ترجمات أجنبية

إقناع إيران برفع راية الاستسلام قد لا يكون خطوة ذكية


مركز الناطور للدراسات والابحاث

 تصر الولايات المتحدة وحلفاؤها على تشديد العقوبات الاقتصادية حتى انهيار الاقتصاد الإيراني، على أن يترافق ذلك الوضع مع نسبة جيدة من المعاناة الإنسانية والوفيات غير المعلنة بسبب المشقات الاقتصادية، وفي هذه المرحلة، إما أن يرفع النظام الديني راية الاستسلام وإما أن تتم الإطاحة به.

ماذا لو نجحت سياستنا الراهنة تجاه إيران فعلاً وحققت طهران جميع مطالبنا؟ لا شك أننا سنعتبر الأمر نجاحاً دبلوماسياً فائقاً، أليس كذلك؟ ليس بالضرورة! في الحقيقة، قد يؤدي الانتصار الأحادي الجانب على إيران إلى حل جزء صغير من المشكلة لأن الاتفاق الذي تفرضه واشنطن لن يدوم طويلاً على الأرجح.

نظراً إلى وضع السياسة الأميركية اليوم، يبرز مساران لحل أزمة إيران النووية، لكن يبدو أن المسارين قسريّان بطبيعتهما، فنحن نتبع المسار الأول راهناً: تصر الولايات المتحدة وحلفاؤها على تشديد العقوبات الاقتصادية حتى انهيار الاقتصاد الإيراني، على أن يترافق ذلك الوضع مع نسبة جيدة من المعاناة الإنسانية والوفيات غير المعلنة بسبب المشقات الاقتصادية.

في تلك المرحلة، إما أن يرفع النظام الديني راية الاستسلام وإما أن تتم الإطاحة به، لكن بغض النظر عن هوية الفريق الذي سيحكم إيران في المرحلة اللاحقة، يجب أن يوافق ذلك الفريق على التخلي عن جميع نشاطات التخصيب النووي، وأن يتخلص من مخزون اليورانيوم المخصب كله، وأن يفكك جميع أجهزة الطرد المركزي، وأن يسمح للولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتحقق من تنفيذ هذه المطالب.

وفق هذا السيناريو، يُفترض أن يؤدي تشديد الضغوط الاقتصادية إلى إقناع إيران بتكرار ما فعله الراحل معمر القذافي في ليبيا في عام 2003، أي التخلي عن أي مصلحة لها في كسب إمكانات نووية، لكن من سوء حظنا، يبدو أن طهران لاحظت ما حصل للقذافي في نهاية المطاف، ما يعني أنها لن تستسلم مطلقاً بالطريقة نفسها.

أما المسار الثاني، فيتعلق بالخيار العسكري: تهاجم الولايات المتحدة إيران وتدمر أكبر عدد ممكن من البنى التحتية النووية التي تجدها. يجب أن ننجح أيضاً في إقناع إيران بأننا سنعود لتنفيذ المهمة نفسها إذا حاولت إعادة بناء منشآتها. رداً على ذلك، قد يتجاهل النظام الديني السخط الشعبي الناجم عن هجومنا الأخير وقد يوافق على البقاء كقوة غير نووية بشكل دائم.

لنتجاهل للحظة واقع أن أجهزة الاستخبارات الأميركية لا تزال مقتنعة بأن إيران لا تسعى فعلياً إلى تصنيع أسلحة نووية على الإطلاق (وهي وجهة نظر حلفائنا في بريطانيا). لنتجاهل أيضاً تقييم فرصة نجاح كل مسار من المسارين، ولنفترض أن أحدهما نجح فعلاً، ورضخت إيران لمطالبنا الراهنة، فهل سيكون ذلك الأمر إيجابياً؟ لستُ واثقاً من ذلك.

تكمن مشكلة هذين المسارين اللذين يحكمان طريقة التعاطي مع إيران غير النووية في واقع أن كل مسار منهما سيثير غضب شريحة واسعة من الإيرانيين، وسيرسخ مشاعر البغض لديها. حتى لو أُجبر الإيرانيون على الرضوخ لجميع مطالبنا، فهم سيقومون بذلك تحت ضغوط شديدة لأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضيّق الخناق عليهم بفضل العقوبات الصارمة أو لأن “الشيطان الأكبر” أطلق اعتداء عسكرياً غير مبرر. في حال اقتنع قادة إيران بالتخلي نهائياً عن التخصيب النووي (لطالما حظي هذا الهدف بدعم الحكومة وكبار الشخصيات في المعارضة ومعظم الرأي العام الإيراني)، سيحصل هذا التنازل رغماً عنهم.

يكمن الخطر الجلي طبعاً في واقع أن هذه النتيجة ستوفر الذخائر اللازمة للقوميين والمتشددين الإيرانيين، وستقوّي نفوذ الأشخاص الذين يفضلون علناً أن تحصل إيران على إمكانات لتصنيع أسلحة نووية. لا شك أنهم سيسألون عن السبب الذي يمكّن الهند وباكستان من الحصول على أسلحة نووية بينما لا تستطيع إيران فعل الأمر نفسه، فهم سيعتبرون أن الموقّعين الآخرين على معاهدة منع الانتشار النووي يحق لهم كسب إمكانات التخصيب بينما تُمنَع إيران من فعل ذلك، وهم سيذكّرون العالم ومواطنيهم بأن اليابان تملك كميات هائلة من البلوتونيوم وأنها على بُعد أشهر قليلة من تصنيع قنبلة لو أرادت ذلك، بينما يتم التعامل مع إيران كقوة دولية منبوذة. ولا شك أنهم سيتساءلون أيضاً عن السبب الذي يبرر حصول إسرائيل على الحماية الأميركية ومساعدات غير مشروطة مع أنها لم توقّع على معاهدة منع الانتشار النووي، وتملك أسلحة نووية كثيرة خاصة بها. نتيجةً لذلك، سيظهر عدد كبير من الإيرانيين الذين يتوقون إلى التخلي عن أي اتفاق قد يتوصلون إليه مع الغرب حالما يعتبرون أنهم يستطيعون الإفلات بفعلتهم.

بعبارة أخرى، لن يدوم الاتفاق الذي يتم التوصل إليه بالقوة إلا إذا بقي مستوى الضغوط القسرية فاعلاً، وفي أفضل الأحوال، قد يدوم أي اتفاق مماثل طالما يبقى ميزان القوى في مصلحتنا. باختصار، كلما كان الاتفاق أحادي الجانب، ستتراجع إيران عن التزاماتها وستضطر الولايات المتحدة وإسرائيل إلى مراقبتها بشكل مستمر بحثاً عن أي خطأ، فهل من طريقة أفضل لضمان عدم تحسن العلاقات مطلقاً؟

في المقابل، يبدو أن أي اتفاق نووي يمنح الطرفين مصالح معينة ويعدهما بمجموعة مهمة من المنافع المستقبلية سيوفر للفريقين حافزاً للتمسك بالشروط المفروضة. كما أنه سيُسكت مؤيدي استعمال القوة في المعسكرين والأشخاص الذين يطالبون بحلول متشددة (مثل الأميركيين الذين يفضلون استعمال القوة العسكرية والإيرانيين الذين قد يفضلون تصنيع قنبلة). عبّر زميلي مات بون عن حقيقة المشكلة القائمة حين اعتبر أن مستوى انعدام الثقة راهناً يصعّب على كل فريق إقناع الآخر بأنه سيحصل على مجموعة المنافع التي يجب أن تكون جزءاً من الاتفاق.

من المعروف أن خبير التفاوض الراحل روجر فيشر أوصى بمنح الخصوم اقتراحات معقولة: إذا أردتم عقد اتفاق، فيجب أن تعرضوا أمراً قد يرغب الخصم في قبوله. في المجال نفسه، نصح الخبير الاستراتيجي الصيني صان تزو بـ”بناء جسر ذهبي” كي ينسحب الأعداء عبره.

بالتالي، إذا أردنا اتفاقاً نووياً دائماً مع إيران، فلا يمكن أن يكون الاتفاق أحادي الجانب بأي شكل، إذ تكمن المفارقة في واقع أننا لا نريد إجبار إيران على قبول اتفاق لا تريده ولكنها ستقبله حتماً لأننا لا نترك لها خياراً آخر. قد يسهل إقناع الرأي العام المحلي بالاتفاق الأحادي الجانب، لكن من المستبعد أن يدوم هذا النوع من الاتفاقات. كي يصمد ذلك الاتفاق، لا بد من وجود مصلحة تخدم الطرف الآخر مثل تقديم منافع ملموسة وفرض شروط تعترف بمصالح إيران وتحافظ على فخرها الوطني، وإذا لم يحدث ذلك، فلن يصمد الاتفاق وسنعود إلى الوضع الراهن المبني على التهديدات والشبهات والمناورات الاستراتيجية، وربما يريد بعض المحافظين الجدد التوصل إلى هذه النتيجة، لكن لا أحد سواهم يريد ذلك.

يحذرنا الكثيرون من مخاطر التهدئة ويدعون إلى استخلاص “الدروس” من ميونخ، لكننا ننسى في أغلب الأحيان درساً مهماً بالقدر نفسه يمكن استخلاصه من فرساي: حين يفرض الفائزون تسوية قاسية وأحادية الجانب على بلد معين (حتى لو كان يستحق ذلك)، فقد يرتد الأمر عكسياً عليهم، فإذا افترضنا أننا سنستأنف المفاوضات جدياً مع طهران، يجب أن نبحث عن اتفاق يرضي مصالحنا الجوهرية، لكننا لن نحصل على كل شيء نريده، وإذا أردنا أن يصمد الاتفاق، فيجب أن تقتنع إيران بأنها ستحصل على بعض المكاسب أيضاً.

كتب: Stephen Walt – Foreign Policy

قسم الترجمة – 2/11/2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى