ترجمات أجنبية

إنسايد أرابيا – جوناثان هارفي- هكذا تغلغل النفوذ الروسي في البحر الأحمر والقرن الأفريقي

إنسايد أرابيا –   جوناثان هارفي   –   18/2/2021

في الأعوام الأخيرة، وسعت روسيا تواجدها في القرن الأفريقي لتعزيز نفوذها في السياسة الخارجية العالمية.

وقبل أشهر، كشفت صحيفة “بيلد” الألمانية عن وثيقة مسربة من وزارة الخارجية الألمانية تفيد بأن روسيا وقعت اتفاقيات تعاون عسكري مع 21 دولة في أفريقيا منذ عام 2015، كما بدأت في إنشاء قواعد عسكرية في جمهورية أفريقيا الوسطى ومصر وإريتريا ومدغشقر وموزمبيق والسودان، رغم أن روسيا لم تفصح بشكل كامل عن وجودها العسكري في القارة.

ومن الواضح أن موسكو حريصة على ممارسة نفوذ عسكري أكبر في شرق أفريقيا، لكنها تجنبت إلى حد كبير اتخاذ موقف علني في الشؤون الداخلية والإقليمية للدول الأفريقية.

وبالرغم من العلاقات القوية مع حكومة إثيوبيا، لم تتورط روسيا في صراع أديس أبابا مع الانفصاليين في مقاطعة تيجراي، ولم يتم إثبات المزاعم حول وجود أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية “إس-400”.

ووصفت روسيا إثيوبيا بالفاعل الرئيسي في القرن الأفريقي، وبدأت العمل التحضيري لمحطة نووية في البلاد في يناير/كانون الثاني 2020، بناء على اتفاق في عام 2017.

وفي يناير/كانون الثاني 2020 أيضا، ورد أن موسكو كانت تجري محادثات مع حكومة أرض الصومال المتمتعة بالحكم الذاتي لإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة الساحلية الاستراتيجية.

وفي حين أن هذا لم يتم الانتهاء منه رسميا بعد، فإن تحقيقه سيوسع بشكل كبير الوجود العسكري لموسكو على طول منطقة البحر الأحمر.

وقال الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة “فاسيلي نيبينزيا”، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إن موسكو تدعم المحادثات بين الصومال وحكومة أرض الصومال المستقلة. وقد لعبت روسيا في كثير من الأحيان “لعبة انتظار” تكتيكية، حيث تمتنع عن الانحياز لأحد أطراف النزاع حتى تدرك من هو اللاعب الأقوى قبل الوقوف إلى جانبه.

وكان تورط موسكو في القرن الأفريقي أقل وضوحا قبل عقد من الزمان. وفي عام 2010، كانت البحرية الروسية في صراع مع القراصنة الصوماليين الذين يشكلون تهديدا للأنشطة التجارية لموسكو.

وكما يشير المحلل “صموئيل راماني”، فقد وفر هذا لروسيا في البداية فرصة نادرة للتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن مشاركتها كانت محدودة في الغالب.

ولا تزال روسيا تتطلع إلى تعزيز علاقاتها في المنطقة، مع خطط لتوسيع وجودها العسكري. وسعت موسكو في البداية إلى إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي عام 2012، بالرغم من التخلي عنها في نهاية المطاف في أعقاب الصراع الأوكراني الروسي الذي بدأ عام 2014، والذي أعطته روسيا الأولوية.

وبالإضافة إلى بناء علاقات أقوى مع مختلف الحكومات في المنطقة، تسعى موسكو الآن إلى تركيز نفوذها في البحر الأحمر وخليج عدن، خاصة على طول مضيق باب المندب الذي يمر به 10% من التجارة العالمية. وبشكل عام، ركزت روسيا على وجود عسكري أقوى بدلا من الاستثمارات.

ووقعت روسيا اتفاقا مع السودان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لإدارة قاعدة عسكرية في بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، وفي المقابل، ستحصل البحرية السودانية على دعم موسكو في مهام البحث والإنقاذ و”مكافحة التخريب”، والاستفادة من أنظمة الدفاع الروسية المثبتة في الموقع.

وأقامت روسيا علاقات إيجابية مع نظام للرئيس السوداني السابق “عمرالبشير” قبل الإطاحة به في أبريل/نيسان 2019، وفي منتجع سوتشي على البحر الأسود عام 2018، قال “البشير” لـ”بوتين”: “لقد حلمنا بهذه الزيارة منذ فترة طويلة. نشكر روسيا على موقفها على الساحة الدولية، بما في ذلك موقف روسيا في حماية السودان من الأعمال العدوانية للولايات المتحدة”.

كما ورد أن مجموعة “فاجنر” الروسية أرسلت أيضا مرتزقة لدعم نظام “البشير” في الصراع ضد جنوب السودان عام 2018، وفقا لمركز “ستراتفور”.

وتفضل موسكو عموما دعم القادة الاستبداديين، وفي حالة السودان، كانت هذه فرصة لكسب نفوذ ضد واشنطن في المنطقة، مستفيدة من علاقات “البشير” المتوترة مع الولايات المتحدة.

وفي الواقع، كان “البشير” مطلوبا منذ فترة طويلة من قبل المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في منطقة دارفور، وكان نظام “البشير” يخضع لعقوبات أمريكية كما تم إدراجه على قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ عام 1993.

وبعد سقوط “البشير” عام 2019، تعرض نفوذ موسكو في السودان للتهديد، وساعدت الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق بين فصائل المعارضة المدنية والجيش السوداني الذي استولى على السلطة بعد الثورة وحاول قمع المتظاهرين.

وسعت القيادة السودانية الجديدة إلى إلغاء إدراج بلادهم على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وخاصة مع تزايد التضخم والنقص الحاد في العملة الصعبة، وهي أمور تفاقمت خلال جائحة فيروس “كورونا”.

واعترف السودان رسميا بإسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2020، مقابل حذفه من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب.

ومن المثير للاهتمام، أنه نظرا لعدم رفع السودان من القائمة حتى 14 ديسمبر/كانون الأول، كان بإمكان روسيا الاستفادة من التأخير وبناء علاقات أقوى مع الخرطوم لمساعدتها في تعويض تردد واشنطن.

ومع ذلك، لم تقدم واشنطن مزيدا من الدعم للسودان، ولا يزال بإمكان موسكو تعزيز نفوذها لأنها لم تطالب بأي شروط سياسية للعلاقات الثنائية والدعم الروسي بينما طلبت الولايات المتحدة الاعتراف بإسرائيل في المقابل، وهي خطوة غير مرحب بها شعبيا.

وتفضل موسكو على الأرجح الوقوف إلى جانب القادة العسكريين، الأمر الذي قد يعطل الانتقال الديمقراطي الهش الذي يمر به السودان منذ سقوط “البشير”.

ومع ذلك، قد تكون هناك عقبات كبيرة أمام قيام روسيا بترسيخ نفوذ أكبر في المنطقة، حيث تفتقر روسيا إلى الموارد المالية اللازمة لذلك ما قد يحد من استثماراتها في المنطقة مقارنة بالصين التي سمحت لها براعتها الاقتصادية بأن تصبح لاعبا مهيمنا في أفريقيا، وعززت وجودها على طول البحر الأحمر وخليج عدن.

كما كان هناك عامل ساعد روسيا على تعزيز نفوذها في القرن الأفريقي خلال السنوات الأخيرة، وهو تراجع الحضور الأمريكي في المنطقة تحت إدارة “دونالد ترامب”.

ولكن “جو بايدن” اتخذ موقفا أكثر انتقادا لسياسة روسيا الخارجية، مشيرا إلى أنه سيكون أقل تسامحا مع مغامرات موسكو في المنطقة.

ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت واشنطن ستكثف مشاركتها وما إذا كان ذلك سيعيق المشروع الروسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى