#شؤون اقليمية

إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية: ما تداعيات استئناف روسيا وتركيا الدوريات المشتركة في شمال سوريا؟

وقالت وزارة الدفاع التركية إن الدوريات البرية المشتركة ستستمر في المستقبل القريب لتوطيد الاستقرار في شمال شرق سوريا، وضمان أمن حدود تركيا وإظهار التعاون التركي-الروسي في مكافحة الإرهاب. وأفادت الوزارة بأن الدوريات البرية المشتركة استؤنفت بالمركبات المصفحة بمشاركة 4 مركبات و24 فرداً. ولم تعلق الوزارة على أسباب توقف هذه الدوريات في أكتوبر 2023، لكنها قالت إن عددها بلغ 344 دورية منذ 2019.

عوامل محفزة

هناك العديد من العوامل المُفسرة لاستئناف الدوريات المشتركة بين روسيا وتركيا في سوريا، ومن أبرزها ما يلي:

1- تصاعد الاشتباكات بين العشائر العربية و”قسد”: لا تنفصل الدوريات المشتركة بين أنقرة وموسكو عن تصاعد حدة الاشتباكات بين العشائر العربية الموالية للحكومة السورية وإيران، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والتي بدأت في 7 أغسطس 2024، ووصلت للذروة بعد إعلان قوات العشائر أنها “لن تترك السلاح والأرض حتى تحريرها وتطهيرها من عصابات قنديل”، في إشارة إلى “حزب العمال الكردستاني”، وهو ما دفع الإدارة الذاتية الكردية لطلب دعم من قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وعلى الرغم من ضغوط موسكو لوقف الاقتتال بين الطرفين، فإن الوساطة الروسية غير قادرة على إيجاد حلول للملفات الخلافية بين العشائر والأكراد.

2- الرد على التحركات الأمريكية في شمال شرق سوريا: تأتي الدوريات المشتركة لكل من روسيا وتركيا، في إطار مساعي البلدين للرد على التحركات الأمريكية الأخيرة شمال شرق سوريا، حيث قامت واشنطن مؤخراً بدعم قواعدها العسكرية في سوريا، وبخاصة قاعدة “الشدادي”، وقاعدة “حقل العمر النفطي”، بأسلحة متطورة. كما أجرت واشنطن، بحسب المرصد السوري في 20 أغسطس 2024، تدريبات عسكرية مشتركة بالذخيرة الحية مع قوات “قسد”، في قاعدتي “حقل العمر النفطي” و”كونيكو” للغاز بريف دير الزور، كما قامت القوات الأمريكية بإجراء تدريبات عسكرية مكثفة داخل قواعدها، واختبار أسلحة دفاع جوي متطورة تعمل بالليزر.

وفي ضوء ما سبق، فإن التحركات الروسية-التركية تستهدف وقف نشاطات واشنطن، التي يمكن أن تنعكس على مصالحهما، بالإضافة إلى التأثير على استقرار القوات الأمريكية في شمال سوريا عبر تعزيز الضغوط العسكرية على الولايات المتحدة من خلال تطوير التعاون الأمني بين أنقرة وموسكو. وتعي أنقرة وموسكو أهمية الحد من فاعلية التحركات الأمريكية، نظراً لما تشكله من تهديد مباشر على أهداف البلدين على الساحة السورية. وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن تعارض أية تحركات عسكرية تركية ضد قوات “قسد”.

3- دفع عملية تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا: تستهدف الدوريات في جانب منها دفع عملية التطبيع والتقارب بين أنقرة ودمشق، وتشكل التطورات الحالية في شمال شرق سوريا، وما فرضته من تعاون أمني بين تركيا وروسيا فرصة للأخيرة للعمل مجدداً على إعطاء دفعة للتطبيع بين أنقرة ودمشق، ففي الوقت الذي تسعى فيه تركيا لتحييد مخاطر الإدارة الذاتية الكردية، تحاول الحكومة السورية استعادة سيطرتها على الشمال السوري. وفي ضوء ذلك، فإن الدوريات المشتركة بين موسكو وأنقرة تمثل من وجهة نظر روسية مدخلاً محتملاً لمعالجة القضايا الخلافية بين أنقرة ودمشق، ومن ثم إنهاء القطيعة بين البلدين.

4- توظيف التوترات المستترة بين دمشق وطهران:تتطلع تركيا وروسيا للاستفادة من التوترات الكامنة تحت السطح بين طهران ودمشق في التوقيت الحالي، خاصةً مع تراجع التأييد والدعم السوري للسياسات الإيرانية على المستوى الإقليمي، والتي تجلت في تجنب الحكومة السورية الدخول على خط المواجهة بين إسرائيل وإيران عشية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “إسماعيل هنية” يوم 31 يوليو 2024 في طهران. كما أشارت بعض التقارير إلى أن الحكومة السورية أبلغت إيران أنها لا تريد الانجرار إلى حرب شاملة، خاصةً أن دمشق تعي أنها لا تزال تعاني بشدة من تداعيات الأزمة التي بدأت في عام 2011 خاصةً على الصعيد الاقتصادي، بالإضافة إلى رغبة الحكومة السورية في إنهاء العزلة الخارجية المفروضة عليها.

5- القلق من تحوّل سوريا إلى ساحة مواجهة إيرانية-إسرائيلية: تصاعدت التوترات بين إسرائيل وإيران ومعها وكلاؤها الإقليميون في الفترة الأخيرة، وتوجد احتمالية لحدوث مواجهة بين طهران وتل أبيب مجدداً، وخاصةً بعد عملية اغتيال “هنية”، والقيادي البارز في حزب الله “فؤاد شكر”، كما أن ثمة مخاوف من أن تتحول سوريا إلى إحدى ساحات المواجهة بين الطرفين. ولذلك، قد تهدف روسيا وتركيا من وراء الدوريات المشتركة شمال شرق سوريا، للضغط على إسرائيل لتحييد الداخل السوري بعيداً عن أية مواجهات محتملة، أو على الأقل إيصال رسالة غير مباشرة مفادها أن ثمة تعاوناً دفاعياً تركياً- روسياً مشتركاً للرد على أية تهديدات يمكن أن تنعكس على مصالحهما على الساحة السورية.

تبعات محتملة

قد تسفر الدوريات المشتركة بين أنقرة وموسكو في الشمال السوري عن عدة تداعيات، ومنها ما يلي:

1- تصاعد توترات واشنطن مع أنقرة وموسكو: من الوارد تسبب هذه الدوريات في زيادة التوترات بين واشنطن من جهة وأنقرة وروسيا من جهة أخرى، خاصةً أن تلك الدوريات يمكن أن تؤثر على التحركات والخطط العسكرية الأمريكية الراهنة في شمال شرق سوريا، والتي تأتي تحسباً لأية مواجهات محتملة بين إيران وإسرائيل.

2- تعزيز الحضور الروسي في شمال شرق سوريا:من المتوقّع مساهمة الدوريات المشتركة بين أنقرة وموسكو في شمال شرق سوريا في تعزيز الحضور العسكري الروسي في هذه المنطقة التي تحظى فيها تركيا بالنفوذ الأكبر، وهو ما يرتبط بمساعي موسكو للتأكيد على كونها الفاعل الأول عسكرياً في سوريا بشكل عام.

3- زيادة الضغوط التركية على الأكراد في سوريا:من المحتمل تسبب الدوريات المشتركة في زيادة الضغوط التركية على الإدارة الذاتية الكردية، حيث يمكن أن تحد تلك الدوريات من تحركات قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وترسخ في الوقت ذاته بعض المكاسب التي تمكنت العشائر العربية من اقتناصها خلال مواجهاتها مع “قسد”. ويشير ذلك إلى رغبة أنقرة في تشديد الضغوط على “قسد”، وذلك للمساهمة في إضعافها تحسباً لأية مواجهات تركية محتملة مع الإدارة الذاتية الكردية خلال المرحلة المقبلة.

4- دفع تركيا وروسيا لحل بعض القضايا الخلافية:يمكن أن تكون الدوريات المشتركة بين أنقرة وطهران مدخلاً لكل من أنقرة وموسكو لتجاوز بعض القضايا الخلافية بينهما، أو على الأقل تهدئة التوترات بين البلدين خاصةً بشأن الأزمة الأوكرانية، وذلك بعد استجابة تركيا لجانب من الضغوط الغربية، وفرض البنوك التركية قيوداً على التحويلات الروسية إليها.

نقطة استراتيجية

وختاماً، يمكن القول إن شمال شرق سوريا يمثل إحدى النقاط الاستراتيجية التي تدفع نحو تعزيز مساحات التنسيق بين أنقرة وموسكو على الساحة السورية لتأمين مصالحهما، وفي الوقت ذاته تحييد ضغوط الخصوم الإقليميين والدوليين من جهة، ومحاصرة تحركات الخصوم المحليين من جهة أخرى. وترجح العديد من التقديرات استمرار روسيا وتركيا في تبني نهج قائم على دفع التعاون على الساحة السورية، خاصةً مع توجه واشنطن في التوقيت الحالي لتعزيز نفوذها العسكري في سوريا، بالإضافة إلى تخوف أنقرة وموسكو من تحول سوريا إلى إحدى ساحات تصفية الحسابات بين طهران وتل أبيب.

https://www.interregional.com/article/%D8%AA%D9%88%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9:/2672/Ar

مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى