الأسرى

إعادة هيكلة مصلحة السجون الإسرائيلية : الأمن أولاً ثم الدوافع المالية!

وليد حباس *- 14 /9/2021

 أثارت عملية هروب ستة أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع العديد من الأسئلة حول إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، أو ما يعرف بـ “شاباص”. على الأقل، حتى سنوات الثمانينيات، كانت إدارة مصلحة السجون جهازا سيء الصيت، وتجنب العديد من الإسرائيليين العمل داخلها باعتبارها مكانا رديئا ولا يحقق الاحترام لمن يعمل فيه. اليوم، تصل ميزانيتها إلى حوالي 3.8 مليار شيكل وتعتبر “دولة داخل الدولة”، ولها ميزات تجذب العديد من الإسرائيليين للانضمام اليها. مع ذلك، أعادت عملية الهروب التي حصلت في 6 أيلول إدارة مصلحة السجون إلى مركز النقاش الداخلي في إسرائيل وفتحت العديد من الأسئلة التي لم تحسم بعد. في صلب النقاش، ثمة قضايا تعلق بميزانية مصلحة السجون وطريقة توزيعها داخليا. هذه المقالة تلقي نظرة على عمل إدارة مصلحة السجون، وميزانيتها والمناكفات السياسية والأمنية التي ظهرت مؤخرا حول الموضوع.

نظرة عامة

تأسست إدارة مصلحة السجون في العام 1949، كجهاز تابع للشرطة الإسرائيلية بعد أن ورثت عن الانتداب البريطاني مباني السجون والمعتقلات. ظلت إدارة السجون عبارة عن جهاز بداخل الشرطة حتى سنوات الستينيات. وساهم الهروب الكبير من سجن شطة العام 1958 في إجبار المنظومة الأمنية في إسرائيل على فصل إدارة السجون عن جهاز الشرطة وتأسيسها كجهاز مستقل يتبع إلى وزير الأمن الداخلي. هذا الهروب الكبير، الذي اشترك فيه أسرى فلسطينيون (جنائيون وسياسيون) بالإضافة إلى أشخاص من خارج السجن، أدى إلى مقتل سجانين اثنين، واستشهاد 11 أسيراً بالإضافة إلى هروب 66 أسيراً آخر، وصلوا إلى الضفة الغربية التي كانت تحت الحكم الأردني ولم يتم إلقاء القبض عليهم بعدها. بعد تقييم إسرائيلي داخلي لمسببات الهروب الكبير، وصلت الحكومة الإسرائيلية إلى خلاصة مفادها أن إدارة السجون تعاني من خلل عميق في طريقة إدارتها للسجون، وأن هذا الخلل يمكن تجنبه من خلال ضخ المزيد من الأموال لصالحها وإعادة هيكلتها لتصبح جهازا مستقلا.

اليوم، إدارة مصلحة السجون هي دولة داخل دولة، وبعض المعطيات الحالية قد تشير إلى طبيعة عملها الإداري الداخلي. في إسرائيل هناك 29 سجنا ومعتقلا ومركز توقيف، من بينها هناك 6 سجون إسرائيلية مخصصة للأسرى السياسيين الفلسطينيين (أو ما يعرف في الخطاب الإسرائيلي بالأسرى الأمنيين) وهي سجون عوفر، النقب، مجيدو، نفحه، رامون، جلبوع. بالإضافة هناك أقسام متفرقة للأسرى السياسيين داخل سجون جنائية مثل قسم هداريم، قسم عسقلان، وقسم المستشفى في الرملة. وتقسم إدارة مصلحة السجون إلى ثلاثة أقاليم (الشمال والوسط والجنوب)، كما أنها تضم أربع وحدات خاصة تقوم على دعم عمل إدارة مصلحة السجون في ضبط حياة الأسرى، واللوجستيات، وفرض الانضباط. أولا، هناك وحدة نحشون المسؤولة عن نقل الأسرى بين السجون. ثم هناك وحدة متسادا وهي وحدة التدخل السريع في حال وجود اضطرابات داخل السجن وتصنف كوحدة نخبة على غرار وحدات هيئة أركان الجيش (أو سييرت متكال). ثالثا، هناك وحدة درور المختصة في جمع المعلومات الاستخباراتية لمنع تهريب مواد محظورة مثل الأجهزة الخليوية. وأخيرا، هناك وحدة تسور المختصة بمراقبة حياة الأسرى الجنائيين.[1]

في العام 2000، أثيرت في إسرائيل قضية خصخصة السجون من خلال تحويلها إلى شركات خاصة والتي قد تعفي الحكومة من تحويل ميزانيات سنوية لمصلحة السجون. ومع أن شركة “أفريقيا إسرائيل” كانت قد حظيت في العام 2006 بمناقصة لإجراء تجربة خصخصة على أحد السجون إلا أن المحكمة العليا اعتبرت أن الخصخصة (والتي لم تشمل بطبيعة الحال السجون التي يقطنها أسرى سياسيون) هي قضية غير أخلاقية، الأمر الذي حتم على الحكومة الإسرائيلية، وخاصة وزارة المالية، أن تخصص مبالغ ضخمة لتطوير عمل مصلحة السجون بعد أن كان الاعتقاد النيو ليبرالي السائد هو أن شركات خاصة قد تنقذ الحكومة الإسرائيلية من هذا العبء المالي.[2]

في العام 2007-2008، وصل عدد الأسرى السياسيين إلى حوالي 12 ألفا، أو ما نسبته نصف عدد السجناء في إسرائيل حيث بلغ الاكتظاظ في السجون أعلى مستوياته وكانت المساحة المخصصة لكل أسير داخل الغرفة تصل إلى ما معدله 2-3 متر للشخص. هذه النسبة التي تعتبر أقل بكثير من النسب العالمية، شكلت عامل ضغط على إدارة السجون أمام المجتمع الدولي، ودفعت الحكومة الإسرائيلية إلى ضخ المزيد من الميزانيات لتطوير البنية التحتية وزيادة عدد السجون. [3] خلال العقد الأخير، ارتفعت ميزانية إدارة مصلحة السجون بشكل لافت للنظر. فبعد أن كانت حوالي 1.8 مليار شيكل في العام 2009، ارتفعت لتصل إلى حوالي 3.77 مليار شيكل في العام 2020، وذلك على الرغم من انخفاض عدد الأسرى في نفس السنوات من حوالي 22 ألفاً إلى 14 ألفاً فقط. في هذا العقد من الزمن، الذي بدأ يشهد ارتفاعا في ميزانية مصلحة السجون في الوقت الذي انخفض فيه عدد الأسرى، تحولت مصلحة السجون إلى “مملكة” غنية من حيث الميزانية ما سمح بظهور امتيازات هائلة لدى السجانين.

مثلا، يوجد داخل مصلحة السجون حوالي 9200 سجان (من بينهم 2000 ضابط). وهذه نسبة عالية جدا في القوى البشرية داخل الجهاز وتشكل ما نسبته سجان واحد لكل سجينين. أحد الانتقادات اللاذعة التي ظهرت في أعقاب هروب المناضلين الستة في بداية الشهر، هو أن هذا الكم الكبير من السجانين، والميزانية المتصاعدة، لم تحل دون منع هروب هؤلاء الأسرى. هذا يعني أن معظم الميزانية البالغة 3.77 مليار شيكل لا تذهب لتطوير نظم الرقابة، أو تطوير البنية التحتية، أو إدارة السجون بناء على عقيدة أمنية محكمة. وبالفعل، فإن 3 مليارات شيكل من أصل 3.77 مليار تذهب لرواتب السجانين وصندوق تقاعدهم. في إسرائيل، راتب ضباط مصلحة السجون يقف عند معدل 17 ألف شيكل شهريا، وقد يصل إلى حوالي 57 ألفا لدى الضباط الكبار. هذه المعطيات، تشير إلى تحول مصلحة السجون في العقد الأخير إلى جهاز ذي امتيازات عالية ومكان أفضل من الشرطة أو الجيش. [4] كما أن وجود سجان واحد مقابل كل أسيرين، يعني أن هناك شبه بطالة مقنعة تسمح للعديد من السجانين بالاعتماد على الغير، والاعتقاد بأن الإهمال أو عدم الجدية في العمل لن يكون ذا أثر كبير في جهاز يضم عددا كبيرا من السجانين.

لقد بات واضحا لوزارة المالية الإسرائيلية، والتي تقرر توزيع الميزانيات، أن الإشكالية داخل السجون تكمن في أن 80% من ميزانية مصلحة السجون تذهب إلى رواتب السجانين، بينما 2% فقط تذهب إلى التطوير بالإضافة إلى حوالي 18% مشتريات. إن إعادة هيكلة توزيع الميزانية داخل مصلحة السجون دفع إلى وضع بنود خاصة بالسجون ضمن قانون التسويات الاقتصادية المرافق لمشروع الموازنة (أو ما يسمى بـ “قانون ههسدريم”). بناء على هذا القانون، على مصلحة السجون أن تخفض النسبة التي تذهب من الميزانية إلى رواتب السجانين، الأمر الذي قد يلاقي رفضا قاطعا من قبل ضباط مصلحة السجون. فقط شخص واحد من بين هؤلاء الضباط قادر على مجاراة قانون التسويات والإضرار بصلاحيات الضباط مقابل تطوير عمل مصلحة السجون، وهو كاتي بيري، التي تم تعيينها في بداية العام 2021 لقيادة مصلحة السجون على أمل أن تدفع نحو الاصلاحات المنشودة.

من المفترض حسب الثقافة الإسرائيلية أن تتم إقالة بيري بعد هروب المناضلين الستة. بيد أنها ظهرت أكثر قوة من ذي قبل، على ما يبدو في محاولة من المستوى السياسي لدعمها والحيلولة دون إقالتها. بناء على خطة قانون التسويات، فإن مصلحة السجون ستحصل على 10 ملايين شيكل في العام 2022 بهدف إغلاق 5-8 سجون إسرائيلية تعتبر قديمة (مثل نفحه). في المقابل، تقوم مصلحة السجون ببيع الأراضي المقامة عليها هذه السجون للقطاع الخاص لتحصل بذاتها على تمويل ضخم يمكنها من بناء سجن واحد جديد وعصري يستوعب حوالي 2800 أسير كحد أقصى. [5] هذا السجن المنوي إقامته بالقرب من مجيدو، قد يعني تركيز عمل 5-8 سجون في مجمع واحد وتقليل عدد السجانين من خلال اعتماد تكنولوجيا حديثة تستبدل القوى البشرية وتوفر الميزانيات المهولة التي تذهب لقاء رواتب السجانين. وعلى ما يبدو، فإن بيري قادرة على مجاراة السياسات النيو ليبرالية للحكومات المتعاقبة والتي تقف خلف قانون التسويات. بيد أن هروب المناضلين الستة، من شأنه أن يخلط الأوراق، وينقل ثقل الانتقادات من رفاهية السجانين إلى تطوير بنى تحتية ورقابية على اعتبار أن الأمن يأتي قبل السياسات الاقتصادية. فقد كان من المتوقع أن يتم توقيع اتفاق ما بين وزارة المالية ووزارة الأمن الداخلي بحضور كاتي بيري عن مصلحة السجون بتاريخ 7 أيلول لتنفيذ الخطة المقترحة في قانون التسويات. ولكن هروب الأسرى الستة بتاريخ 6 أيلول جمّد كل المساعي التي استمرت سنوات بهدف تقريب وجهات نظر مصلحة السجون ووزارة المالية.

هوامش 

  1. إدارة مصلحة السجون، وحدات خاصة، 2021. أنظر الرابط التالي : https://www.gov.il/he/Departments/General/special_units
  2. ويكيبيديا، إدارة مصلحة السجون، 2021. أنظر الرابط التالي: https://bit.ly/3tuANRK
  3. يانيف رونين، الأسرى الأمنيون في السجون الإسرائيلية (القدس: الكنيست، 2009). أنظر الرابط التالي: https://bit.ly/3E5g1gl
  4. آفي بار- إيلي، معضلة في العد الصباحي: بدلا من الاستثمار في الأسرى، الأموال تذهب الى السجانين، ذي ماركر، 22 تموز 2021. أنظر الرابط التالي: https://www.themarker.com/opinion/.premium-1.10017665
  5. آفي بار- إيلي، لماذا 3.8 مليار شيكل غير قادرة عن منع هروب أسرى من أمام أعين السجانين؟، ذي ماركر، 7 أيلول، 2021. أنظر الرابط التالي: https://www.themarker.com/opinion/.premium-1.10188661

* مركز مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلي

مركز الناطور للدراسات والابحاث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى