ترجمات أجنبية

إلى أي حد تراجع موقع أوباما؟

مركز الناطور للدراسات والابحاث

 لماذا ارتكب الرئيس أوباما أخطاء واتخذ قرارات بدت ساذجة وغير مبررة؟ لقد فعل ذلك لأنه كان يتحلى بثقة عارمة بالنفس، فظن أنه سينجح بغض النظر عمّا يفعله، وظن أنه يتمتع بموهبة معينة كما قال لزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد وفق الادعاءات.

أين نحن اليوم؟ لقد اجتاحتنا عاصفة كارثية في الشمال الشرقي وزعزعت عمق البلد بسبب قوتها المدمّرة. اختبأ الجميع من تلك العاصفة يوم الاثنين على أمل ألا تكون سيئة بقدر التوقعات لأننا شهدنا في السابق رياحاً أقوى وأمطاراً أكثر غزارة، لكن سرعان ما ارتفع مستوى المياه من دون رادع، فاخترقت كثبان الرمل وغمرت الحواجز وملأت الأنفاق مثل حوض الاستحمام كما قال أحدهم على التلفزيون. إنها أزمة حقيقية، فحتى الآن، يبلي القادة السياسيون الأميركيون بلاءً حسناً، لكن المرحلة الأصعب ستبدأ الآن نظراً إلى الحاجة إلى إصلاح الخراب وإعادة تشغيل البلد من دون اتخاذ خطوات متسرعة كالعادة.

كان رئيس بلدية نيويورك، مايك بلومبيرغ، متزناً في أدائه، فقدّم معلومات دقيقة بكل هدوء وكان مؤتمره الصحافي خالياً من المواقف الاستعراضية المعهودة. كان أداء حاكم ولاية نيوجيرسي كريس كريستي متماسكاً أيضاً، فقدم معلومات وافية بدوره. إنه رجل يبرع في تقييم الأمور وتوجيه مواقفه من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. إذا خسر ميت رومني، فهل سيواجه كريستي انتقادات من الجمهوريين لأنه أعلن دعمه للرئيس أوباما قبل أيام من الانتخابات؟ نعم، سيواجه انتقادات مماثلة. هل سيسوء وضعه في جيرسي؟ على الإطلاق. هل سيكون موقفه مفيداً لجيرسي؟ نعم. يرتفع عدد الأشخاص الذين يشعرون بالبرد ويفتقرون إلى الغذاء في المنازل؛ لذا لا بد من الحفاظ على علاقات وثيقة مع الأصدقاء والرئيس أيضاً.

لكن تركز موقف الحاكم الديمقراطي لولاية نيويورك، أندرو كومو، على كلمة “أنا”. لقد كان كفؤاً ومجتهداً بالقدر نفسه ولكنه استعمل لهجة متغطرسة وعدائية بعض الشيء كتلك التي كان يستعملها اليساريون وأصبحت قديمة الآن. شمل خطابه عبارات مثل “كما قلتُ منذ فترة طويلة”: “أظن أنها أسوأ كارثة… شعرتُ بالصدمة… حين كنتُ أعمل في وزارة الإسكان والتنمية المدنية تعاملتُ مع عواصف مماثلة وتعلّمتُ الكثير… ظننتُ أننا مستعدون لهذا الوضع… سأعمل بكل جهد… أريدكم أن تعلموا بأن الاحتباس الحراري هو ما أخبرتُكم به”.

لكن السياسيين الذين سيفوزون مستقبلاً لن يفرطوا في الحديث عن أنفسهم. لا يحبذ الناس هذا الأسلوب، فهم لا يحبون الحصول على المعلومات بعد استعراض سياسي للإنجازات الشخصية. هذا ما يوصلنا إلى استحقاق يوم الثلاثاء، ولا أحد يعلم ما سيحصل. ربما يعني ذلك أن النتيجة ستكون متقاربة أو قد لا تكون كذلك، وقد نقف أمام مفاجأة كبرى، ففي مطلق الأحوال، لا يزال صراع باراك أوباما للحفاظ على حياته السياسية من أعظم القصص السياسية في الحقبة المعاصرة.

لنرجع إلى النقطة التي بدأ منها أوباما، فهو وضع يده على الكتاب المقدس الذي أقسم عليه أبراهام لينكولن في عام 1861. حصل ذلك في 20 يناير 2009. كان أوباما الرئيس الأميركي رقم (47) وكان في موقع يحلم به جميع السياسيين، فقد حقق نسبة تصويت تاريخية، وكان أول رئيس أميركي من أصل إفريقي، وحصل على دعم شريحة واسعة من الشعب الأميركي لأنه حصد 9.5 ملايين صوت. بعد يومين على تنصيبه، أعلن معهد “غالوب” أن نسبة تأييده بلغت 68% بينما امتنع 12% من الناخبين فقط عن تأييده. كان الحزب الديمقراطي يملك أغلبية المقاعد في مجلس الشيوخ، وكان يحظى بأغلبية المقاعد في مجلس النواب (256 مقعداً مقابل 178)، وكان المنصب الحيوي للمتحدث باسم المجلس من أتباعه أيضاً. كانت وسائل الإعلام الرائدة تبدي حماساً لافتاً تجاهه وتدعمه إلى أقصى حد.

فشعر خصومه السياسيون بالإحباط بعد أن تصدّع حزبهم.

واجه أوباما مشاكل كبرى (انهيار اقتصادي وحربان)، لكن منحته تلك الأزمات مساحة للتحرك بِحرية. كان وضعه مثالياً في المجالات المختلفة لدرجة أنه كان يستطيع فعل كل ما يريده،

لكن سرعان ما تغير كل شيء. في مرحلة معينة، بدأ يفقد نفوذه.

ستصدر كتب عدة لسرد ما حدث، لكن لا أحد يستطيع إنكار أن الرئيس أخذ قرارين تشريعيين مريعين، كانت خطة الحوافز كارثة سياسية، ولم تكن المشكلة تتعلق بالكلفة بل بمحتوى المشروع. كنا نواجه وضعاً متأزماً وكنا نخسر وظائفنا. كان الناس سيوافقون على زيادة الإنفاق لو بدا المشروع واعداً، لكن كانت خطة الحوافز مقاربة قديمة مألوفة تستهدف الناخبين الموثوقين فقط. ما كانت تلك الخطة لتؤثر في الاقتصاد كثيراً وما كانت لتحصد تأييد جمهوري واحد في مجلس النواب (مع ثلاثة مؤيدين منهم في مجلس الشيوخ)، فانعكس هذا الوضع سلباً على واشنطن وعلى سياستنا. كان ذلك النصر كارثياً، فهو أثبت أن رئيساً جديداً يتولى شؤون البلد، ولكنه أشار أيضاً إلى أن الرئيس الجديد يفتقر إلى المهارات اللازمة. ثم صدر قانون الرعاية الصحية، لكن بدأت مفاعيل تلك الغلطة تنتهي الآن. أشار انشغال الرئيس طوال 14 شهراً بخطة الرعاية الصحية إلى أنه لا يهتم بمخاوف الناس العاجلة (فرص العمل، الاقتصاد، جميع العوائق المالية المرتقبة). جاء القانون الشهير المؤلف من ألفي صفحة ليعزز مأساة الناس ويزيد مخاوفهم. كان الناخبون مضطرين للوثوق بالرئيس إلى أقصى حد كي يصدّقوا أن برنامجه لن يرفع قيمة أقساطهم ولن يحد من استقلاليتهم ولن يزيد النظام المتصدع سوءاً.

لكنهم ما كانوا يثقون به لهذه الدرجة لأنهم كانوا قد تعرفوا عليه لتوهم. ما كانوا يعرفونه جيداً في تلك المرحلة، لا بد من بناء الثقة اللازمة للقيام بخطوة شاملة من هذا النوع.

هكذا بدأت تظهر حركات المعارضة وحزب الشاي واندلعت الاحتجاجات أمام دور البلديات وكان المحتجون يشملون مستقلين وديمقراطيين أكبر سناً. أدت تلك التحركات إلى تجديد زخم الجمهوريين وإعادة توحيد المحافظين (موقتاً على الأقل).

لماذا ارتكب الرئيس أخطاء مماثلة؟ لماذا اتخذ قرارات بدت ساذجة وغير مبررة؟

لقد فعل ذلك لأنه كان يتحلى بثقة عارمة بالنفس، فظن أنه سينجح بغض النظر عمّا يفعله، ظن أنه يتمتع بموهبة معينة كما قال لزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد وفق الادعاءات. ظن أنه يتمتع بقدرة خاصة على استمالة الشعب الأميركي، أو هكذا قال للمتحدث باسم مجلس النواب جون بوينر ولزعيم الأغلبية إريك كانتور.

لكن في كل مرة كان يتغاضى فيها عن تعليقات وسائل الإعلام والكونغرس ويخاطب الناس مباشرةً في ساعة الذروة، لم تكن خطته تنجح. لم يكن يتمتع بقدرة سحرية على استمالة الناس، لكنه ما كان يلاحظ ذلك رغم غرابة الأمر.

إنه أمر خطير أن يعتبر الفرد نفسه عبقرياً، لكن من الأخطر أن يرتكب الإخفاقات ويواجه خسائر متلاحقة ويصر على اعتبار نفسه عبقرياً. هذا هو جوهر المشكلة: كانت ثقته بنفسه مفرطة من دون أن يتمتع بالمهارات اللازمة، كما أنه جمع من حوله مجموعة من الأصدقاء والشركاء الذين يعشقونه، وقد كانوا ماهرين لكن ليس بدرجة كافية كي يخوضوا اللعبة التي بدؤوها. لقد فهموا طبيعة الحزب الديمقراطي ووقائعه وأفكاره، لكنهم لم يكونوا بحجم الولايات المتحدة ولم يفهموا طبيعة البلد جيداً.

لم يتضح بعد السبب الذي منع الرئيس من إعادة تقييم أدائه أو التشكيك بقراراته، بل إنه تابع مساره وكأن خططه ناجحة.

هو لا يقبل الإهانة؛ لذا لم يقم بما تعلّم بيل كلينتون فعله بعد مواجهته وضعاً صعباً في عام 1994: تغيير المسار وتحقيق النجاح.

قد يحقق أوباما النصر مجدداً، إذ تتعدد العوامل التي تؤثر في كل سباق انتخابي، ربما عززت فداحة العاصفة الأخيرة مخاوف الناس (تبخرت الأزمات المحلية الأخرى لأن هذه الكارثة المحلية تُعتبر كارثة وطنية)، ما يجعل الناس القلقين أكثر ميلاً إلى حماية وضع المراوحة بدل الذهاب إلى المجهول.

أو قد يعتبر آخرون أن الرئيس فشل في إبطاء ارتفاع مستوى المحيطات… سنعرف حقيقة مواقف الناخبين قريباً.

لكن بغض النظر عمّا سيحدث، لن يسيطر أوباما على الوضع كما فعل سابقاً، إذا فاز في الانتخابات، سنشاهد عهداً رئاسياً مختلفاً (مع جمود مستجدّ وصراعات سياسية إضافية)، لكن سيبقى الرئيس على حاله.

كتب: Peggy Noonan – Wall Street Journal

قسم الترجمة – الجريدة  – 6/11/2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى