#ترجمات أجنبيةغزة

إندبندنت: جوزيف بيلزمان العقل المدبر لـ”ريفييرا غزة” يكشف عما لم يعلن

إندبندنت 15-10-2025، جوزيف بيلزمان: جوزيف بيلزمان العقل المدبر لـ”ريفييرا غزة” يكشف عما لم يعلن

جوزيف بيلزمان

بينما بالكاد مر 15 يوماً على حفل تنصيبه الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، حتى أعلن دونالد ترمب عن تلك الخطة الجهنمية التي من شأنها أن تنهي حرباً قاسية عصفت بمئات آلالاف في ذلك الشريط الساحلي الضيق الواقع على الحدود الشمالية الشرقية لشبه جزيرة سيناء، لكن الخطة لن تنهي الحرب وحسب، بل تنطوي على مشروع استثماري لم يسبق له مثيل في المنطقة لدرجة تجعل قطاع غزة المنكوب “ريفييرا الشرق”، ذلك المنتجع الفرنسي الشهير الذي يتوافد إليه أثرياء العالم.

جاء ترمب إلى البيت الأبيض حاملاً بالفعل خطته لغزة، فبينما لم يكشف بالتفصيل خلال حملته الانتخابية عن طريقته لإنهاء الحرب، لكنه أكد مراراً رغبته في إنهاء تلك الحرب. وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2024 قبيل أيام من انتخابه، أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائهما في منتجع مارالاغو المملوك لترمب في فلوريدا، بأنه يرغب في إنهاء هذه الحرب بمجرد عودته للبيت الأبيض. وتلك الخطة المعدة سلفاً، يقف وراءها اقتصادي أميركي رفيع عمل لعقود طويلة في منطقة الشرق الأوسط وأشرف على مشاريع وخطط بالتعاون مع حكومات مختلفة.

“اندبندنت” حصلت على نسخة من دراسة بعنوان “خطة اقتصادية لإعادة إعمار غزة: منهج البناء والتشغيل والنقل”، أعدها أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية والقانون لدى جامعة جورج واشنطن جوزيف بيلزمان عام 2024، تطرح خطة لإعادة إعمار غزة من منظور اقتصادي مجرد، وهي نفسها التي استندت إليها خطة الرئيس الأميركي التي طرحها في فبراير (شباط) الماضي، كما أن خطة ترمب التي طرحها أخيراً في سبتمبر (أيلول) والتي تتكون من 21 بنداً لإنهاء الحرب تتضمن ترتيبات في شأن حكم القطاع وإدارته، أيضاً تنبثق من الخطة نفسها.

وبعد استعراض الدراسة والإلمام بجوانبها، إذ إن “الشيطان يكمن في التفاصيل”، أجرت “اندبندنت” مقابلة عبر الفيديو مع بيلزمان الذي كشف كثيراً عما هو خلف الكواليس في شأن تلك الخطة التي أصبحت نواة خطط الرئيس الأميركي لقطاع غزة.

ويقول إنه عندما وقعت هجمات السابع من أكتوبر عام 2023، كان بيلزمان في الإمارات يبحث عن مقر جديد في دول الخليج لمركزه المنشأ حديثاً “مركز التميز للدراسات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، فضلاً عن مقريه في واشنطن والقدس. وفي الأثناء كان فريق المركز يعمل على إعداد سلسلة كتب متخصصة، بالتعاون مع باحثين من العالم العربي وإسرائيل “لضمان أن تكون المراجع محلية ولا تمثل فقط توجه واشنطن الاقتصادي التقليدي”.

ويقول “كانت لدينا خطط وأبحاث قبل الهجمات، تركز على إعداد مراجع ودراسات حول أسواق العمل للنساء وأسواق رأس المال وحقوق الملكية، وغيرها من المواضيع المهمة للمنطقة”. وأضاف أنه مع اندلاع الحرب، قرر البدء بتصور ما سيكون عليه اقتصاد غزة إذا أتيحت له السيطرة وإعادة البناء من الصفر، باستخدام نموذج رياضي يعرف باسم “النموذج العام للتوازن القابل للحساب” (Computable General Equilibrium Model) . وأردف “أدركنا أننا بحاجة إلى خلفية بحثية قوية لفهم كيفية بناء الاقتصاد من البداية، وهكذا بدأ كل شيء”.

يوليو 2024

بعدما أنهى دراسته المكونة من 49 ورقة، أرسل بيلزمان في يوليو (تموز) عام 2024 نسختين، واحدة إلى فريق المرشح الجمهوري دونالد ترمب والأخرى لفريق المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، بناء على اقتراح شركائه الذين يصفهم بأنهم “جمهوريون”. ويقول “لم نحصل على أي رد من الديمقراطيين. أما من جانب الجمهوريين، فأبلغونا بتسلم الورقة وأنه جارٍ الاطلاع عليها”.

ويضيف “لاحقاً اكتشفنا أن الخطة صعدت داخل دوائر الإدارة الأميركية، لا أعرف ما الذي حدث بعد ذلك، إلى أن ألقى الرئيس ترمب خطاباً في فبراير الماضي، قال فيه إنه يعتزم إنشاء ’ريفييرا الشرق الأوسط‘. لم يكن ذلك ما كنت أقصده، لكن لا بأس، فقد بدا التعبير أكثر جاذبية من ورقتي البحثية. على أية حال، كانت أوراقي، أو بالأحرى الخطة التي وضعتها، تهدف بالأساس إلى فتح نقاش عام حول ما يمكن القيام به، لا أكثر. كانت الفكرة أن نبدأ الحوار ونرى من سيتفاعل معه. وكانت الخطة مختلفة عن غيرها من المشاريع، إذ استندت إلى خبرات عملية سابقة لي مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومصر وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط”.

وتقدم الورقة تصوراً اقتصادياً لإعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب عبر نموذج استثماري طويل الأجل يقوم على البناء والتشغيل والنقل، بكلفة كلية 1 إلى 2 تريليون دولار خلال خمسة إلى 10 أعوام. ويقترح بيلزمان إعادة إعمار غزة عبر استثمارات أجنبية من دول عدة، تحصل بموجبها على حق إدارة وتشغيل القطاع لمدة 50 عاماً بعقد إيجار طويل الأجل، وتبني خلاله مؤسسات مدنية وقانونية حديثة، على أن ينقل الحكم إلى السكان بعد اكتمال الفترة وبناء مؤسسات حكم رشيد تعتمد على سيادة القانون والنظام الاقتصادي الحر.

وثمة أربعة مصادر للتمويل تقترحها الدراسة لإعادة إعمار غزة، وهي دول عربية وإقليمية “معتدلة” وقوى اقتصادية دولية عبر نظام الامتياز الذي يتيح للمستثمرين حصص ملكية موقتة لمدة 50 عاماً. وتشير تحديداً إلى دول الخليج العربي كنماذج تعليمية واقتصادية يحتذى بها وممولين محتملين، كما يذكر الولايات المتحدة ودول “اتفاقات أبراهام” كشركاء محتملين في التمويل والإشراف، إضافة إلى شركات القطاع الخاص العالمية التي يمكنها الاستثمار في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا والسياحة، وأخيراً مؤسسات التمويل الدولية كالبنك الدولي وصناديق الثروة السيادية الخليجية لتوفير رأس مال مبدئي وضمانات الأخطار.

وتضمنت الخطة أبعاداً متعددة على الصعيد الاجتماعي، أبرزها “برنامج لإعادة التأهيل الفكري والاجتماعي” الذي أوضح بيلزمان خلال لقائه معنا، أنه يهدف إلى عملية “نزع للتطرف” أو ما سماه مجازاً “نزع النازية” عن المنطقة، لإعادة تشكيل التعليم والثقافة العامة على أسس مدنية ومنفتحة تشجع على التعايش، إذ يرى أن حركة “حماس” استطاعت زرع التطرف في العقول واعتبر أن تلك الأفكار التي “رسخت للكراهية” عائق رئيس في تطوير قطاع غزة. كما شملت الخطة نماذج تنموية واقتصادية تفصيلية تتعلق بالإسكان وتوزيع الملكية، وتنمية قطاعات يرجح نجاحها في غزة مثل السياحة والزراعة والصناعات التقنية.

الإعمار أولاً

توافقاً مع خطة الرئيس الأميركي، تختصر الدراسة قضية غزة التي لا تنفصل بالتأكيد عن القضية الفلسطينية في صياغة اقتصادية، متجاهلة الشق السياسي والصراع على الأرض الذي يشكل جوهر القضية، بل المأساة الإنسانية والوطنية للشعب الفلسطيني. ورداً على سؤالنا هذا، يقر بيلزمان أن رؤيته تتعامل مع غزة كمسألة اقتصادية وليست سياسية، موضحاً أن الهدف هو بناء اقتصاد مكتفٍ ذاتياً يقل اعتماده على المساعدات الخارجية، من خلال تشغيل السكان في مجالات مثل السياحة والزراعة، أو التكنولوجيا، بما يتيح لهم الاعتماد على أنفسهم بدلاً من البقاء في دائرة المعونات.

ويقول “نعم قد يظن بعضهم أن ذلك يبسط المأساة الإنسانية والوطنية إلى مجرد مشكلة مالية، لكن الأمر ليس كذلك، إطلاقاً. فالمسألة الحقيقية تكمن في أنك عندما تبدأ من الصفر، وتجد نفسك أمام نحو مليوني إنسان أو أكثر قليلاً، عليك أن تفكر في أمرين أساسيين، كيف تجعلهم يعتمدون على أنفسهم بدلاً من المساعدات الخارجية، وكيف تبني اقتصاداً قادراً على الاستمرار من دون الحاجة إلى الدعم الدولي المستمر”.

ويردف أن المقاربات السياسية فشلت على مدى قرن، بينما يمكن حل الأزمة بمعالجة اقتصادية شاملة تقوم على هدف أساس هو تمكين الناس من العيش الكريم وبناء مستقبل مستقر. ويشدد على ضرورة نزع السلاح بالكامل للفصائل الفلسطينية وتحويل القطاع إلى اقتصاد أخضر، مع إنشاء قطار علوي يربط شمال غزة بجنوبها وشرقها بغربها، مستفيداً من موقعها الساحلي ومناخها الزراعي.

ويرى بيلزمان أن إعادة إعمار غزة لن تنجز خلال ثلاثة أو أربعة أعوام، بل ستحتاج إلى فترة تمتد بين خمس إلى 15 سنة من العمل. ويقترح في خطته البدء من شمال القطاع عبر إنشاء ميناء بحري ومحطة توليد كهرباء ومركز لتحلية المياه، كخطوة أولى نحو فصل غزة عن إسرائيل ومنحها استقلالاً فعلياً، قائلاً “لتكن مستقلة تماماً، افعلوا ما شئتم، فقط لا تفجروا العالم”.

لا حق لتقرير المصير

وهناك اثنان من البنود الواردة ضمن الدراسة ربما أوعزا إلى الرئيس ترمب طلبه “نقل” سكان غزة على حد قوله، فكانت لحظة الصخب الكبرى عندما حاول خلال استضافته العاهل الأردني الملك عبدالله في البيت الأبيض، الضغط من أجل تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن. فالبند الأول ويرد في الصفحة الثالثة من الدراسة ينص على أن “السيادة الخاصة بالسكان سيجري بحثها فقط بعد انتهاء ترتيبات عقد الإيجار (للمستثمرين) الممتد لـ50 عاماً، وبالتزامن مع تأسيس إدارة مدنية قوية واستكمال نموذج القانون العام المعروف بسيادة القانون، ولا توجد أية قيود مسبقة على حرية تنقل السكان المحليين أو مغادرتهم لقطاع غزة”.

ويتعلق البند الثاني في القسم الثالث من الدراسة الذي يتناول “المتطلبات اللوجستية الضرورية والكافية لضمان تطوير قطاعي السياحة والإسكان في غزة”، وينص على أن “الخطوة الأولى لجعل غزة جاهزة لإعادة الإعمار الكامل ستتطلب القضاء التام على البنية التحتية العسكرية تحت الأرض. وسيستلزم ذلك حفر كامل مساحة قطاع غزة البالغة 365 كيلومتراً مربعاً، وإنشاء منطقة عازلة يراوح عرضها ما بين ثلاثة وخمسة كيلومترات على الحدود الثلاثة مع إسرائيل والحدود الوحيدة مع مصر. وسيكون ذلك بمثابة إقامة منطقة منزوعة السلاح (DMZ) مشابهة لتلك الموجودة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية”.

ولدى سؤالنا بيلزمان عن عدم تسليم السيادة للشعب الفلسطيني على غزة طوال 50 أو 100 عام باعتبارها أراضي مؤجرة لمستثمرين بحسب مقترحه، مما يتعارض مع حق تقرير المصير، ويمثل نوعاً من أنواع الحكم الاستعماري الجديد، يقر بأنه هو كذلك، قائلاً “نعم، يمكن القول إن المشروع يحمل طابعاً استعمارياً من ناحية مشاركة مستثمرين أجانب… لكن نزع التطرف من عقول الأطفال سيستغرق 50 عاماً في الأقل”. ويضيف أن الهدف ليس فرض وصاية دائمة، بل إعادة بناءالإنسان والمجتمع من الصفر.

“نزع النازية” عن القطاع

ويبرر بيلزمان رؤيته بالقول إن هذه المرحلة ضرورية لـ”إعادة تأهيل المجتمع” و”نزع التطرف من الأجيال الجديدة”، مستخدماً مجدداً تعبير “نزع النازية”. ويشبّه ذلك بما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، حين استغرقت عملية “نزع النازية” أكثر من عقدين لتغيير الفكر العام وإصلاح التعليم. ويصف النظام التعليمي في غزة بأنه “كارثي ويغذي ثقافة الكراهية”، قائلاً “كما قرأته ورأيته يشير إلى أن التعليم في غزة يستخدم مصطلحات نازية ونسخاً مترجمة من كفاحي… لماذا تسمم عقول الأطفال بهذه الصورة؟”.

وفي حين لا يوجد ما يشير إلى أن مناهج التعليم في غزة تستعين بنسخ من كتاب الزعيم النازي الشهير أدولف هتلر، لكن يبدو أن بيلزمان يقصد ذلك الادعاء من جانب نتنياهو عندما زعم العام الماضي العثور على نسخ من الكتاب في منازل الغزيين.

ويعتقد بيلزمان بضرورة استبدال النظام التعليمي في غزة بآخر حديث يعتمد على منهج البكالوريا الدولية المعمول به في سنغافورة، لتنشئة جيل جديد منفتح على العالم، قائلاً إن “كراهية القرون الوسطى يجب أن تلقى في سلة التاريخ، لا معنى لها اليوم”. ويؤكد أن إصلاح التعليم والثقافة وبناء اقتصاد مستدام تحتاج إلى نصف قرن في الأقل من الاستثمار الطويل لإعادة بناء البنية التحتية والمجتمع.

ويردف أن تحقيق السيادة يجب أن يأتي بعد ترسيخ الاستقرار والسلام، معتبراً أن تجربة غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2005 أثبتت فشل الحكم الذاتي المبكر، إذ تحولت الموارد إلى بناء أنفاق ومعدات عسكرية بدلاً من تنمية الاقتصاد. ويختتم بالقول إن “الكراهية والاقتتال إهدار للموارد، وإن السلام والتعليم هما السبيل لبناء مستقبل أفضل، وبعد 50 عاماً يمكن للغزيين أن يقرروا مصيرهم بحرية من دون حرب”.

“منطقة متنازع عليها”

وضمن الفصل الأول من الدراسة، يشير جوزيف بيلزمان إلى قطاع غزة كـ”منطقة متنازع عليها”، مما يتعارض مع اتفاق أوسلو الذي وقعته إسرائيل و”منظمة التحرير الفلسطينية” عام 1993 وما تبعه من اتفاقات، إذ وفقاً للاتفاق فإن غزة تقع تحت إدارة السلطة الوطنية الفلسطينية، وبموجب الاتفاق انسحبت إسرائيل عام 2005 من القطاع وأخلت مستوطناتها، لكنها أبقت سيطرتها على المجالين الجوي والبحري والمعابر، والأخيرة جرى تنظيمها من خلال ما يعرف بـ”اتفاق المعابر” الذي وقع في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2005.

ولدى سؤاله عن الجهة الشرعية المخولة منح عقود الاستثمار في غزة، أشار بيلزمان إلى كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل وتحدث عن غياب حقوق “الملكية الخاصة” في غزة باعتباره أحد أبرز العوائق أمام أي مشروع اقتصادي حقيقي. وأضاف أنه “خلال فترة السيطرة المصرية لم تكن هناك أية حقوق ملكية خاصة إطلاقاً. لقد بحثنا في سجلات الأراضي ولم نجد شيئاً… الوضع ذاته كان قائماً خلال الحقبة العثمانية، عندما كان الأتراك يحكمون، لم تكن هناك ملكيات خاصة، فكل الأراضي كانت تصنف كأراضٍ عامة”. ويشير إلى أن هذا الإرث التاريخي من غياب الملكية الخاصة أدى إلى هشاشة البنية الاقتصادية والقانونية في القطاع، وجعل من الصعب جذب الاستثمارات أو تنفيذ خطط تنموية مستدامة.

أما حق حق تقرير المصير، فيؤكد أنه لا يلغيه، بل يؤجله إلى ما بعد تحقيق الاستقرار، قائلاً “بعد 500 أو 100 عام، يمكنهم أن يسمّوا أنفسهم ما يشاؤون، يمكنهم إعلان دولتهم أو أي كيان يريدونه، لكن من دون حرب”، مما يعني تجاهله “حل الدولتين” وهو الأمر ذاته الذي يظهر جلياً ضمن مقترحات ترمب.

قطر البلد الأمثل لسكان غزة

وفي ما يتعلق بالقسم الثالث من الورقة البحثية التي تقترح ضرورة “حفر كامل قطاع غزة” لإزالة الأنفاق، مما يعني عملياً الحاجة إلى إجلاء كامل للسكان ويفسر كدعوة إلى تهجير السكان، ورداً على ذلك قال بيلزمان “نعم، يمكن إجلاؤهم موقتاً. فبحسب ما اكتشفناه خلال عملنا في دول مجلس التعاون الخليجي، يوجد في قطر أكثر من مليوني غرفة فندقية فارغة، غالبيتها في فنادق فخمة من فئة خمس نجوم لا يشغلها أحد. بمعنى آخر، يمكنها… استضافة سكان غزة موقتاً لمدة عام أو عامين أو حتى خمس سنوات، إذ لا يمكن أن يعيش الناس في خيام طوال هذه المدة، فهذا أمر غير منطقي”.

ويقرّ أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية بأن قطر “لن تعجبها فكرته”، لكنه يشير إلى أن من يريد دعم سكان غزة عليه أن يترجم ذلك إلى فعل، لا أن يكتفي بالتصريحات، قائلاً إن “الدعم الحقيقي يعني الاهتمام بالناس لا بالشعارات”. ولفت إلى أن قطر بلد صغير لا يتجاوز عدد مواطنيه 350 ألفاً، بينما باقي السكان عمال وافدون، ولديها بنية فندقية ضخمة يمكن استغلالها موقتاً لإيواء الغزيين وتوفير التعليم لهم بدلاً من إبقائهم في خيام، مشدداً على أن الهدف ليس تهجير السكان نهائياً، بل إيجاد مأوى موقت لهم في ظروف إنسانية لائقة ريثما يعاد إعمار غزة. وأكد أن تكرار مأساة سوريا أمر يجب تجنبه بكل السبل.

حق العودة

وعندما سألناه عما إذا كان يرى أن السكان ينبغي أن ينقلوا قسراً أو طوعاً، لم يرد مباشرة، لكنه أكد أن النقل سيكون موقتاً وبموافقة السكان لا بالقوة، ضمن مشروع إعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي. وقال “لا يوجد في خطتي ما يمنع الناس من الذهاب والعودة، أي إن الباب سيبقى مفتوحاً دائماً”.

وأضاف أن “الفكرة الرئيسة من الخطة هي التخلص من كل هذا الهراء، لا أسلحة، لا ميليشيات، نزع السلاح من المنطقة، وجعلها مزدهرة وغنية كما كانت تحت الإدارة المصرية. فلماذا لا نعيد ذلك؟ لماذا لا نبحث عن حل؟ بدلاً من استمرار هذه الحرب العبثية لـ50 أو 100 عام أخرى، هذا جنون”. ويردف أن “الأغنياء من سكان غزة غادروها منذ زمن عبر مصر. والأردنيون لا يسمحون لأحد بالدخول… لديهم مساحة شاسعة من الأرض، لكنهم لن يسمحوا لأحد بالدخول، خوفاً من زعزعة استقرار المملكة الهاشمية. أما قطر، فهي غنية، ولا يوجد فيها عدد كبير من السكان ولديها فنادق فارغة. فيمكن للناس الذهاب إلى هناك ثم العودة. فالحياة في غزة، في وضعها الحالي، مستحيلة، ’حماس‘ لم تخلق سوى فخ مميت للمواطنين الغزيين. هذا جنون”.

ومراراً أعاد القول “أنا لا أريد أن أجبر أحداً على الرحيل، لكن في الوقت نفسه يجب أن نقرّ بحق الناس في الذهاب والعودة متى شاؤوا. هناك مساحات فارغة في فنادق قطر، فما المشكلة؟ إنهم أثرياء، وعدد القطريين لا يتجاوز نحو 350 ألفاً فقط، وهم من أصحاب الثروات الطائلة. يمكنهم، كما يقال، أن يظهروا الكرم تجاه السكان المحليين إلى أن يعاد إعمار المنطقة”.

تجاهل “حل الدولتين”

وخلال المقابلة سعى بيلزمان إلى تجنب الرد على ما يتعلق بـ”حل الدولتين” الذي يتوافق عليه المجتمع الدولي، فأصر على الحديث عن الجانب الاقتصادي باعتباره الضمانة للرخاء والسلام. ثم بدأ الحديث عن جذور الصراع باعتباره مسألة عبثية من الجانب الديني والإنساني، مشيراً إلى أن الأصل التاريخي المشترك بين العرب واليهود يجب أن يكون سبباً للسلام لا للحرب.

ويقول “إبراهيم كان له ابنان، إسحاق وإسماعيل، وهما شقيقان، مما يعني أننا جميعاً أبناء عمومة، فلماذا نقتل بعضنا بعضاً؟ هذا جنون”. وأشار إلى أن الابنين اجتمعا في مدينة الخليل لدفن أبيهما، وهو دليل رمزي على إمكان التعايش.

ومن هذا المنطلق قاطعته مجدداً حول الحاجة إلى تنفيذ “حل الدولتين” كضرورة للتعايش السلمي، ليرد بيلزمان بالقول “يمكن تحقيق ذلك فقط إذا لم يطلق عليك الرصاص طوال الوقت. ’حماس‘ كانت حكومة مختلة، فكرة أنها تستطيع هزيمة دولة أخرى والسيطرة عليها هي جنون”. ومضى في انتقاد الفصائل المسلحة والقيادات السياسية التي يرى أنها تستغل المعاناة لتحقيق مكاسب مالية، قائلاً “الوحيدون الذين أصبحوا أغنياء هم أولئك الذين يجلسون في قطر، تماماً كما في حال ’حزب الله‘. إنها الثورات التي يقودها البرجوازيون، لا الفقراء. داخل ’حماس‘ هناك كثير من الأثرياء، بينما الناس في غزة يتضورون جوعاً، والأغنياء يعيشون في الدوحة أو إسطنبول”.

القانون الأنغلوساكسوني

وإضافة إلى تصور إدارة أجنبية لقطاع غزة من المستثمرين الذين سيضخون ما بين 1 و2 تريليون دولار، يحدد بيلزمان ضمن دراسته “القانون العام” باعتباره النظام القانوني الأمثل للتطبيق في غزة الجديدة، وهو النظام الذي ورثته الولايات المتحدة عن بريطانيا بعد الاستقلال، وطورته ليصبح من بين الركائز الأساسية للقضاء الأميركي. ولدى سؤاله عن تبني القانون الأنغلوساكسوني (الأنغلوأميركي) بدلاً من نموذج قانوني عربي أو مختلط، وكيفية فرض إطار قانوني غربي على مجتمع عربي من دون أن ينظر إليه على أنه فرض ثقافي أو استعمار، قال أستاذ الاقتصاد الأميركي إن تبني نظام القانون العام يهدف إلى ترسيخ “حكم القانون” لا “الحكم بالقانون”، أي إلى بناء منظومة عدلية قائمة على الضوابط والمساءلة وحماية الحقوق الفردية، بخلاف النماذج التي تفرض السلطة فيها قوانينها من دون ضمان العدالة.

وأوضح أن ما يميز النموذج الأميركي المشتق من البريطاني، هو أنه يسمح بتمثيل قاعدي حقيقي يقوم على مبدأ الضوابط والتوازنات، من خلال قضاء مستقل وآليات واضحة للفصل بين السلطات، تضمن التوازن بين مؤسسات الحكم والمجتمع. “فبدلاً من أن يكون هناك “حكم بالقانون”، يقوم النظام على “سيادة القانون”. وأضاف أن “هناك عدداً من الدول في العالم مثل بعض الدول الأفريقية كأوغندا ونيجيريا، يطبق شكلياً القانون العام البريطاني، لكنها في الواقع تحكم بـ”القانون” لا بـ”سيادة القانون”، أي إن القانون يستخدم كأداة سلطة، لا كضمان عدالة. وهذا ليس ما نريده. نحن نريد نظاماً قائماً على سيادة القانون بوجود آليات رقابية متبادلة، تماماً كما هي الحال في النموذج الأميركي الذي أراه من وجهة نظري أنجح تجربة في العالم خلال الأعوام الـ250 الماضية”.

فصل الدين عن الدولة

وأضاف أن هذا النظام يكفل حقوق الملكية الخاصة ويضع قواعد تنظيمية واضحة للبناء واستخدام الأراضي، فضلاً عن قوانين جنائية صارمة. وشدد على أهمية فصل الدين عن الدولة لضمان قيام مجتمع مدني مزدهر، قائلاً “الآباء المؤسسون لأميركا كانوا متدينين، لكنهم فصلوا بين الكنيسة والدولة قدر الإمكان. لكل إنسان أن يذهب إلى المسجد أو الكنيسة أو المعبد، فكلها تؤمن بإله واحد. المهم أن تبقى إدارة الدولة مدنية لا دينية”. وتابع أن جميع الدراسات الاقتصادية المقارنة تؤكد أن الدول التي تعتمد القانون العام وتفصل الدين عن الحكم هي الأكثر ازدهاراً واستقراراً، مردفاً أن “القانون العام ليس نظاماً غربياً بقدر ما هو منظومة تتيح العدالة والمساءلة للجميع”.

وتابع بيلزمان مدافعاً عن النموذج الأميركي بما في ذلك الاقتصاد الحر، قائلاً إن الاقتصاد الحر يقوم على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، فيتنافسان في السوق وفق الكفاءة فقط، وأضاف أن “الجدارة هي ما يحدد النجاح، وليس النوع أو الأصل. وكلما انضمت النساء إلى سوق العمل، أصبح البلد أغنى وأكثر استقراراً”. وأشار إلى أن إقصاء نصف المجتمع عن النشاط الاقتصادي هو وصفة للفقر، مستشهداً بتجربته في بنغلادش، قائلاً “عملت هناك لأعوام ضمن مشاريع أميركية، ورأيت كيف تعاني النساء الفقر، ليس لأنهن غير قادرات، بل لأن المجتمع لا يمنحهن فرصة للنمو. وهذا مؤلم، فالحياة قصيرة، ولا يجوز أن تهدر بهذه الصورة”.

مشروع الضفة الغربية

ولدى سؤاله عما إذا كانت رؤيته لغزة يمكن أن تشمل الضفة الغربية مستقبلاً، قال “ما أتصوره لغزة يمكن تطبيقه أيضاً في الضفة الغربية… فقط تحتاج إلى الأشخاص المناسبين”. وذكر أنه عمل بالفعل من قبل ضمن فريق من أعضاء هيئة التدريس في جامعة بئر السبع في إسرائيل وباحثين فلسطينيين على مشروع مشترك بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وقال “عندما كان ياسر عرفات لا يزال على قيد الحياة، كانت لدينا مجموعة ’أكاديميون من أجل السلام‘. كنا نلتقي في باريس معظم الأحيان. كتبنا ورقة بيضاء لمشروع مشترك حول الأراضي العربية وإسرائيل. لكن عرفات لم يوقعها… وكان ذلك مؤسفاً لأن لدينا أصدقاء في الجانب الآخر. أعني، المسافة بين القدس ورام الله لا شيء، نصف ساعة بالسيارة”.

واتهم بيلزمان خلال حديثه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بالمسؤولية عن فشل السلام وفشل مشروع مجموعة “أكاديميون من أجل السلام”، وهي مجموعة تضم أساتذة من جامعات إسرائيلية وفلسطينية تهدف إلى دعم مشاريع مشتركة بين الباحثين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتقوم بصياغة مقترحات لمشاريع بحثية حول الاقتصاد والتنمية وسياسات ما بعد الصراع.

وقال البروفيسور الأميركي أن عرفات أضاع فرصة تاريخية، “ماتت الفكرة لأن عرفات أراد الاستمرار في الحرب”، مردفاً “كان بإمكانهم أن يحصلوا على ما أرادوه خلال السبعينيات والثمانينيات، كانت هناك مناقشات كثيرة مع (إسحق) رابين وغيره. لا أحد يريد الحرب. أعني، من الجنون أن تربي أبناءك ليبقوا دائماً بالزي العسكري. أردنا السلام، وشاركنا كأساتذة جامعيين، لكن الأمر لم ينجح لأن عرفات أراد مواصلة تلك الحرب الغبية”.

وأصر بيلزمان على مواصلة اتهاماته للزعيم الفلسطيني بالقول “لقد كان يجني أموالاً ضخمة. أعني، زوجته تعيش في باريس، أعتقد بأنها ثرية جداً، وكذلك ابنته التي قابلتها، وهي ثرية أيضاً. لقد سرق المال من الشعب. أقول لك هذا جريمة منظمة، لا علاقة لها بالمقاتلين من أجل الحرية أو أي شيء من هذا القبيل. إنها جريمة منظمة فقط، ولا يساعدون أحداً”.

كما كشف عن أن الولايات المتحدة طرحت مقترحاً سابقاً ينطوي على إقامة مشاريع عمل مشتركة بين الأراضي الفلسطينية وغزة وإسرائيل، مع إشراك الأردنيين. لكنها لم تنجح “لأن أحداً لم يثق بالآخر. كانت واحدة من تلك الحالات العبثية التي وضع فيها نصف مليار دولار على الطاولة ولم يجرؤ أحد على استثمارها”.

إنهاء “حماس” شرط المستثمرين

ويفترض مقترح بيلزمان الحاجة إلى استثمارات تراوح ما بين تريليون و2 تريليون دولار لإعادة إعمار كاملة لقطاع غزة، ولدى سؤاله عما يدعم هذا الافتراض بأن المستثمرين سيلتزمون تمويل يتجاوز مئات المليارات لإعادة إعمار غزة، قال أستاذ الاقتصاد بصورة قاطعة “لقد تحدثنا معهم، وهناك منافسة قوية جداً في مجال الاستثمار الفندقي”.

ولدى سؤاله عن هوية أولئك المستثمرين الذين ناقش معهم الأمر وأبدوا استعدادهم، أشار إلى مستثمرين من الإمارات ودول عربية أخرى وكذلك إسرائيل والولايات المتحدة. وذكر أن عائلة ترمب، تحديداً صهره جاريد كوشنر لديها مصالح استثمارية مشتركة مع السعودية، وقد تكون مهتمة بالاستثمار في قطاع الفنادق في غزة، قائلاً “أنا متأكد أنه سيرغب في الاستثمار في القطاع الفندقي في غزة. وهناك أيضاً مصالح مالية يهودية تدير توزيع الغذاء في غزة، ومن المحتمل أن يشاركوا أيضاً في الاستثمار في الفنادق والمطاعم”. كما اعتبر أن مصر يمكنها أن تقوم بدور رئيس في قطاع بناء المساكن.

وأكد أن جميع المستثمرين الذين جرت مناقشتهم من المنطقة وخارجها، يشترطون أولاً إخراج المسلحين وإزالة “حماس” قبل الضخ في أي استثمار، معتبراً أن هذا الشرط الأساس لنجاح إعادة الإعمار وجذب رأس المال العالمي.

محادثات سرية

في هذا الأمر تبدو الأمور المتوارية أكثر كثيراً من مجرد الأرقام والحديث عن إعادة البناء وانتشال الغزيين من محنتهم الإنسانية، فثمة تساؤل حول دوافع المستثمرين لضخ مليارات الدولار، فهل يقتصر الأمر على الربح الاقتصادي، أو أن الاعتبارات الجيوسياسية ستطغى على الأهداف، ورداً على هذا السؤال يقول بيلزمان أنه يأمل أن يكون الدافع الرئيس هو الربح، مشيراً إلى أن هذا هو المنطق الوحيد القابل للتطبيق بغض النظر عن الجغرافيا السياسية “إنسَ الجغرافيا السياسية، لكل دولة سياساتها الخاصة. بالنسبة لي، إذا كان الربح هو ما يحركك، فهذا جيد، ولا بأس بذلك”.

وأضاف أن غزة يمكن أن تكون ساحة لاستثمارات مربحة في السياحة والترفيه، مشيراً إلى أن لدول الخليج مثل الإمارات والبحرين وعمان والسعودية، صناديق سيادية تبحث عن فرص استثمارية بعوائد مرتفعة، وأكد أن غزة يمكن أن تكون مكاناً مربحاً، وأن الأموال لن تختلس من قبل “حماس” لأنها ستدار من القطاع الخاص. ورداً على سؤال حول أبرز الشركات أو الشخصيات التي ناقش معها الفرص الاستثمارية في غزة رد بالقول “هذه محادثات سرية ضمن المنطقة، لكن هناك اهتماماً واسعاً من قبل المستثمرين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

كما لفت إلى المنافسة الإقليمية بين غزة ومناطق أخرى مثل العقبة في الأردن ولبنان وإسرائيل، وقال “لبنان كان وجهة سياحية رائعة قبل الحرب، وهناك فرص كبيرة في السياحة والزراعة والتكنولوجيا. الناس هناك متعلمون ويمكنهم تطوير اقتصاد قوي”. وشدد على أن الشرط الأساس لنجاح هذه الاستثمارات هو إزالة العصابات، قائلاً “الجماعات المسلحة مثل ’حماس‘ و’حزب الله‘ والحوثيين لا تفعل شيئاً سوى تدمير الاقتصاد والمجتمع. هذه سياسات مجنونة، ونحن في القرن الـ21، ولا يوجد مكان لمثل هؤلاء الوحوش”.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى