميشال عون، امتنع عن توقيع مرسوم ترسيم الحدود البحرية. جزء من قراره هو رسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية وتجنباً للتصعيد معها وانتظار تطورات جديدة إقليمية، وهو أمر مرتبط أيضاً بالحكومة وبمحاولة عون القول للأميركيين إنه المقرر في ملفات ستبحثها الحكومة الجديدة إذا تشكلت، ومنها ترسيم الحدود ودور “اليونيفيل” في الجنوب اللبناني. ويعكس موقف رئيس الجمهورية محاولة للإمساك بأوراق محددة تهم الأميركيين والتفاوض حولها، وقد يكون هذا الموقف منسقاً مع “حزب الله” للحصول على مكاسب في ملفات أخرى، ومنها ما هو متعلق بالعقوبات وبتمرير التسوية ارتباطاً بالملف النووي والمواجهة من العراق إلى اليمن.

لا يمكن البناء على ما حققه ديفيد هيل في زيارته لبنان، فالملف سيكون لدى الإدارة الجديدة مع شخصية أخرى وبمقاربة مختلفة، لكن التقرير الذي سيرفعه المسؤول الأميركي سيحدد مدى الاهتمام الأميركي بلبنان وحدود الضغط، وما هي الملفات التي يريد الأميركيون حسمها قبل غيرها؟ وهل تريد واشنطن تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية وفي المنطقة أم إبقاءه في قلبها؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى