ترجمات أجنبية

إندبندنت: خطة نتنياهو في غزة متآكلة ومتشظية

إندبندنت 6-8-2025، ألون بنكاس: خطة نتنياهو في غزة متآكلة ومتشظية

 

حين أصدر وزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر بلفور “الوعد” الذي حمل اسمه في نوفمبر (تشرين الثاني) 1917، رحبت به الحركة الصهيونية واعتبرته إنجازاً تاريخياً ودبلوماسياً ضخماً. لكن حين أعلن رئيس الوزراء كير ستارمر في وقت سابق من الأسبوع الجاري نية بريطانيا بالاعتراف بدولة فلسطين ما لم يتحقق وقف إطلاق النار، قوبل هذا الإعلان بفورات غضب وتشنجات كلامية حادة من وزراء إسرائيليين.

لا شك في أن المشهدين يختلفان من حيث السياق والظروف، لكن بريطانيا عام 1917 التي أصدرت هذا الوعد، وبريطانيا عام 1947 التي تخلت عن انتدابها لفلسطين ودعمت خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة وبريطانيا عام 2025 التي تدرس الاعتراف بدولة فلسطينية، جميعها تسرد القصة ذاتها: أن هناك قضية يجب – ويمكن – حلها.

ما كان ينبغي لبنيامين نتنياهو أن يفاجأ بتصريح ستارمر، فقد تبلور هذا الإعلان تدريجاً، فيما كانت بريطانيا تتوسل إسرائيل على مدار العام الماضي لإنهاء الحرب في غزة ومنع تفاقم الكارثة الإنسانية والمجاعة.

لا يمكن الشك بصدق نوايا ستارمر في ما يتعلق بإسرائيل، بل إن نتنياهو هو من اختار أن يتجاهل ويحتقر ويرفض التفكير في أية خطط سياسية لما بعد الحرب في غزة. ونتنياهو هو من شن حرباً من دون أهداف سياسية واضحة، وهو من تلقى تحذيرات من بريطانيا وغيرها من الحلفاء من أن ذلك سيفضي إلى كارثة.

لكن نتنياهو اختار أن يجسد نفسه في صورة تشرشل، كرئيس وزراء في زمن الحرب يتفرد بقدرته على إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط بفضل القوة العسكرية، مفترضاً في الوقت نفسه أن القضية الفلسطينية ستختفي بصورة سحرية.

لكن بعد أسابيع قليلة من شبه المفاوضات العقيمة على اتفاق جزئي، عادت إسرائيل لبث التشاؤم، مهددة بتوسيع رقعة العمليات العسكرية في غزة، كما لو أن ذلك ممكن أساساً، ما لم تفرض احتلالاً عسكرياً تاماً.

ليست المملكة المتحدة وحدها التي اتخذت موقفاً في الفترة الأخيرة، فالجيش الإسرائيلي بدوره يحذر نتنياهو من أن هذه المساعي لا تجدي نفعاً.

مع نفاد صبره من نتنياهو، أرسل دونالد ترمب المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إلى إسرائيل، بما شكل تهديداً واقعياً لإسرائيل لمنعها من توسيع رقعة الحرب وحثها على زيادة كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة، وفشلت هذه المساعي فشلاً ذريعاً حتى الآن.

ووصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية، بصورة درامية، قرارات فرنسا ثم بريطانيا وكندا وربما البرتغال بالاعتراف بفلسطين بأنها “تسونامي”. لكن هذا الوصف مضلل ومعيب، فالتسونامي قوة طبيعية ناتجة من تحرك لمياه المحيط بفعل هزة أرضية. لكن الكارثة الدبلوماسية التي تحل بإسرائيل من صنع الإنسان، بل نتيجة مباشرة لقرارات شخص واحد، هو السيد نتنياهو، وهي نتيجة غطرسته وانعدام السياسة المتهور فقط لا غير.

أعلنت نحو 147 دولة، من بين 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، بالفعل اعترافها بدولة فلسطينية مستقبلية، ويعد هذا الاعتراف الواسع النطاق رمزياً وكلامياً يمثل تعبيراً عن الإحباط من انعدام الحل أكثر مما يحمل أي معنى عملي.

لكن رمزية هذه الإعلانات تصبح ذات أهمية جوهرية عندما تخلق مبدأ سياسياً منظماً تتكتل حوله دول كثيرة، عندما تعلن أربع من أصل خمس دول من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن نيتها، فهذا يدفع إسرائيل أكثر من أي وقت مضى للاعتماد ليس على الولايات المتحدة، بل على أهواء دونالد ترمب الذي يوغل في الإحباط والعشوائية، هذا ليس الموقع الذي ينبغي أن تكون فيه إسرائيل.

لن ينشئ ستارمر وكارني وماكرون دولة فلسطينية بفضل إعلاناتهم، وهم يدركون هذه الحقيقة. ومن الناحية العملية، لا يمكن إقامة هذه الدولة في القريب العاجل. لكنهم وجهوا انتقاداً مباشراً لنتنياهو، وأبرزوا أمامه الواقع السياسي الذي يحاول تجاهله، فإلى متى يمكنه التهرب من النظر إليها؟

شغل آلون يبنكاس منصب المستشار الإسرائيلي العام في الولايات المتحدة سابقاً والمستشار السياسي لرئيسي وزراء إسرائيليين سابقين، هما شيمون بيريز وإيهود باراك

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى