ترجمات أجنبية

إندبندنت: لماذا تعد خطة ترمب للسلام تهديدا وجوديا لـ”حماس”؟

إندبندنت 10-10-2025، سام كيلي: لماذا تعد خطة ترمب للسلام تهديدا وجوديا لـ”حماس”؟

“حماس” في ورطة. هل تبقى أم ترحل؟ هل يمكن لقيادتها أن تقبل بنزع سلاحها ونفيها لإنقاذ غزة من مزيد من القصف الإسرائيلي، والإفراج عن بقية أسراها، وترك القطاع في المستقبل في يد الاحتلال الأجنبي – باسم السلام؟

حركة المقاومة الإسلامية، كما تعرف “حماس” تحديداً، تدرك جيداً ما هي الأمور عليه عندما تخوض القتال. وتكون في حال فوضى عندما لا تكون في حال حرب.

وقد تكون على وشك أن تفقد أهميتها بالكامل. فبالنسبة إلى حركة مسلحة بنت رؤيتها للعالم على الشهادة، وكانت مستعدة لاستفزاز إسرائيل كي تمارس عنفاً مروعاً، تدرك “حماس” أن فقدان أهميتها يشكل تهديداً لوجودها ذاته.

من وجهة نظرها، ترى “حماس” أن الفظائع التي ارتكبتها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، حين قتلت 1139 شخصاً بينهم 36 طفلاً و71 أجنبياً و373 من قوات الأمن الإسرائيلية، أدت إلى إشعال صدام حضاري محلي.

ومن منطق المقاومة الإسلامية، كان رد فعل إسرائيل الوحشي على عمليات القتل وكذلك أسر 250 رهينة مفرطاً في القسوة إلى درجة جعلت إسرائيل تواجه اليوم ضغوطاً وإدانات دولية غير مسبوقة منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حين كانت هدفاً لانتقادات عالمية ولبعض العقوبات حينها. وهذا، في نظر الحركة، يعد “نجاحاً”.

وفي هذا السياق، لعل الكلفة العالية التي تكبدها الفلسطينيون والتي بلغت نحو 67 ألف قتيل وفقاً لمسؤولين محليين – أكثر من نصفهم من النساء والأطفال – ربما أصبحت الآن أكثر مما تستطيع “حماس” تحمله. وأفادت التقارير بأن مفاوضيها في قطر قبلوا اتفاقات عدة لوقف إطلاق النار رفضتها حكومة بنيامين نتنياهو خلال الأشهر الأخيرة.

وكان خليل الحية، كبير مفاوضي “حماس”، من بين أهداف الغارات الإسرائيلية على مكاتبه في قطر. ومع ذلك، توجه إلى مصر هذا الأسبوع لإجراء محادثات مع الوسيطين الأميركيين جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، ومع مفاوضين إسرائيليين، من بينهم رؤساء استخبارات من “الموساد” والـ”شاباك” (الذين كانوا مسؤولين عن استهدافه).

وأشارت “حماس” إلى رغبتها في وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الباقين – 20 ما زالوا أحياء و28 جثة. وتتطلب المقترحات الأميركية التي أيدتها إسرائيل بينما رحبت بها دول أخرى في المنطقة على أنها محاولة لتحقيق السلام، تفكيك حركة “حماس” ونزع سلاحها وإنهاء وجودها السياسي والعسكري.

ويمكن لـ”حماس” أن تفعل ذلك، فميثاقها نفسه يتيح قدراً من الغموض يسمح بالمساومة (فضلاً عن رغبة بعض أعضائها الأقل تشدداً في النجاة على المستوى الشخصي).

وتنص المادة 20 من ميثاق “حماس” لعام 1988 على ما يلي: “مع عدم المساس برفض الكيان الصهيوني [إسرائيل] ومن دون التنازل عن أي من الحقوق الفلسطينية، فإن ’حماس‘ تعتبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة، وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من حزيران (يونيو) 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين لديارهم التي أخرجوا منها، صيغة توافق وطني”.

ويعني هذا الأمر قبول “حماس”، على مضض، أن إسرائيل موجودة بالفعل وأن “حل الدولتين” هو في مصلحة الفلسطينيين، لأن الحركة تدرك أن معظم الفلسطينيين سيقبلون مثل هذا السيناريو.

وفي هذا الإطار، تتطلب مقترحات ترمب من الجانبين إعادة إحياء جهودهما للسعي إلى تحقيق سلام دائم من خلال محادثات تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، ودولة إسرائيلية آمنة.

فيما تهدف المادة 16 من الميثاق نفسه إلى دحض مزاعم معاداة “حماس” للسامية وتنص على ما يلي: “تؤكد ’حماس‘ أن صراعها هو مع المشروع الصهيوني، وليس مع اليهود بسبب دينهم. ’حماس‘ لا تخوض صراعاً ضد اليهود لأنهم يهود، بل تخوض صراعاً ضد الصهاينة الذين يحتلون أرض فلسطين”. وبذلك، لا تكون “حماس” مضطرة فعلياً إلى مواصلة القتال.

ولكن الأمر المربك هو الجزء الأول من المادة 20، إذ يبدو أنه يطالب بتدمير دولة إسرائيل بحد ذاتها، فجاء فيه: “تؤمن ’حماس‘ بأنه لا يجوز التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال. وترفض ’حماس‘ أي بديل عن التحرير الكامل والشامل لفلسطين، من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط”.

ويعني ذلك أن على “حماس” أن تواصل حملتها حتى تفرض سيطرتها على كل الأراضي التي تعد اليوم فلسطينية وإسرائيلية معاً.

ومن المرجح أن تظهر هذه التناقضات بوضوح على الأرض، إذ تختلف رؤية قيادة “حماس” في غزة للحرب اختلافاً جذرياً عن رؤية أولئك الذين ينعمون بترف المنفى.

وتدرك “حماس” أيضاً أنها، بصفتها منظمة تقوم جوهرياً على هدف “تحرير الأراضي الفلسطينية من الكيان الصهيوني”، لا تملك سوى خيارين: إما أن تقود العمل المسلح الشعبي، أو تبقى متفرجة وغير فاعلة.

فهناك عشرات مجموعات الرجال والنساء في غزة والضفة الغربية يرون أن السلام مع إسرائيل لا يمكن أن يتحقق إلا بعد أن يفرضوا – ولو بالقوة – قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

ويتلقى كثير منهم السلاح والتدريب والأموال من “حماس” ومن داعميها الإيرانيين، لكنهم يعملون خارج هياكلها التنظيمية. هم تيار قد تستغله “حماس” لتقوده، أو يبتلعها ويطيح بها.

أما القتل الجماعي الذي تمارسه إسرائيل واستخدامها التجويع كسلاح في الحرب وادعاؤها أحقيتها بالأرض ذاتها “من النهر إلى البحر” – وهو جزء من ميثاق حزب “الليكود” الذي يتزعمه نتنياهو – فقد دفعت كثيراً من الشباب إلى اعتبار العنف الخيار الوحيد الممكن في واقع ميؤوس منه.

وستتعمق هذه المشاعر وتغذي مزيداً من العنف ما لم يرَ هؤلاء أفقاً قريباً للتحرر الحقيقي من خلال العودة لمفاوضات سلام جادة، والرؤية الواضحة لدولة فلسطينية قائمة.

لكن “حماس” دأبت دائماً على استخدام العنف لتدمير ذلك الأمل، ونسف أي تقدم دبلوماسي في الوقت نفسه.

ولدى “حماس” تاريخ في إثارة الفوضى والتكيف مع تداعياتها، ومن غير المرجح أن تتخلى عن هذه العادة، تماماً كما أن إسرائيل لا يتوقع أن تقدم إلى الفلسطينيين الأمل في إنهاء الاحتلال الذي أفرز حركة المقاومة الإسلامية في الأساس.

 

*سام كيلي محرر شؤون دولية في اندبندنت

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى