أقلام وأراء

إميل أمين يكتب – أمريكا والشرق الأوسط .. مصداقية إلى أين؟

إميل أمين *- 22/6/2021

يوما تلو الآخر يتردد صدى التساؤل: “إلى أين تمضي مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط؟.. للتساؤل جذور عميقة ومثيرة، منذ أن انطلقت العلاقات الأمريكية بصورتها المعمقة مع دول المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

غير أن علامة الاستفهام المتقدمة قد طرحت ذاتها مرة جديدة على طاولة النقاش منذ العام 2011 وعلى هامش ما عرف بزمن الربيع العربي المكذوب، فقد تنكرت واشنطن – أوباما في ذلك الوقت للرئيس المصري الراحل، حسني مبارك، وخرج المتحدث باسم البيت الأبيض وكأنه قيصر روما مطالبا بالرحيل الآن أي الآن، وساعتها تأكد لحلفاء أمريكا ما هو مؤكد، أن لا صداقة لواشنطن بشكل مطلق، وأن سكان البيت الأبيض، أرباب دائمو الخذلان لعبادهم.

في الأيام الأخيرة عاد التساؤل حول مصداقية الولايات المتحدة، ومدى موثوقيتها ليطرح من جديد في الدوائر الرسمية والشعبية في الشرق الأوسط عامة، وفي منطقة الخليج العربي بنوع خاص.. ما الذي استدعي ذلك؟

بوضوح للجميع، جاء قرار البنتاغون، بسحب وحدات بطاريات صاروخية من بعض دول المنطقة، ليرسم اندهاشة على  الجباه، لا يمكن أن تدارى أو توارى، سببها التوقيت الذي تقوم فيه إدارة الرئيس بايدن بهذا الأمر.

ظهر جليا في جولة الرئيس الأمريكي بايدن الأخيرة في أوروبا، وسواء على هامش قمة الدول السبع في بريطانيا، أو خلال لقاء القمة في فيلا لاجرانج بسويسرا، حيث التقى بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، عطفا على لقاءات الناتو في بروكسيل، أن واشنطن قد وصفت أعداءها جيدا، وبلورت إستراتيجياتها على هذا التوصيف.

بالنسبة للأمريكيين، لا يوجد الآن من أعداء سوى الصين وروسيا، وأخشى ما تخشاه واشنطن، هو مد جسور الثقة بين بكين وموسكو، وهو أمر حادث بالفعل، ولن يطول المقام قبل ظهور حلف آسيوي مرعب لواشنطن.

من هذا التوجه، تنطلق واشنطن – بايدن في إستراتيجياتها، وهي للتذكير قائمة على رؤى المحافظين الجدد عبر مشروع القرن الأمريكي، ذاك الذي بلور ملامحه ورسم معالمه المحافظون الجدد في أواخر التسعينات، وتم تطويره في العام 2010 في زمن باراك أوباما تحت ما عرف باستراتيجية الاستدارة نحو آسيا، والمحصلة المطلوبة في كل الأحوال هي قطع الطريق على الروس والصينيين، إذا أرادوا مشاركة الولايات المتحدة إدارة العالم.

هل يعني ذلك أن ترتكب واشنطن حماقات سياسية في بعض الأقاليم حول العالم، وهي تحمل عصاها وترحل مسرعة؟.

ما نشير إليه يتمثل جليا في الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان، وما سيترتب عليه حكما في قادم الأيام، والجميع  يتوقع أن تعود طالبان والقاعدة وداعش وغيرها من الجماعات التي كلفت العالم أمنه وأمانه طوال عقدين من الزمن، لتجد في أفغانستان ملجأ وملاذا من جديد، وكأن العالم محتوم عليه أن يدور في الفراغ مرة جديدة، وأن يواجه خطر الإرهاب الراديكالي ثانية.

ذات مرة وهذا ما أشرنا  إليه أكثر من مرة من قبل ، قال وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر ، إن الولايات المتحدة الأمريكية ، تبدو وكأنها  مساقة بدافع  قسري يجعلها تكرر أخطاءها من غير إعتبار لتجارب الماضي أو دروس التاريخ “.

لم تتعلم إدارة بايدن من درس أوباما  فيما يخص الإتفاقية النووية مع  إيران ، وكيف أن الإفراج عن مائة وخمسين مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الأمريكية ، قد وفر قبلة الحياة لأمرين قاتلين :

أولأ :  أتاح لطهران ونظام الملالي ، شراء المزيد من أجهزة الطرد المركزية الحديثة ، ما جعل قدرة إيران أكبر وأسرع في الحصول على  يورانيوم مخصب بنسب أعلى  .

ثانيا : أستخدمت فوائض الأموال المتوافرة لإيران من قبل الحرس الثوري ، وذلك لدعم وكلاء الحرب التابعين من عينة الحوثي في اليمن ، وحزب الله في لبنان ،  وميليشيات الحشد الشعبي في العراق ، وغيرها في سوريا  .

قبل بضعة أيام ، كتب “باراك م. سينر “،  المحلل السياسي الأمريكي عبر مجلة ،ناشيونال انترسيت “،  الأمريكية الشهيرة يقول :” إن إستراتيجية  بايدن في  الشرق الأوسط والخليج العربي ، كفيلة بأن تنفر الحلفاء وتشجع الخصوم “.

من أين أنطلق الرجل في قناعته تلك ؟

ربما للجواب يتحتم علينا العودة إلى تقويم المخاطر السنوي لمكتب مدير الإستخبارات الوطنية الأمريكية  الذي نشر في 9 أبريل نيسان الماضي ، وجاء فيه أن المسؤولين في الحكومة الأمريكية “يتوقعون أن تخاطر إيران بتصعيد التوتر ، وأن تهدد مصالح الولايات المتحدة  والحلفاء في العام المقبل “.

هذه هي إيران التي يسعى فريق بلينكن إلى التوصل معها  إلى  إتفاق ، ما يعطي آيات الله شعورا بأن أمريكا  لن تعاقبهم ولن تقف لهم بالمرصاد ، بل إن بطاريات صواريخ باتريوت ومنظومة ثاد المكلفة صد الهجمات الصاروخية الباليستية الإيرانية ، تسحبها واشنطن  بمبررات واهية ، منها القول بالقيام بأعمال الصيانة ، ومنها  التذرع  بوجود آليات حماية أخرى  لا تقل فاعلية .

يراقب حلفاء واشنطن  في المنطقة إستراتيجية إيران لزعزعة الإستقرار الإقليمي ، وفي الوقت  عينه يتابعون السعي الأمريكي في طريق رفع العقوبات عن حكومة الملالي ، وبين المشهدين يدرك الراسخون في العلم أن هذا هو ديدن الثنائية الأمريكية ،  وتكافؤ الأضداد في روحها  .
والثابت أن واشنطن  تراهن – وغالب الأمر هو أن رهانها خاسر – على أن موسكو وبكين لن تبادرا إلى  ملء مربعات النفوذ التي ستخليها  واشنطن  ،وهو أمر ينافي ويجافي قوانين الطبيعة التي تمقت  الفراغ ، كما أن فرضية السكون العربي والخليجي ، وإعتبار الإرادة الأمريكية قدر مقدور في زمن منظور ، فرضية مضللة لواشنطن أيما تضليل ، وعما قريب ستكتشف إدارة بايدن أو ما تلاها أن أحدا  لم يقف على  قارعة الطريق في إنتظار الدعم الأمريكي .

لا يهمنا ما تفكر فيه أو تسعى إليه أمريكا ، الأهم ما هي رؤيتنا في منطقة ملتهبة تفقد فيها واشنطن  مصداقيتها  يوما تلو الأخر ؟

الذين يقرأون لا ينهزمون .

* كاتب مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى