أقلام وأراء

إميل أمين يكتب: البحر الأحمر.. القوى الدولية والتهديدات الإيرانية

إميل أمين ٤-٨-٢٠١٨

هل حان وقت تدخل المجتمع الدولي في الأزمة اليمنية بعد أن أضحت الملاحة الدولية هناك مهددة من قبل قوات الحوثى اليمنية، الذراع العسكري لإيران؟

لا يوارى أو يدارى الإيرانيون نواياهم، وقد تبدت جلية في تهديدات سليماني التى أطلقها في مواجهة الولايات المتحدة، ولا تغيب العلاقات التحتية بين الحوثيين وبين سليماني وفيلقه عن أعين الخبراء العسكريين، الأمر الذي أكده تصريح لأحد متمردي الحوثى من عملاء إيران بأنهم استهدفوا “بارجة” سعودية “بصاروخ مناسب”، ولم يتساءل أحد: من أوصل هذا الصاروخ إلى أيديهم على هذا النحو؟

أحسنت المملكة العربية السعودية عندما أعلنت عن “تعليق جميع شحنات النفط الخام عبر مضيق باب المندب بشكل فورى مؤقت .. إلى أن تصبح الملاحة خلاله آمنة”.

إلا أن المشهد في واقع الحال يستدعى علامة استفهام أوسع وأنفع لكافة القوى الإقليمية والدولية عن الخطوة القادمة، في مواجهة المحاولات الإيرانية المستقرة والمستمرة لإشعال البحر الأحمر كأداة ضغط في مواجهة الرئيس الأمريكي الذي حزم وجزم أمره تجاه إيران.

لم تعد  التهديدات الكلامية الأمريكية تجاه إيران أمر كاف، والأمر نفسه ينسحب على موسكو  عطفا على بروكسيل وبكين، حيث الأسواق العالمية للنفط، لا تحتمل قطع الطريق على أهم الممرات المائية في العالم.

الذكاء السعودي في القرار الأخير تمثل في وضع القوى الدولية الكبرى أمام استحقاقات ما يجري، سيما وأن التهديد الآن لم يعد إقليميا بل عالمى، ما يعنى أن الرد يجب أن يكون على نفس المقدار وفي إتجاه مضاد لشهوات قلب سليماني والملالى من خلفه.

لم تعد دول الخليج فقط المهددة من تصرفات إيران الرعناء، بل باتت مصر كذلك، وإن بطريق غير مباشر في دائرة الخطر، فباب المندب هو البوابة الشرعية لقناة السويس، وهذه بدورها إحدى أهم مصادر الدخل القومي لمصر التي تسعى لنهضة اقتصادية على ضفاف البحر الأحمر.

لم تكن القاهرة بعيدة في يوم من الأيام عما يجري في جنوب البحر الأحمر، ولهذا استمعنا إلى تصريح يمكن أن نطلق عليه “ما قل ودل”، من الفريق مهاب ماميش رئيس هيئة قناة السويس، وقائد البحرية المصرية الأسبق:”مستعدون للتعامل مع مثل تلك الحوادث”.

يعرف المصريون جيداً كيف تدار “لعبة الأمم وتوازن القوى”، ولهم مع باب المندب خبرة خاصة، فقد استطاعوا إغلاقه بإحكام غداة حرب السادس من أكتوبر عام 1973، واليوم ومع تصنيف القوات البحرية المصرية في المرتبة السادسة لأقوى 10 قوات بحرية في العالم، وأكبر قوة بحرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن هناك الكثير الذي يمكن فعله، في ظل سياسات دولية تعكس استراتيجيات تبدو متناقضة ولكنها غير ذلك.

حين اقتربت قوات التحالف العربي قبل بضعة أسابيع من ميناء الحديدة لتحريره، ارتفعت الأصوات النائحة والباكية على الخسائر البشرية التي يمكن أن تخلفها مرحلة التحرير هذه، بما فيها من معارك شديدة النيران مع عدو زرع الطرقات براً وبحراً بالألغام، وفيما يمكن وصفه بإتاحة فرصة للنوايا السليمة من قبل مبعوث الأمم المتحدة، أوقف التحالف وقوات الشرعية اليمنية العمليات العسكرية، غير أن الرد الحوثى الإيراني الأخير أثبت حتمية تحرير الميناء من ميليشيات الحوثى، لا سيما فى ظل الاعتداء الممنهج على الملاحة البحرية كتصرف إرهابي أهوج.

الرهان على الحصان الأمريكي أو الروسي بالنسبة لأمن المنطقة لم يعد ربما الحل الأمثل، وإن كانت تلك القوى ستدفع ثمن تسويف الوقت، وإضاعة الفرص لكبح جماح إيران، وقد ضيعت الكثير منها في العقود التى تلت ثورة الخوميني عام 1979، واضحى التحدى الآن ملقى على عاتق أصحاب الشأن في المنطقة.

واحد من أفضل التصريحات التي استمعنا إليها الأيام القليلة الفائتة، ذاك الذي جرى على لسان وزير الدولة الإمارتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، والذي أكد على أنه لم يعد ممكنا  الاعتماد طويلاً على الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في قيادة عمليات عسكرية في منطقة الخليج العربي، وفي مياه البحر الأحمر بنوع خاص.

مشهد البحر الأحمر المشتعل عساه يدق نواقيس الخطر للأوربيين المراوغين حتى الساعة، فيما يخص رؤيتهم للاتفاق النووى مع طهران، ذلك أنهم إذا كانوا قد أغمضوا أعينهم عن خطر صواريخ طهران الباليستية، فإن تهديدات مرور النفط في باب المندب حتما سيزيد من تكاليف النقل، الأمر الذي سيكبد الاقتصاديات الأوربية خسائر فادحة في المدى المنظور.

لا يغيب بالضرورة عن واشنطن وموسكو وبروكسل وبكين أن طهران بمحاولاتها بسط سيطرتها على ميناء باب المندب ومضيف هرمز، إنما تسعى للإمساك بأهم مضيقين مائيين في المنقطة دفعة واحدة، ما يعني أنها ترسم خطوطا وتنسج خيوطا لتصبح قوة إقليمية مهمة على الصعيد العالمي في مجال توريد موارد الطاقة، والتجارة الخارجية للدول العظمى في القارات الأربع.

صمت واشنطن تحديداً لا يعني سوى إتاحة الفرصة للإيرانيين للسيطرة على المضيق أو تعطيل الملاحة فيه، ما يعنى دوراً جغرافياً سياسياً إقليمياً ودولياً مضافاً لطهران، فهل هذا ما يتطلع إليه ترامب؟

التغيير الفعال يبدأ من الداخل، والمبادأة والمبادرة الطريق الأكثر موثوقية في المقاربة مع المنتظر من القوى الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى