إندبندنت: هكذا اخترق القاعدة النظام المالي العالمي لتمويل 11/ 9
الأنشطة المالية المتعلقة بالهجمات بدأت قبل عامين تقريباً من وقوعها والتنظيم عد العملية نجاحاً مالياً كبيراً
إندبندنت 11-9-2024، جوزيان رحمة*: هكذا اخترق القاعدة النظام المالي العالمي لتمويل 11/ 9
تنشر “اندبندنت ” تفاصيل ومعلومات سرية كانت وثقتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في تقرير لها في 22 أغسطس عام 2002 ورفعت السرية عنها في 26 يوليو عام 2021، وتكشف محطات مالية مفصلية شكلت أساس تمويل هجمات 11 سبتمبر عام 2001.
على رغم مرور 23 عاماً على وقوعها، إلا أن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الدامية في أميركا، لا تزال بكل تفاصيلها محط أنظار ومتابعة العالم كله، نظراً لهول وحجم ما حدث يومها وعدد القتلى الكبير الذي سقط، ناهيك عما أدت إليه هذه الهجمات من تغيير جذري في سياسة أميركا في الشرق الأوسط ضمن ما يعرف بالحرب على الإرهاب.
جوانب كثيرة توقف عندها الإعلام الأميركي والغربي وحتى العربي من أحداث هذا اليوم، كهوية منفذي الهجوم وكيف خططوا ونفذوا الهجمات، كذلك عملية خطف الطائرات الأربع وإلى أين اقتيدت، وكذلك تداعيات هذا اليوم على العالم كله.
لكن ما غاب بشكل كبير عن افتتاحيات الصحف ونشرات الأخبار أو حتى تسريبات الصحافيين منذ عام 2001 وحتى اليوم هو الجانب المالي لهذا الحدث الكبير، كيف تم تمويل الخاطفين والمنفذين منذ بدء التخطيط للهجوم، وكيف وصلت إليهم الأموال عبر النظام المصرفي الأميركي من دول عدة قبل أشهر من التنفيذ، وكيف حصل كل هذا من دون أن يثير ريبة واشنطن بأي شكل من الأشكال.
تنشر “اندبندنت عربية” تفاصيل ومعلومات سرية كانت وثقتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في تقرير لها في 22 أغسطس (آب) عام 2002 ورفعت السرية عنها في 26 يوليو (تموز) عام 2021، وتكشف محطات مالية مفصلية شكلت أساس تمويل إحدى أكبر العمليات الإرهابية في التاريخ.
التحضير للكارثة عبر ثلاث مراحل
تطابقت العمليات المالية التي دعمت هجمات الـ11 من سبتمبر بشكل كبير مع الطابع العام للعملية، بحيث استندت إلى أنشطة بدت في ظاهرها مشروعة وتم تنفيذها على مدى أكثر من عامين قبل موعد تنفيذ الهجوم. وتكشف الوثائق الأميركية السرية كيف أن الخاطفين، كما الجهات التي سهلت لهم العمليات المالية، قد تلقوا توجيهات دقيقة وتدريبات محكمة من قبل قيادة تنظيمية متمرسة في تحويل الأموال بطرق خفية وسرية.
يتوقف تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في البداية عند السجلات الشخصية للمنفذين بوصفها أنها “نظيفة” والتزامهم الدقيق بنظام مالي غير ملحوظ، كما غابوا عن أي أنشطة مشبوهة تثير أي نوع من الإنذار، أو تنبه المسؤولين الأميركيين والمراقبين الماليين إلى الخطر الوشيك.
تقرير سري أميركي يكشف عن تمويل هجمات 11 سبتمبر ويفند التقرير السمات الأساسية للعملية المالية عبر مراحل عدة وهي:
أولاً، التخطيط طويل الأجل الذي تم خلالها تحويل مبالغ كبيرة من المال مرتبطة بالعملية قبل عامين تقريباً من وقوع الهجمات. ومن المرجح أن تلك الأموال كانت مخصصة لتلبية متطلبات محددة للمنفذين كالتدريب والسفر.
ثانياً، تقسيم المهام بين المخططين والمنفذين، إذ كان كل مختطف يدير حسابه ومعاملاته المالية الخاصة، فيما تولى ثلاثة خاطفين بصورة عامة (سيتم ذكرهم لاحقاً)، مسؤولية التنسيق مع الميسرين الماليين، وتسلم الأموال، وتوزيعها على الخاطفين الآخرين.
ثالثاً، الاستخدام واسع النطاق للنقد لعب دوراً أساسياً في استخدام التمويل للهجمات، إذ عمد المنفذون إلى فتح حساباتهم المصرفية، وتمكنوا من إخفاء معاملاتهم اليومية، من خلال سحب الأموال نقداً بدلاً من استخدام الشيكات أو بطاقات الائتمان.
رابعاً، استخدام الوسطاء الذي من خلالها تم إخفاء المصادر الحقيقية لتمويل المخططين من خلال تمرير الأموال عبر وسطاء مختلفين قبل وصولها إلى وجهتها النهائية.
خامساً استغلال الاقتصادات المفتوحة، إذ اعتمدت العملية بصورة أساسية على المراكز المالية في الإمارات العربية المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة، وذلك بفضل السهولة النسبية والسرية التي تتيحها هذه الدول في إجراء المعاملات المالية.
سادساً، التمويل الخارجي، إذ تم تمويل العمليات بشكل كامل من أموال أتت من خارج أميركا، وبطرق مختلفة.
الجدول الزمني لتمويل الهجمات
يكشف هذا التقرير السري كيف أن الأنشطة المالية المتعلقة بعملية الـ11 من سبتمبر بدأت قبل عامين تقريباً من وقوع الهجمات، عبر ثلاث مراحل يفصلها كالتالي:
تمويل أولي لدعم السفر والاجتماعات خلال الفترة التي تمت فيها بلورة فكرة الهجوم والتخطيط له.
تمويل مرحلتي التدريب والاستطلاع لتنفيذ العملية الذي تزامن مع وصول طياري “خلية هامبورغ” الثلاثة إلى الولايات المتحدة. وشملت المرحلتان هنا تدريبهم على الطيران، والسفر الاستكشافي، والرحلات التجريبية المحتملة، ومراقبة الأهداف المحتملة داخل البلاد.
وتعتبر مدينة هامبورغ المحطة الأولى لبدء التخطيط لهجمات القرن ومنها انطلقت ما يعرف اليوم بـ “خلية هامبورغ”، إذ فيها التقى ثلاثة من قائدي الطائرات المستخدمة في التفجيرات، وهم المصري محمد عطا، والإماراتي مروان الشحي، واللبناني زياد جراح، إضافة إلى منسق اتصالات العملية اليمني رمزي بن الشيبة، وهناك اجتمعوا عام 1998 وبدأت بذلك المرحلة الأولى والأساسية من التخطيط لهجمات 11 سبتمبر.
وأخيراً تمويل المرحلة النهائية لدعم فرق موسعة من الخاطفين، بدءاً بوصول “الموجة الثانية” من هؤلاء إلى أميركا بعد وصول المجموعة الأولى.
وشملت المرحلتان الأوليان ستة خاطفين: ثلاثة كانوا موجودين أساساً في الولايات المتحدة، وثلاثة طيارين من “خلية هامبورغ” (عطا والشحي وجراح) انضموا إليهم. ومن المرجح أن الأشخاص الـ13 (مجموع المهاجمين 19 شخصاً) المتبقين لم يشاركوا في أي نشاط مالي كبير إلى حين وصولهم إلى أميركا في ربيع عام 2001.
المرحلة الأولى: بدايات التمويل
يكشف تقييم أعده “مكتب تحليل الإرهاب” التابع لـ”مركز مكافحة الإرهاب” في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، أن التحضيرات المالية لهجمات الـ11 من سبتمبر قد بدأت في أواخر خريف عام 1999. وكان أعضاء “خلية هامبورغ” الثلاثة، في صلبها وتمحورت حولهم. وقد ظهرت المؤشرات المبكرة إلى التخطيط العملياتي للهجوم عندما بدأ الطيارون والخاطفون المستقبليون الثلاثة تنظيم سفرهم إلى قندهار في أفغانستان لعقد اجتماعات مع كبار قادة “القاعدة” ما بين التاسع من ديسمبر (كانون الأول) عام 1999 والسابع من يناير (كانون الثاني) عام 2000.
