ترجمات أجنبية

إندبندنت: توني بلير ودونالد ترمب: علاقة خاصة يجب ألا تفاجئ أحدا

إندبندنت 1-9-2025، آن ماكيلفوي: توني بلير ودونالد ترمب: علاقة خاصة يجب ألا تفاجئ أحدا

آن ماكيلفوي

من السهل أن نبدي استهجاناً إزاء حضور السير توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق السبعيني، المستشار لبعض القادة المثيرين للجدل، وأحد الوجوه المعتادة في صالات الدرجة الأولى لرحلات السفر الدولية، ولذلك فإن خبر عودة أكثر المتقاعدين حيوية في السياسة البريطانية للجلوس على الأرائك الكريمية الناعمة في البيت الأبيض قرب مركز السلطة الأميركية، لا ينبغي أن يفاجئنا.

ومع ذلك فإن الأنباء عن زيارة بلير إلى واشنطن للمرة الثانية هذا العام لبحث مستقبل غزة “في اليوم التالي” مع دونالد ترمب وصهره، الوسيط في شؤون الشرق الأوسط جاريد كوشنر، قد أثارت اهتماماً واسعاً، فقد عبر مؤلف كتب الأطفال الشهير ومقدم البرامج في “بي بي سي” مايكل روزن عن حس السخرية اليساري تجاه توني بلير في منشور على “إكس” هذا الأسبوع جاء فيه: “يا سيد بلير، ما هي مؤهلاتك للحديث عن غزة؟”، “لقد قصفتُ العراق… حسناً، مفهوم”.

لكن الرجل الذي يحمل معهده اسمه “معهد توني بلير”، تلك المؤسسة اللامعة والمزودة بطاقم كبير والذي يقدم المشورة للحكومات والشركات في شؤون السياسة والتكنولوجيا، لا يزال واثقاً بقدرته على التأثير وجذب الانتباه.

وبينما يعد اجتماعه مع ترمب مبادرة شخصية، يعلن معهده بفخر على موقعه الإلكتروني “نساعد الحكومات والقادة في إنجاز الأمور”، وهو نهج يعمل به بلير في حياته اليومية.

وقدمت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” هذا الأسبوع تفاصيل إضافية عن اللقاء، إذ نقلت عن مصدر أن بلير يعمل منذ عدة أشهر على إعداد خطة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، “ويلتقي بعدد من الجهات الإقليمية المعنية للحصول على آرائها ودعمها لجهوده”، مضيفة أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ظل على تواصل منتظم مع كوشنر ومع أكثر مبعوث يثق به ترمب في السياسة الخارجية، ستيف ويتكوف، لصياغة خطط مسبقة قبل اللقاء.

ومن حيث المعرفة بالمنطقة فإن بلير في الواقع مؤهل أكثر من كثيرين آخرين للمشاركة في المرحلة النهائية من الصراع بين إسرائيل وغزة ومحاولة انتشال بصيص أمل من وسط المرارة والركام المادي والنفسي، فهو يعرف القدس وغزة جيداً بعدما قضى نحو ثمانية أعوام ممثلاً خاصاً لـ “اللجنة الرباعية”، وهي الهيئة الدولية التي سعت إلى التوصل لاتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

وفي مقابلة أجريتها معه العام الماضي، قال لي إن قطاع غزة المحاصر لا ينبغي أن يخضع لحكم إسرائيل ولا “حماس”، بل لجهة ثالثة غير محددة، كجزء من اتفاق سلام يهدف إلى “بدء عملية إعادة الإعمار”، مشيراً إلى أنه زار إسرائيل مئات المرات مما يجعله ينظر إليه باعتباره وسيطاً نزيهاً.

لكن الخطة الحالية التي وضعها بنيامين نتنياهو، الزعيم الإسرائيلي المتشدد، للسيطرة على القطاع عبر هجوم بري جديد لا تبدو متوافقة مع حل “الطرف الثالث” الذي دعا إليه بلير سابقاً، وهو الحل الذي ناقشته معه إدارة بايدن أيضاً من خلال مبعوثين في قطر، غير أن هذا اللقاء يوضح أن الولايات المتحدة، على طريقتها المترددة، تعيد تركيزها على الحاجة إلى وقف المعاناة في غزة الآن وعلى خطط “اليوم التالي” لما بعد القتال، في حال نجح الهجوم الإسرائيلي الأخير في اقتلاع “حماس” من آخر معاقلها، كما أن المجتمع الدولي الأوسع قد فقد صبره إزاء حجة إسرائيل بالدفاع عن النفس بعد أن صدمته الصور المروعة للمعاناة الملطخة بالدماء على الأرض، وهو ما دفع كير ستارمر إلى دعم الاعتراف بدولة فلسطينية.

وهذا خلق وضعاً غريباً يبدو فيه أن بلير وستارمر يشقان ظاهرياً مسارين متباينين، فستارمر يسعى إلى إعطاء الأولوية للاعتراف بالدولة الفلسطينية في اجتماع الأمم المتحدة المقبل في سبتمبر (أيلول) الجاري، فيما يركز بلير على استغلال شعور ترمب المعلن بالرعب من المجاعة والمعاناة في غزة لفتح قنوات إضافية لإيصال المساعدات الإنسانية وتطوير المقترحات التي أطلق عليها الرئيس اسم “ريفييرا غزة”، ويبدو أن كثيراً من انعدام اليقين يحيط بمصير الفلسطينيين ومطالبهم المتعلقة بأراضيهم داخل القطاع.

ليس لدى ستارمر اعتراض كبير على نشاطات بلير لأنها قادرة على مساعدته في تسهيل عجلة الدبلوماسية، علاوة على أن العلاقات الجيدة بين بلير وترمب قادرة على تلطيف الأجواء وتخفيف حدة أية مواجهة محتملة بسبب اختلاف المقاربتين البريطانية والأميركية للأزمة، وإلا فقد يطغى هذا الاختلاف على زيارة رسمية مقررة في سبتمبر الجاري لتوطيد العلاقات التجارية.

ومن ناحية أخرى يوفر الرابط مع كوشنر وزوجته إيفانكا أيضاً مدخلاً إلى رئيس متقلب قلة من الناس قادرة على مجاراته، وخلال تجمع دافوس للشخصيات العظيمة والبارزة، وبصراحة أيضاً الثرية وواسعة النفوذ، قبل بضعة أعوام، شاهدت بلير وإيفانكا التي كانت ترتدي أزياء من تصميم أشهر المصممين وحذاء بكعب عالٍ، وهما مستغرقان في محادثة عميقة خلال سهرة نظمها ماثيو فرويد في الليلة الأخيرة للمؤتمر، وبدا أن كلاً منهما منبهر بالآخر، إذ يتمتع بلير بتأثير سياسي آسر في النخبة العالمية، وقد انعكس ذلك بوضوح على ابنة ترمب وصهره.

من المعروف أن المظاهر البراقة والعلاقات هما رأسمال أعوام ما بعد مغادرة المنصب، وبطبيعة الحال يشغل صديقه القديم وداعمه بيتر ماندلسون حالياً منصب السفير البريطاني لدى الولايات المتحدة.

وكما كما قال أحد أفراد شبكة العاملين السابقين في مبنى رئاسة الوزراء خلال عهد بلير، “عادت الفرقة لتجتمع من جديد”، وبهدوء شق عدد من الحلفاء السابقين المقربين من زعيم “العمال الجديد” طريقهم إلى مناصب رفيعة حول ستارمر، ومن بين هؤلاء جوناثان باول الذي شغل منصب كبير موظفي بلير سابقاً، ويتولى حالياً منصب المستشار الأمني، وشخصية أخرى مقربة هي ليز لويد التي كانت نائبة كبير الموظفين في عهد بلير، وأصبحت الآن مديرة لتنفيذ السياسات والابتكار وسط الاضطراب الذي يشهده الواقع السياسي الحالي في مقر رئاسة الوزراء.

ومن الشخصيات التي غالباً ما يُغفل ذكرها على رغم أهميتها البالغة، شيري بلير [زوجة توني بلير]، التي ما برحت تؤيد القضية الفلسطينية منذ زمن طويل، وقد تعاونت مؤسستها للمرأة مع مبادرات شعبية لدعم استقلالية المرأة الفلسطينية اقتصادياً، وقد أصبح الزوجان جدّين فخورين لحفيدين، لكنهما لا يزالان في دائرة الأضواء الدولية، وعلى رغم عملية القلب التي خضع لها عام 2004، يبدو بلير في حال لياقة بدنية جيدة وعيناه الزرقاوان متقدتان، وقد أخبرني أنه يستمع إلى موسيقى عقد العشرينيات التي يرشحها له أولاده بينما يتمرن على جهاز المشي المنزلي معظم الأيام، وهذا ما يساعده في الحفاظ على جاهزيته لمواكبة جدول مزدحم، يجمع بين تحقيق أرباح مالية كبيرة ورحلات مكوكية لا تنقطع حول العالم، حتى وإن كان ذلك يعني العمل مع بعض الحكومات المثيرة للجدل.

عندما كان يدير مكتب الاستشارات “توني بلير وشركاه” عام 2011 لاحقته انتقادات شديدة لعمله مع الديكتاتور الكازاخي نور سلطان نزارباييف، إذ قدم له المشورة حول كيفية التعامل مع تبعات مقتل 14 متظاهراً خلال انتفاضة ضد حكم استبدادي وعنيف في كثير من الأحيان،

وقال لي بلير إنه وظف أتعابه في تلك المهمة لتمويل عمله الخيري في قضايا الحوار بين الديانات وغيرها، ولتأسيس هيكلية أعماله المختلطة بين مساعيه غير الربحية وعمله الخاص، وكان يحاول “مساعدة البلد في مسار التغيير الذي يشهده”، لكن نزارباييف لم يكف عن قمع المعارضة وعيّن خليفته المفضل في الحكم عام 2019، ولم يتنح عن رئاسة مجلس الأمن القومي النافذ إلا عام 2022 عقب انتفاضة أخرى.

مع مرور الوقت أدرك بلير أن هذا النوع من التشابكات لا ينسجم مع أهدافه الأوسع المتمثلة في البقاء ضمن دوائر الشؤون الدولية العليا، وفي هذه الأيام يركز معهد توني بلير على السياسة رفيعة المستوى، فيما يعمل آخرون باسمه لتقديم المشورة للحكومات والقصور الملكية ورؤساء شركات التكنولوجيا في كل شيء، من فوائد الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا إلى إستراتيجيات المناخ والطاقة التي توازن بين الطموح والواقعية الاقتصادية، وكيفية تشغيل تطبيق “هيئة الخدمات الصحية الوطنية” بنجاح.

ويضم المعهد عدداً من كبار موظفيه الذين جاؤوا من الفريق الأقرب إليه خلال أعوام رئاسته للوزراء، ومنهم جولي كراولي البسيطة في تعاملها التي يقول ممازحاً إنها “تدير حياته”، وكاثرين ريمر التي كانت تحضره لجلسات مساءلة رئيس الوزراء.

ويعمل في المعهد حالياً أكثر من 900 موظف حول العالم، وقد وسّع مكاتبه لتشمل الساحل الغربي للولايات المتحدة إلى جانب نيويورك وله ممثلون في الشرق الأوسط، ومن أبرز المانحين لاري إليسون، مؤسس شركة “أوراكل” عملاق الذكاء الاصطناعي، الذي قدم أكثر من 50 مليون دولار للمعهد، وتعهد بتقديم مزيد هذا العام وما بعده، وفي مقابلة مع مجلة “فانيتي فير” قبل عقد من الزمن، تناولت تساؤلات حول معاييره الأخلاقية في اختيار البلدان التي يعمل معها عندما تتاح له فرصة استشارية مربحة أو مثيرة للاهتمام، أجاب بلير “إن امتنعنا من العمل في أي بلد يعاني مشكلات في حقوق الإنسان فستكون القائمة صغيرة جداً، بالنسبة إليّ يبقى التحدي دائماً: ‘هل تحاول القيادة القيام بأشياء نعتقد أنها مفيدة وذات قيمة؟’ إن كان الأمر كذلك فسوف ندعمها”.

هذه هي الفلسفة نفسها التي تجعله الآن يجلس بكل ارتياح مع ترمب وعائلته، فالضيف البريطاني يشعر في نواحٍ عدة بأنه أكثر انسجاماً مع النهج الأميركي القائم على التقدم الدائم بلا توقف، مستنداً إلى قناعة راسخة بأنه قادر على جعل العالم مكاناً أفضل.

بلير، السفير البريطاني غير الرسمي لشتى القضايا، سيكون حيث يحب أن يكون دائماً في الغرف التي تُمارس فيها السلطة ويقرر فيها مصير كثيرين آخرين.

*آن ماكيلفوي، هي شريكة في تقديم المدونة الصوتية “السياسة عند سام وآن”.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى