ابراهام ديسكن يكتب – احداث الجدار: ثقلت بوابات غزة

بقلم : ابراهام ديسكن ، اسرائيل اليوم 21/5/2018
في بداية الثمانينيات صادف أن تشاركتالغرفة مع الجنرال والدبلوماسي تومي برانس في جامعة كارلتون في أوتوا عاصمة كندا. برانس الذي كان رئيس هيئة مراقبي الامم المتحدة في اسرائيل بين 1954 – 1959، اصدر أمر لجيش اسرائيل والجيش المصري بعدم الاقتراب من مسافة 500 متر على جانبي الخط الحدودي الفاصل بين اسرائيل وقطاع غزة. كان هناك تلم حرث في الارض حدد خط “وقف اطلاق النار” في تلك الايام.
راكبا على حصانه خرج روعي روتبرغ إبن العشرين، وفي اليوم الاول من “لاغ بعومر في 29 نيسان 1956” من اجل طرد متسللين اخترقوا خط تلم وقف اطلاق النار ودخلوا الى حقول ناحل عوز. الحصان عاد الى الكيبوتس دون فارسه. روعي قتل والخاطفون نكلوا بجثته، وقد دفن في اليوم التالي.
رئيس الاركان موشيه ديان الذي تمت استضافته في المكان بمناسبة زفاف اربعة ازواج ألقى خطاب التأبين. الامر يتعلق باحدى الوثائق التأسيسية لدولة اسرائيل. الوثيقة تظهر المصير المحزن للشعب المقيم في صهيون والذي حكم عليه “حمل بوابات غزة الثقيلة” مثل شمشون في حينه. كانت هناك عدة صيغ للتأبين.
الصيغة التالية سجلها ديان بعد القيام بالتأبين: “فجر أمس قتل روعي. هدوء صباح يوم ربيعي أعماه ولم ير من كانوا يتربصون له على خط التلم”. ليس من العرب الموجودين في غزة، بل من أنفسنا علينا أن نطالب بالثأر لروعي. كيف اغمضنا عيوننا عن النظر في مصيرنا، وعن عدم رؤية جيلنا بكامل قسوته؟ هل نسينا أن هؤلاء الشباب الذين يقيمون في ناحل عوز يحملون على اكتافهم بوابات غزة الثقيلة – بوابات خلفها يتجمع مئات الآلاف من العيون والأيدي التي تصلي من اجل أن يحل ضعفنا، من اجل أن يستطيعوا تمزيقنا إربا إربا. هل نسينا ذلك؟.
نحن نعرف أنه من أجل أن يموت أمل تدميرنا، يجب علينا أن نكون صبح مساء مسلحين ومتأهبين. نحن جيل الاستيطان، وبدون الخوذة الفولاذية وقوة المدفعية لا يمكننا أن نزرع ونبني بيت. لن يكون لاولادنا حياة اذا لم نقم بحفر الملاجيء، وبدون اسلاك شائكة ورشاش لا يمكننا شق طريق أو حفر بئر.
ملايين اليهود الذين ابيدوا ولم يكن لهم وطن، يتطلعون الينا من غبار التاريخ الاسرائيلي ويأمروننا بالاستيطان وانشاء بلاد لشعبنا. ولكن خلف تلم الحدود، يثور بحر من الكراهية وشهية الانتقام، وتنتظر اليوم الذي يأخذ فيه الهدوء تأهبنا، اليوم الذي نستمع فيه الى سفراء التملق المخادع الذين يدعوننا الى القاء سلاحنا.
وفقط نحونا يصرخ دم روعي وجثته الممزقة، رغم أن آلاف وعودنا بأن دمنا لن يذهب هباء، فانه أمس تم اغراءنا واصغينا وصدقنا. علينا محاسبة انفسنا اليوم. علينا أن لا نخاف من أن نرى الحقد الذي يرافق ويملأ حياة مئات آلاف العرب الذين يجلسون وينتظرون اللحظة التي يستطيعون فيها الوصول الى دمنا. علينا ألا نحول انظارنا لئلا تضعف أيدينا، هذا هو مصيرنا، هذا هو خيارنا، أن نكون متعقلين ومتسلحين واقوياء وعنيدين، أو أن السيف سيسقط من أيدينا وننتهي.
روعي روتبرغ، الشاب الاشقر الذي ذهب من تل ابيب لاقامة بيته على ابواب غزة وليكون سورا لنا. روعي الضوء الذي في قلبه أعمى عينيه ولم ير برق الحداد، الحنين للسلام صم أذنيه ولم يسمع صوت القتل الكامن له. لقد ثقلت بوابات غزة على كتفيه وتفوقت عليه.
في غرفتنا المشتركة في كندا تحدثت مع الجنرال برانس عن التأبين. كرجل الامم المتحدة المخلص ألقى برانس بضبط نفس ودبلوماسية المسؤولية على اسرائيل. وردا على ذلك علقت في الغرفة الصورة المعروفة للطفل من غيتو وارسو الذي يرفع يديه باستسلام امام من ارادوا قتله.
احداث الاسبوع الاخير ذكرتني بتلك المحادثة، بتأبين موشيه ديان وظروف موت روعي روتبرغ. كل شيء تغير، وكل شيء بقي مثلما كان، في غياب تسليم الطرف الاخر بحق وجودنا فقد حكم علينا وعلى اعدائنا بمواصلة حمل العبء الثقيل لبوابات غزة.