وتكشف الوثائق أن الشحي يبدو أنه كان المنسق المالي الرئيس ضمن المجموعة الخاطفة، وكان قد غادر أفغانستان قبل عطا وجراح.
ومما جاء في نص التقرير السري أنه “في الأشهر التي تلت وصول عطا والشحي إلى أميركا في أواخر ربيع عام 2000، ازداد النشاط المالي بصورة ملحوظة. فقد قام أفراد في الإمارات بإرسال مبلغ 115 ألف دولار أميركي من طريق تحويل مصرفي إلى الحساب المشترك لعطا والشحي في “بنك صن تراست” SunTrust Bank في فلوريدا”.
كذلك تبين أن رمزي بن الشيبة، الذي فر إلى باكستان في الأسبوع الذي سبق الهجمات، كان المتلقي الرئيس للأموال في أميركا.
موسوي دخل أميركا وبحوزته 35 ألف دولار
في ما يتعلق بالمشتبه فيه المتهم زكريا موسوي، وهو فرنسي الجنسية مغربي الأصل، واعتبر حينها خاطفاً احتياطياً بديلاً عن جراح لكنه لم يتمكن من اللحاق بالعملية، كشف عند مروره في نقطة تفتيش جمركية لدى دخوله إلى أميركا آتياً من لندن، في فبراير (شباط) 2001، عن أن في حوزته أكثر من 35 ألف دولار نقداً. وفي وقت لاحق، في شهر أغسطس، حوَّل بن الشيبة أموالاً مباشرة إليه، كما تكشف الوثائق الأميركية.
في المقابل، لم يتلقَ خاطفون آخرون شاركوا في التخطيط للهجمات في مرحلة مبكرة، وهم اللبناني زياد جراح، والسعوديان خالد المحضار ونواف الحازمي الذين كانا ضمن خمسة من خاطفي طائرة “أميركان إيرلاينز” الرحلة 77 التي استهدفت وزارة الدفاع البنتاغون، تحويلات كبيرة ومتكررة كتلك التي تلقاها الشحي وعطا. ويبدو أن جراح على وجه الخصوص بحسب الوثائق، أنفق الأموال “على هواه”، لا بل اعتمد حتى على صديقته الخاصة في الحصول على دعم مالي.
أما المحضار والحازمي، واللذان وصلا إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000، فقد قاما بفتح حساب في “بنك أوف أميركا” Bank of America في مدينة سان دييغو من خلال إيداع نقدي مقداره 9900 دولار، وكان نمط نشاط هذين الخاطفين طوال العملية مختلفاً عن نشاط “خلية هامبورغ”، كما ذكر التقرير الأميركي السري.
المرحلة الثانية: بين سبتمبر 2000 ومايو 2001
العمليات المالية في مرحلتها الثانية تمثلت في قيام الخاطفين بوضع إيداعات مصرفية ضئيلة وإجراء سحوبات كبيرة، وهنا تكشف الوثائق كيف أنه خلال تلك المرحلة، قام الخاطفون بعدد من الرحلات إلى الخارج.
إذ قام الشحي بزيارة للمغرب، بينما سافر عطا إلى إسبانيا في شهر يناير عام 2001. وانتقل جراح إلى أوروبا والشرق الأوسط، ضمن رحلات شخصية وقام بتمويلها من ماله الخاص. فيما أمضى المحضار بين يونيو (حزيران) عام 2000 ويوليو عام 2001 وقتاً أطول في الخارج مقارنة بالولايات المتحدة.
كذلك قام الشحي في أبريل (نيسان) من عام 2001 برحلة إلى مصر، حصل خلالها على رخصة القيادة الدولية لعطا من والده. وفي الـ11 من مايو أودع الشحي مبلغ 8600 دولار في حساب مشترك مع الأخير في “بنك صن تراست”، ثم أودع على التوالي 3400 دولار إضافية في الـ22 من مايو و8 آلاف دولار في الأول من يونيو. وهنا ترجح الوثائق السرية أن يكون الشحي قد تلقى تلك الأموال من وسطاء ماليين أثناء وجوده في مصر.
المرحلة الثالثة والنهائية
يكشف التقرير الأميركي كيف أن المرحلة الثالثة من العملية، شهدت توسيع النطاق المالي ليشمل “الموجة الثانية” من الخاطفين الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة في نهاية التحضيرات للهجوم. ويبدو أن هؤلاء عملوا كناقلي أموال من الشرق الأوسط وموزعين لها. وكانوا من خلال تقسيم الأموال على حسابات عدة، بدل دمجها في حساب واحد، يهدفون إلى تجنب لفت الانتباه.
وفيما كان الخاطفون الستة، أي عطا وجراح والشحي وموسوي والمحضار والحازمي موجودين في أميركا، وصلت الموجة الثانية من الخاطفين الـ13 تباعاً ودخل معظمهم على صورة ثنائية ما بين أبريل ويونيو من عام 2001.
كان بحوزة الموجة الثانية من الخاطفين أموال نقدية أو شيكات سفر حملوها معهم إلى الولايات المتحدة الأميركية، حصلوا على معظمها من متعاملين مثل عمار البلوشي، الذي ساعد في تنسيق التمويل وتحضير الخاطفين للسفر، أو مصطفى الهوساوي المتهم بمساعدة خاطفي الطائرات في تحويلات الأموال.
وهنا تكشف الوثيقة الأميركية تحويل الهوساوي 14616 دولاراً من الإمارات إلى بن الشيبة في ألمانيا على دفعتين في الـ30 و الـ31 من يوليو عام 2001 ومن ثم قام ابن الشيبة بتحويل 14126 دولاراً على دفعتين إلى موسوي الذي كان متدرباً على الطيران في مينيسوتا.
كذلك تكشف الاستخبارات المركزية الأميركية أن الموجة الثانية من الخاطفين قامت بنقل الأموال النقدية إلى المجموعة الأولى من الخاطفين الذين مضى على وجودهم في الولايات المتحدة أكثر من عام.
وقد استخدمت هذه المجموعة، أي الثانية، بطاقات السحب الآلي في عديد من معاملاتها الشخصية، لكنها لم تشارك في نشاط مالي كبير مثل المجموعة الأولى. كما أحضرت المجموعة الثانية أموالاً نقدية أكثر مما كان مطلوباً لتغطية نفقات المعيشة وتذاكر الطيران خلال الصيف، قبل أن تعيد ما تبقى منها لاحقاً.
الدور الفريد الذي لعبه بني حمد
لعب الإماراتي وأحد خاطفي الرحلة 175 فايز راشد بني حمد دوراً ملحوظاً على الصعيد المالي خلال الأشهر الأخيرة قبل العملية، كما ترجح واشنطن أنه جرى إشراكه في العملية كموزع للأموال مباشرة من الهوساوي، لكنها تذكر في الوثائق “لا نملك معلومات عن خلفيته أو كيف تم تجنيده للعملية”.
وتضيف “فتح بني حمد والهوساوي حسابات مصرفية في مصرف “ستاندرد تشارترد” في الإمارات في الـ25 من يونيو 2001 مستخدمين ودائع نقدية بلغت 30 ألف دولار. ثم قام بني حمد بمنح الهوساوي السلطة على إدارة حسابه واستخدم بطاقة ستاندرد تشارترد الائتمانية التي أرسلها له الهوساوي في الولايات المتحدة لسحب مبلغ 20600 دولار خلال شهر أغسطس وهو مبلغ تم على الأرجح توزيع قسم منه على الخاطفين”.
إعادة الأموال الفائضة إلى الشرق الأوسط
يتوقف التقرير في قسم منه عند ما حدث قبل نحو أسبوعين من الهجمات، ويكشف أن الخاطفين بدأوا حينها “بتوحيد الأموال المتبقية في الحسابات المتعددة ومن ثم أعادوها إلى المانحين وربما إلى أقرباء لهم في الشرق الأوسط. وبدأت عملية توحيد الحسابات في الوقت نفسه مع بدء الخاطفين بشراء بطاقات سفرهم على متن رحلات الـ11 من سبتمبر”.
ويضيف “قام أربعة خاطفين ممن تلقوا الأموال التي جمعت من خاطفين آخرين بإعادة أكثر من 26 ألف دولار في الأسبوع الذي سبق الهجمات. ثم حول بني حمد في السادس من سبتمبر 8 آلاف دولار من حسابه في مصرف “صن تراست” إلى حسابه المشترك في “ستاندرد تشارترد” مع الهوساوي”.
كما حاول الحازمي والمحضار على الأرجح إعادة الأموال غير المستعملة إلى الشرق الأوسط ولكنهما اختارا عدم استخدام خدمات التحويل المصرفي.
المحطات الرئيسة: بين الإمارات وألمانيا وأميركا
يعتبر هذا التقرير السري أن المحطات الثلاث المالية الأساسية للعملية كانت الإمارات ألمانيا وأميركا.
وفي التفاصيل يقول معدو التقرير إن الخاطفين ومساعديهم استغلوا المؤسسات المالية المتعددة والمجتمعات الدولية المتنوعة والسرية النسبية التي يمكن بها إجراء المعاملات في الدول المذكورة.
وتقدر الوثائق أن 250 ألف دولار أو نحو 80 في المئة من تقديرات الكلفة الإجمالية للعملية أتت نقداً ومن خلال التحويلات المصرفية والحسابات المصرفية المباشرة في الإمارات.
كما لعبت ألمانيا دور نقطة ارتكاز مالية أولاً لأن الشحي وعطا والجراح كانوا يعيشون في هامبورغ قبل السفر إلى أميركا. وغالباً ما كان الأفراد والحسابات في ألمانيا بمثابة نقاط منتصف الطريق للتمويل، وليس نقاط المنشأ أو الوجهات النهائية.
كما كانت الولايات المتحدة مركزاً مالياً بارزاً على رغم أن أياً من التمويل اللازم للعملية لم يأتِ من هنا على الأرجح، بل انتهى بداخلها. واستخدم الخاطفون النظام المصرفي المحلي على نطاق واسع وربما اعتبروا أن القيام بذلك من شأنه أن يساعدهم في الظهور بمظهر لا يثير الشبهات.
كما فتح الخاطفون حسابات جارية في أميركا واستخدموا بطاقات سحب مصرفية عوضاً عن تحرير الشيكات، فيما كانت أهمية شراء تذاكر الطيران من دون إثارة الشكوك هي السبب الرئيس وراء فتح حساب لكل خاطف.
التجارة المالية: تم تعلمها من أربابها
أظهرت الأساليب المالية التي استخدمها المخططون، والتي تتسم بالطابع النموذجي لعمليات تنظيم “القاعدة”، تخطيطاً طويل الأمد وإعداداً دقيقاً، بحسب التقرير الأميركي. وفي ظل الأجواء المتساهلة التي سادت قبل الـ11 من سبتمبر في القطاعين الماليين الأميركي والدولي، تمكن الخاطفون من البقاء بعيدين من أعين المراقبين المحتملين في حين استخدموا النظام المصرفي على نحو علني.
ويدل السلوك المالي للمخططين والمنفذين إلى أنهم تلقوا تدريباً جيداً من قادة منظمة تتمتع بخبرة كبيرة في مجال نقل الأموال من دون إثارة الشبهات. وكثيراً ما بدا أنهم يبذلون قصارى جهدهم للامتثال لأنظمة الإبلاغ عن الأموال.
فقد امتثل موسوي للأنظمة الأميركية بالإعلان عن حيازته أكثر من 35 ألف دولار عند دخوله البلاد، ولم يفتح أي من الخاطفين الـ19 حساباً في الولايات المتحدة ضم أكثر من 10 آلاف دولار نقداً، كما أن بعض التحويلات المصرفية على الأرجح أرسلت إلى الخاطفين على دفعات لعدم إثارة الشكوك.
الاستخدام النقدي والحسابات الوسيطة
كان استخدام الأموال النقدية أمراً بالغ الأهمية لإخفاء مصدر وطريقة استخدام قسم كبير من تمويل الخاطفين. فكثيراً ما استخدموا بطاقات السحب المصرفية مما ترك المعاملات النقدية الكبيرة من دون تفسير، كما أن جزءاً كبيراً من التمويل الذي وصل إلى الخاطفين مر عبر حساب وسيط أو فرد واحد في الأقل قبل أن يصل إلى المتلقي النهائي.
كذلك يكشف التقرير كيف “أن عديداً من الحسابات التي كانت بالغة الأهمية لعملية 11 سبتمبر كانت حسابات تدفقية”، ما يبعد عنه الشكوك حين تحصل فيه عمليات إيداع وثم سحب، وقد نجحت حسابات التدفق النقدي بحجب مصدر التمويل ومكنت الوسطاء من تمرير الأموال إلى الشركاء طوال تلك العملية.
ويضيف التقرير أنه بناءً على ما ذكر يصح تصنيف كل من حساب الشحي المشترك مع عطا في مصرف “صن تراست” وحساب بني حمد في “ستاندرد تشارترد” بأنها حسابات تدفق مالي، ما يعني أنها كانت بعيدة من الشبهات.
استخدام غير معروف لنظام “الحوالة”
على رغم المزايا العديدة المحتملة التي يوفرها نظام “الحوالة” لممولي الإرهاب، مثل عدم الكشف عن الهوية، لكن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لا تملك أي دليل على أن الخاطفين استخدموا شبكات “الحوالة” لإرسال أو تلقي الأموال. ويضيف التقرير أن المخططين ربما اعتقدوا أن استخدام “الحوالة” من شأنه أن يلفت الانتباه غير الضروري إلى أنشطتهم.
كما قد يشكك القائمون على نظام “الحوالة” في التحويلات الكبيرة، وبخاصة إذا كانوا يجهلون المرسل أو إن لم يكن يحمل الجنسية نفسها.
إخفاء الهوية
عادة ما كان الخاطفون يجرون معاملات مالية باستخدام أسماء حقيقية أو أشكال كتابة مختلفة لأسماء حقيقية، ولكنهم ربما قاموا بمحاولات شكلية لإخفاء بعض جوانب هوياتهم، يكشف التقرير الأميركي، ويضيف أنه في الوقت عينه بذل المخططون، بخلاف الخاطفين، جهوداً أكبر لإخفاء هوياتهم. ويبدو أن جميع الأشخاص غير الخاطفين تقريباً الذين ارتبطوا مالياً بالعملية قد استخدموا أسماء مستعارة أو اختصارات لأسمائهم.
العملية نجاح مالي لـ”القاعدة”
يعتبر التقرير الأميركي أن تنظيم “القاعدة” يعد العملية نجاحاً مالياً له، نظراً إلى الكلفة المنخفضة نسبياً مقارنة بالأضرار الجسيمة التي تسببت فيها. وبناءً على ذلك، قد يسعى هذا التنظيم إلى تكرار بعض الأساليب والاستراتيجيات المالية التي استخدمها في العملية، في هجمات مستقبلية تتميز بتأثير كبير، وتستهدف أميركا.
ويقول في نصه “من المرجح أن يستفيد التنظيم من تحليلنا العام ومناقشتنا لطريقة استجابة القطاع المالي لهجمات سبتمبر، وحتى مع تطبيق تدابير أمنية جديدة، فإن هذه الاستجابة قد تترك مجالاً لتخطيط وتنفيذ هجمات مستقبلية على نحو مماثل من الضخامة”.
كما تعكس المعاملات المالية التي سهلت حدوث الهجمات قدرة “القاعدة” على استغلال النظام المالي العالمي وانفتاح المجتمعات الغربية لمصلحته. فقد عمل الخاطفون وشركاؤهم، بأقل مقدار من الشبهات التي من شأنها أن تنبه السلطات إليهم، حتى في ظل التدابير الأمنية المعززة اليوم، مما يوفر نموذجاً يمكن أن يحتذى لتسهيل حدوث هجمات مستقبلية داخل الولايات المتحدة.