ترجمات أجنبية

إنسايد آرابيا – جوناثان فنتون هارفي – ماذا تعني الانتخابات البريطانية بالنسبة للشرق الأوسط ؟

إنسايد آرابيا – جوناثان فنتون هارفي – 7/12/2019  

مع الانتخابات العامة المقبلة في المملكة المتحدة ، تثور أسئلة حاسمة: هل سيقود حزب العمل تحولا جذريا في موقف بريطانيا التقليدي في الشرق الأوسط ، أم هل سيشدد المحافظون سياسات بريطانيا الحالية؟

بينما يغيب مشهد الانتخابات النزيهة عن كثير من الدول العربية في الوقت الراهن، سيكون لنتائج الانتخابات البريطانية القادمة آثارها المحتملة على الواقع العربي؛ حسبما يرصد الكاتب «جوناثان فنتون هارفي» في مقاله في موقع «إنسايد آرابيا» الذي تناول فيه موقف العمال والمحافظين، حال فوزهم بالانتخابات، من التطورات الجارية في المنطقة العربية.

استهل هارفي مقاله بالقول: «مع الانتخابات العامة القادمة في المملكة المتحدة، تبرز أسئلة مهمة: هل يقود العمال تحولًا جذريًا في موقف بريطانيا التقليدي تجاه الشرق الأوسط؟ أم سيعزز المحافظون من سياسات بريطانيا القائمة؟».

ويجيب أن «الانتخابات البريطانية القادمة في 12 ديسمبر (كانون الأول) ربما تكون هي المنعطف الأكثر أهمية بالنسبة لسياسة بريطانيا الخارجية في الشرق الأوسط منذ عقود، حيث يشكل فوز أي من الجانبين تبعات ملموسة على المنطقة».

«المرشحان الحاليان هما رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون عن حزب المحافظين وزعيم المعارضة جيرمي كوربين عن حزب العمال. وتتنافس أحزاب أخرى مثل حزب الديمقراطيين الأحرار وحزب البريكست وحزب الخُضر والحزب القومي الأسكتلندي على المقاعد البرلمانية وقد تنضم هذه الأحزاب إلى حكومة ائتلافية إذا لم يحصل أي حزب على الأغلبية».

ومع أن المحافظين يتقدمون حاليًا في استطلاعات الرأي، إلا أن فوز العمال ربما يحقق إصلاحات غير مسبوقة لانخراط بريطانيا في الشرق الأوسط.

العمال : مراجعة جذرية لعلاقات بريطانيا مع الشرق الأوسط؟

يشير هارفي إلى أن بيان حزب العمال يشير إلى التحول بعيدًا عما يُسمَّى بـ «حزب العمال الجديد» برئاسة توني بلير وجوردون براون. وأن حزب العمال بقيادة كوربين سيسعى إلى الابتعاد عن تدخل بريطانيا في العراق وأفغانستان، مسلِطًا الضوء على الخسائر الفادحة لهاتين الحربين في صفوف المدنيين وتسببهما في تهديدات أمنية، بينما سيعيد تقييم العلاقات مع حلفاء المملكة المتحدة التقليديين.

«منذ مارس (آذار) 2015، انتقد كوربين دعم بريطانيا لحرب السعودية فياليمن، التي ساهمت فيما وصفته الأمم المتحدة بـ«أسوأ أزمة إنسانية (من صنع الإنسان) في العالم» منذ أكثر من عام. والآن يتعهد حزب العمال بوقف بيع الأسلحة إلى السعودية، التي تعمدت استهداف مرافق اليمن الطبية ومواقعه الزراعية ومناطقه المأهولة بالمدنيين. كما تعهد بتقديم مزيد من المعونات لحل الأزمات الإنسانية، مع تركيز كبير على اليمن».

ويلفت الكاتب إلى أن برنامج «ديسباتش» الوثائقي على القناة الرابعة، الذي يحلل دور بريطانيا المركزي في دعم الحرب السعودية، أظهر أن بريطانيا إذا أوقفت المساعدات العسكرية، ستنتهي الحملة السعودية في غضون أسبوعين.

ويرى الكاتب أن «تنفيذ كوربين لحظر توريد الأسلحة للرياض ربما يعجِّل بجهود السلام في اليمن التي مزقتها الحرب. وبما أن بريطانيا هي التي وضعت «المسودة الأولى» لليمن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فقد تستلهم مزيدًا من الجهود العالمية لمساعدة البلاد، وقد تؤدي المملكة المتحدة دورًا أكثر حزمًا في جهود السلام».

وتابع هارفي قائلًا: «إن إنهاء بريطانيا مبيعات السلاح التي تبلغ قيمتها 6.2 مليار جنيه إسترليني (ما يُعادل 8 مليار دولار) منذ عام 2015 قد يخفِّض من مستوى علاقتها التاريخية مع المملكة. وربما تسحب الرياض بغضب استثماراتها في لندن ردًا على ذلك، الأمر الذي سيزيد من عزلة السعودية على الصعيد الدولي، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير ديناميات المنطقة».

على صعيد آخر يسعى كوربين إلى تحدي علاقة بريطانيا مع إسرائيل، التي سهَّل وعد بلفور عام 1917تأسيسها. وكما هو الحال مع السعودية، يعتزم حزب العمال إنهاء بيع الأسلحة لإسرائيل ودفعها إلى إنهاء حصارها على قطاع غزة. كما وعد كوربين سابقًا بالاعتراف بفلسطين، وهو تعهد غير مسبوق لدولة غربية رئيسية، مع دعم «أمن إسرائيل إلى جانب أمن دولة فلسطين القابلة للحياة».

ويشير هارفي إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ألمح ذات مرة إلى أن التحالف الأمني الإسرائيلي – البريطاني ربما ينتهي بعد فوز كوربين، وهو ما يحرم بريطانيا من حليف تقليدي آخر.

وبينما كان كوربين مدافعًا صريحًا عن حقوق الفلسطينيين، إلا أن بعض البرلمانيين العماليين يتعاطفون بشكل أكبر مع إسرائيل. وهذا يمكن أن يخفف من وطأة التحديات المتعلقة بهذه القضية. وبما أن بريطانيا ليست مُصدِّرًا أساسيًا للأسلحة إلى إسرائيل مقارنة بالسعودية، بتقديمها زهاء 270 مليون جنيه إسترليني (ما يُعادل 349 مليون دولار أمريكي) في السنوات الثلاث الماضية، فإن موقف كوربين لن يوقف احتلال إسرائيل لفلسطين في الحال.

«وإذا طُبِّقَت رؤية كوربين فسوف تُشكِّل سابقة داخل بريطانيا وأوروبا تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وربما تتسبب في تغييرات دولية تدريجية، خاصة بعد أن أمرت محكمة تابعة للاتحاد الأوروبي في نوفمبر (تشرين الثاني) الدول الأعضاء بتصنيف السلع الإسرائيلية التي أُنتجت في الضفة الغربية المُحتلَّة حسب مناطقها الأصلية (بأن يكون على البضائع القادمة من المستوطنات في الأراضي المحتلة وسم يشير إلى أنها «نتاج مستوطنة»، وليست «نتاج إسرائيل» أو صُنع في إسرائيل).

ويمكن أن يؤثر حزب العمال أكثر على هذه التغييرات، في حالة إجراء استفتاء ثانٍ على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وقيادة بريطانيا إلى البقاء، بينما يستخدم موقعها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتشجيع على اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد إسرائيل.

ويتعهد حزب العمال بـ«إجراء إصلاح جذري وشامل لقوانين تصدير الأسلحة حتى لا يستطيع الوزراء التغاضي مرة أخرى عن استخدام الأسلحة المُصنَّعة في بريطانيا لاستهداف المدنيين الأبرياء»؛ ما يؤدي إلى مراجعة بريطانيا لعلاقاتها مع منتهكي حقوق الإنسان الآخرين في المنطقة، لا سيما مصر والإمارات.

ويشير الكاتب إلى أن آراء جيرمي كوربين المتعلقة بالشرق الأوسط أثارت جدلًا. على سبيل المثال اتُهِم بتجاهل جرائم الحرب التي ارتكبها بشار الأسد في سوريا، مع أن البيان تعهد بتحقيق العدالة لتفجير المستشفيات في سوريا، الذي شنَّته قوات الأسد إلى حدٍ كبير.

في الواقع، تهدف خطط كوربين أكثر إلى استهداف انتهاكات الحلفاء البريطانيين المقربين. ومن المرجح أن يتجنب كوربين التدخل ضد بلدان أخرى مثل سوريا وإيران ويفضل الدبلوماسية بدلًا عن تبرير تصرفاتها.

المحافظون: هل يصرون على الوضع الراهن؟

في السياق ذاته، قضى قرار محكمة الاستئناف البريطانية في يونيو (حزيران) بـأن بيع الأسلحة للسعودية «غير قانوني»، ما يستلزم وقف إبرام المزيد من الصفقات معها. ومع ذلك استمر حزب المحافظين في بيع الأسلحة.

واعتذرت ليز تروس، وزيرة الشؤون التجارية، في سبتمبر (أيلول) عن بيع الأسلحة للسعودية «عن غير قصد»، على الرغم من الحظر. ولا يزال حزب المحافظين حريصًا على استمرار الدعم العسكري للرياض، على الرغم من إدراكه تورُّطَها في حرب اليمن.

هارفي أعرب عن دهشته من عدم تناول بيان المحافظين الشرق الأوسط إلا قليلًا، بصرف النظر عن الإشادة بسياسة بريطانيا الخارجية الحالية. ومن خلال طموحه الرئيس بإنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد يحدث تضييق على علاقات بريطانيا مع حلفائها الأكثر ثراءً في الشرق الأوسط. وإذا فشل جونسون في تحقيق أغلبية، ربما يسعى إلى التحالف مع حزب البريكست، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تبني سياسة أكثر صرامة فيما يتعلق بالبريكست.

«ومنذ استفتاء الاتحاد الأوروبي عام 2016، ازدادت تجارة بريطانيا مع السعودية، خاصة بعد أن زار محمد بن سلمان لندن في مارس (آذار) 2018، وسعى لإبرام صفقات تجارية تُقدَّر بـ65 مليار جنيه إسترليني (ما يُعادل 84 مليار دولار). فيما أبدى وزراء سعوديون آخرون اهتمامهم بالاستثمار في بريطانيا فيما بعد البريكست. كما استحوذت الإمارات وإسرائيل على مزيد من التجارة البريطانية بشكل أكبر منذ عام 2016».

واستدرك هارفي قائلًا: «ومع ذلك فإن الاعتماد المتزايد على هذه التجارة يمكن أن يؤدي إلى تغاضي بريطانيا عن ممارسات السعودية في اليمن بشكل أكبر، فضلًا عن ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي يمنح كلًا منهما مزيدًا من فرص الإفلات من العقوبة».

وفي هذا السياق أيضا، يشار إلى أن جونسون دعم أيضًا حظر المقاطعات الشعبية للدول الأجنبية، ومن بينها إسرائيل. وفي الوقت نفسه سيتسبب إبعاد جونسون لبريطانيا عن الاتحاد الأوروبي في تقويض الجهود الأوروبية لدعم القانون الدولي في الضفة الغربية المُحتلة.

ويدَّعي المحافظون بأنهم «سيحافظون على الدعم المُقدَّم لحل دولتين» في إسرائيل وفلسطين، وأبدوا «قلقًا بالغًا» بشأن المستوطنات الإسرائيلية المتزايدة في الضفة الغربية المحتلة وسياسات أخرى، لكن بريطانيا لم تبذل إلا قليلًا من الجهود الملموسة لدعم الدولة الفلسطينية. ويضيف الكاتب في هذا الشأن أن «حظر المقاطعة ربما يقمع المجتمع المدني والجهود السياسية لدعم الدولة الفلسطينية».

على صعيد آخر، أظهر تعهُّد المحافظين بـ«الدفاع عن حرية التعبير والتسامح، سواء في المملكة المتحدة أو خارجها» مؤشرًا ضعيفًا على تصديها لانتهاكات حلفائها الحاليين. وبالتالي فإن القمع في دول من بينها الإمارات ومصر والبحرين، التي أدانتها جميعًا منظمات حقوق الإنسان لانتهاكها حرية التعبير وافتقارها إلى روح التسامح، سيظل قائمًا.

واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى دعم جونسون لموقف ترامب من إيران، واصفا الاتفاق النووي عام 2015 بأنه «صفقة سيئة»، ووصف ترامب بـ«المفاوض البارع» الذي استطاع تحقيق اتفاق أفضل. ومن الواضح أن جونسون مستعد لاتِّباع خطا ترامب بشأن إيران، التي أصبحت أكثر عداءً تحت وطأة حملة الضغط القصوى التي يقودها الرئيس الأمريكي. ومع زيادة الزعيمة البريطانية السابقة تيريزا ماي من وجود بريطانيا العسكري في الخليج لـ«مكافحة» إيران، فقد يبذل جونسون جهودًا إضافية لعزل إيران بدلًا عن السعي لإنهاء التصعيد وإحلال السلام.

**نشر هذا المقال تحت عنوان :

What Britain’s Elections Mean for the Middle East

الكاتب  Jonathan Fenton-Harvey

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى