أقلام وأراء

إميل أمين يكتب – عن واشنطن ونصيحة كيسنجر

إميل أمين *- 3/4/2021

تبدو العلاقات الأميريكية – الصينية وكأنها ذاهبة في طريق مشابه لفخ ثيوسيديدس، في استعارة من الماضي القديم، وقبل الميلاد بنحو أربعة قرون حين كان الصدام بين أثينا واسبرطة واجب الوجود، وهو ما قاد إلى حروب لثلاثة عقود بالفعل.

على أن العالم في ذلك الزمان، وقبل ألفي عام كان يحتمل فكرة التنازع والتشارع الإقليمي، من غير أن يؤثر الصدام على بقية أنحاء المعمورة، فيما التشابك والتلاحم المعولم في حاضرات أيامنا يجعل من أي مواجهة أميركية – صينية قادمة أمراً له تأثير مباشر على قارات الأرض الست، اقتصادياً أول الأمر، وعسكرياً من دون شك تالياً.

ولعله من الطبيعي أن ينشب الصراع بين القوة القطبية القادمة، ونظيرتها القائمة، فهذا ديالكتيك الحياة. أما الفائق الطبيعي فهو أن تنتصر الإرادات السياسية للحياة على الموت، وللتعاون والتكامل، على التناحر والتدافع السلبي، ما يعني أن واشنطن وبكين مدعوتان للقفز فوق العقبات وتجاوز الأزمات إنْ رغبتا في عالم أكثر أريحية، وفي مستقبل أفضل لشعوبهما، والعالم من ورائهما. الشاهد أنه لا يخفى على الناظر تدهور الأوضاع بين العاصمتين الكبيرتين واشنطن مالئة الدنيا وشاغلة الناس، وبكين قلب العالم الآسيوي الجديد، وقد ملأت النفوس على الجانب الآخر من الأطلسي درجة غير مسبوقة من العداوة للصين وشعبها. هل يقترب الجانبان من شفا حفرة عميقة، قد تكون من غير رجعة، وتكاد تكلف العالم الكثير من أمنه واستقراره، إن لم يتطور المشهد إلى مواجهة عالمية ثالثة؟ أحد الذين رصدوا المخاوف المتقدمة، هنري كيسنجر، بطريرك السياسة الأميركية لعقود طوال، والرجل الذي فتح مسارات الأمل وانتهج مساقات العمل، من واشنطن إلى بكين في أوائل سبعينيات القرن العشرين، حين كانت موسكو هي العدو الأول، والمطلوب وقتها تمثل في محاولة تحييد بكين، ويمكن القطع بأنه نجح بشكل جيد للغاية.

على هامش لقاء افتراضي أقامه المعهد الملكي للشؤون الدولية من خلال تقنية «زوم»، منذ بضعة أيام، لفت كيسنجر الانتباه إلى إشكالية العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين، وهل يتطلعون بشكل جدي لتفاهم مع الصين، حول نظام عالمي جديد، أم أن المشهد بات قريباً جداً من كرة الثلج التي تتدحرج من أعلى الجبل، مدفوعة بقوة قسرية تقودها إلى الارتطام بسفحه؟ كيسنجر يؤكد أنه إذا لم تصل واشنطن وبروكسل إلى تفاهم مع الصين بهذا الشأن، فإن العالم سيكون في حال مشابه للوضع الذي سبق الحرب العالمية الأولى في أوروبا، ففي ذلك الوقت كانت الصراعات المستمرة تحل على أساس فوري، لكن أحدها كان يخرج عن السيطرة في مرحلة ما.

هل الوضع مرشح للانفجار بالفعل؟ ملفات عديدة ساخنة بين الجانبين، في مقدمها بحر الصين الجنوبي، والذي يمكن أن يضحى بين عشية وضحاها فتيل حرب كبرى، لا تنفك أن تضحى مدخلاً لمواجهة عالمية، وبخاصة إذا أخذنا في الحسبان الأسلحة فائقة التطور التي يمتلكها الجانبان. ولعل ما يقلق كيسنجر بنوع خاص، وهو ما لم يصرح به، التعاون الروسي – الصيني، الكبير، وبخاصة بعد أن تأكد لموسكو نوايا الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، والذي وصف بوتين بأنه قاتل، هذا التعاون يمكن أن يعيق تحركات واشنطن في آسيا والمحيط الهادي بشكل يضر مصالحها.

من أميركا إلى الصين..الوئام أجدى من الخصام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى