إيكونوميست: الإطاحة بملك إسرائيل
إيكونوميست 16-3-2024: الإطاحة بملك إسرائيل
بعد أسابيع من تجاهل إسرائيل النصيحة الأمريكية بتوفير المساعدات للمدنيين في غزة، ولكن في 14 آذار/ مارس، شيء ما انكسر، فقد اتهم تشاك شومر، زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي، وأحد أشد الداعمين لإسرائيل في الحزب الديمقراطي، رئيسَ وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بأنه “ضل الطريق” وأنه “مستعد للتسامح مع حصيلة القتلى بين المدنيين في غزة التي أوصلت دعم إسرائيل في العالم لمستويات متدنية”. ودعا شومر وهو يهودي، إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل. وبعد فترة قصيرة، علق الرئيس جو بايدن على خطاب شومر ودعمه ووصف تعليقاته بـ”الخطاب الجيد”.
رؤساء الولايات المتحدة اختلفوا بشدة مع رؤساء الوزراء الإسرائيليين من قبل. ولكن من الصعب التفكير في وقت دعا فيه ساكن المكتب البيضاوي وبشكل قريب للإطاحة برئيس وزراء إسرائيلي منتخب.
وفي 17 آذار/ مارس، رد نتنياهو على تعليقات شومر، ووصفها بأنها “غير مناسبة بالمطلق” وأن الانتخابات في إسرائيل ستشل البلاد لستة أشهر على الأقل. وفي النظرة الأولية، تبدو الإطاحة بنتنياهو واضحة، فبحسب واحد من الاستطلاعات، تريد نسبة 70% من الإسرائيليين تقديم الانتخابات عن 2026.
ويقوم المعارضون لنتنياهو، بمن فيهم بيني غانتس، عضو حكومة الحرب، بمناورات بما في ذلك محادثات ثنائية مع الحكومة الأمريكية. ولكن الآلية لتغيير القيادة في إسرائيل محفوفة بالمخاطر، ففي الحد الأدنى ستكون هناك فترة انتقالية لمدة ثلاثة أشهر، يكون فيها نتنياهو مسيطرا وبتحالف لا يمكن تقييده.
ولأن التغيير المقترح يتداخل مع الحرب في غزة، وإمكانية شن حملة عسكرية على رفح، وسيناريو تصعيد مع حزب الله في لبنان، ومواصلة التصعيد في الضفة الغربية، فهذا يدعو للتفكير العميق. وتقول المجلة إن هناك ثلاث طرق يمكن من خلالها تغيير القيادة في إسرائيل. الأولى هي استقالة رئيس الوزراء. وفي هذه الحالة لا نية لدى نتنياهو بالاستقالة مع أنه قاد إسرائيل لواحدة من أكبر الحوادث الكئيبة، وفق وصف المجلة، ولا يميل للدعوة إلى انتخابات مبكرة.
أما الطريقة الثانية فهي من خلال الكنيست، والتي تقوم باستبدال رئيس الوزراء عبر نزع الثقة منه. ولا يكفي تصويتها على استبداله ولكن عليها أن تصوت على بديله. وفي انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، حصلت كتلة الأحزاب التي تدعم نتنياهو حاليا على 64 مقعدا من 160 في الكنيست، وربما كان هناك خمسة من النواب المتمردين قد يشاركون في حجب الثقة عنه، ولكن فرص موافقة المعارضة على مرشح بديل هي معدومة.
أما الخيار الوحيد والمحتمل، فهو انشقاقات في تحالفه، والانضمام إلى المعارضة من أجل التصويت على حل الكنيست والدعوة لانتخابات مبكرة. والمشكلة هي أن نتنياهو سيظل على رأس حكومة تصريف أعمال لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، وهي المدة الأقصر التي يسمح بها القانون لعقد انتخابات مبكرة. ولو استطاع عزل بيني غانتس من الحكومة قبل التصويت، فسينتهي بوزارة يسيطر عليها هو وحلفاؤه من المتطرفين.
وفي ظل هذه القيود، ما الذي سيحدث لاحقا؟
فالتهديد الأكبر لنتنياهو، يأتي من العناصر المتطرفة في تحالفه. فالقوميون المتطرفون والأحزاب الدينية هم عماد حكومته، ويريدون إطالة أمد إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية. وحتى تمرر الكنيست قانونا، وهذا غير محتمل في وقت الحرب، فطلاب المدارس الدينية سيجبرون على الخدمة في الجيش، وستُقطع عنهم المساعدات الحكومية بقرار محكمة. وعندها سيقرر ممثلو هذه الأحزاب مغادرة الحكومة. وحذرت هذه الأحزاب أن أي اتفاق بين الحكومة وحماس بشأن الإفراج عن الأسرى في غزة وهدنة طويلة هو “خط أحمر” بالنسبة لهم، وكذا تسليم الأمن وإدارة القطاع للسلطة الفلسطينية في رام الله.
ويأتي التهديد الثاني لنتنياهو من معسكر الوسط الذي يعطي أولوية للإفراج عن الأسرى، ويفضل مع المؤسسات الأمنية زيادة المساعدات الإنسانية، ودورا للسلطة الفلسطينية. ويقوم غانتس الذي انضم وحزبه الصغير “الوحدة الوطنية” إلى حكومة الحرب، مباشرة بعد هجوم حماس، بتجاهل سلطة نتنياهو. وطار قبل فترة إلى واشنطن ولندن حيث أجرى محادثات على مستوى عال ضد رغبات نتنياهو.
وقام يوآف غالانت، وزير الدفاع وعضو حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو بعقد اجتماع لقادة الجيش من أجل الاتفاق على موقف مستقل من اتفاق تبادل أسرى محتمل.
والمخاطر من الرجلين ولإسرائيل عالية، فغانتس بعد الانتخابات سيكون زعيم أكبر حزب في الكنيست، وفي وضع يتمكن من خلاله من تشكيل الحكومة. لكنه لو دفع باتجاه انتخابات مبكرة، فسيعزله نتنياهو مع غالانت. وسيكون الوضع خطيرا، خاصة في ظل أزمة لم تواجه إسرائيل منذ إنشائها، والسبب هو تسيد المتطرفين في غياب المعتدلين والبراغماتيين.
وفي أسوأ الحالات، فقد تتبنى هذه الحكومة نهجا متهورا من الدعم الإنساني لغزة، وتزيد من القمع في الضفة الغربية وتصعّد الأوضاع في الشمال مع حزب الله، وتقود حملة عسكرية شاملة ضد رفح تؤدي لمزيد من القتلى المدنيين. وهو ما سيؤدي لقطع علاقة إسرائيل مع أمريكا ويزيد من الضغوط على الدستور لو رفض تيار الوسط التعاون.
وبالمحصلة، لا توجد معارضة موحدة ضد نتنياهو، ولأن جلسات الكنيست ستنتهي في 7 نيسان/ أبريل، ولن تنعقد مرة ثانية إلا في أيار/مايو، فلن يحصل أي تحرك لتغيير الحكومة. ويقول مسؤول بارز في حزب غانتس: “هذه أسوأ حكومة شهدتها إسرائيل” و”ستكون أكثر سوءا لو غادرنا الآن”.