إطلاق كتاب سوسيولوجيا التطرف والإرهاب في الأردن: دراسة ميدانية وتحليلية للدكتور محمد ابو رمان
الغد – تيسير النعيمات – عمان – 15/3/2018
أكد الزميل الباحث الدكتور محمد أبو رمان أن “كل الدلائل تشير إلى أن تيارات التطرف في ازدياد في الأردن، وتلتهم من الطبقة المثقفة والمتعلمة والأجيال المختلفة، ما يعني أنّ هنالك مشكلة في المقاربة المدنية الموازية للأمنية، وهي ما تزال غائبة”.
جاء ذلك خلال حفل إطلاق كتاب “سوسيولوجيا التطرف والإرهاب في الأردن: دراسة ميدانية وتحليلية”، من تأليف الزميل أبو رمان والدكتور موسى شتيوي، وشارك فيه فريق عمل من مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية.
وقال متحدثون في الحفل الذي أقيم أول من أمس في فندق لاند مارك (راديسون ساس سابقا) الذي شهد عام 2005 حادث تفجير نفذه تنظيم القاعدة الإرهابي، إن الكتاب “جهد علمي راق وبحثي رصين تضمن عديد البيانات والمعلومات وتناول الخلفيات للمتطرفين والإرهابيين” إن “أهمية الكتاب تنبع من استناده إلى لقاءات مباشرة مع متطرفين وأسرهم ومجتمعاتهم، في جهد غير مسبوق في هذا الخصوص”.
وفي هذا الصدد، قال وزير الشؤون السياسية المهندس موسى المعايطة في قراءته للكتاب إن “ظاهرة الإرهاب الأصولي بدأت منذ الحرب الباردة والغزو السوفييتي لأفغانستان، وتم حينها استعمال المتطرفين من بعض القوى الدولية”.
واعتبر أن “التدين الحرفي ظاهرة ليست مرتبطة بأيديولوجيا أو دين أو طائفة معينة”، مشيرا إلى “وجود شبه بين دويلة داعش ودويلة ظهرت في ألمانيا في العصور الوسطى”.
من جانبه رأى رئيس الجامعة الأردنية الدكتور عزمي محافظة أن “موضوع الكتاب مهم ويتجنب الكثيرون الكتابة فيه، وهو جهد علمي راق فيه كثير من البيانات وتناول الخلفيات العلمية والاجتماعية والاقتصادية للإرهابيين”.
بدورها، أشارت سفيرة النرويج في الأردن تونا إيليتش إلى أهمية الكتاب في توضيح ظاهرة التطرف والإرهاب للحد منها، مشيدة بالجهود الأردنية في هذا المجال.
من جانبه، أكد الزميل الدكتور أبو رمان أن “المعطيات والمؤشرات المطروحة في الكتاب مقلقة”، داعيا إالى “مقاربات أخرى غير المقاربة الأمنية التي تلجأ إلى عزل أسر المتطرفين، وذلك حتى لا يعانوا نتيجة أفعال أبنائهم”، مؤكدا أن المعطيات “تتطلب إعادة نظر وتركيز جديد من قبل المسؤولين والمؤسسات المعنية، وتقييم المقاربات الحالية مرّة أخرى في مجال مكافحة التطرف والإرهاب”.
ونبه إلى أنه “ورغم أهمية المعالجة الأمنية، التي منعت كثيراً من الكوارث، لكنّها لا تكفي، لأنّ الدلائل تشير إلى أن هذا التيار في ازدياد وتمدد أفقي وعمودي، ويأكل من الطبقة المثقفة والمتعلمة ومن الأجيال المختلفة، ويتجذّر اجتماعيا، ما يعني أنّ هنالك مشكلة في المقاربة المدنية الموازية للأمنية، وهي ما تزال غائبة، بالرغم من الكم الكبير من المؤتمرات والندوات والأبحاث والقوانين والتشريعات والأموال المنفقة”.
وخلص الكتاب إلى أنّ هنالك “تحولا في نمط التيار السلفي الجهادي في الأردن من السياق الفردي الذكوري إلى العائلي والشبكي”.
ويمثّل الكتاب نتائج دراسة نظرية وميدانية شملت بيانات لمئات الناشطين في التيار السلفي الجهادي في الأردن، وشملت ما يقرب من 760 جهادياً، منهم قرابة 190 قتلوا في سورية والعراق، و11 دراسة لحالات معمّقة، منذ العام 2010 إلى بداية العام الحالي.
وانقسم الكتاب إلى عدة فصول تناولت التطور التاريخي والمراحل التي مرّ بها التيار، ثم سوسيولوجيا التطرف في الأردن، عبر الاستفادة من الخبرة الميدانية التي تحصل عليها الباحثون خلال العمل بالكتاب، وفصل تحليلي للبيانات والمعلومات التي تم جمعها عن أبناء هذا التيار، من حيث العمر، والمحافظة، والتعليم والعمل والخصائص الاجتماعية المختلفة، وأخيراً دراسة لحالات عديدة، ثم الخاتمة والخلاصات والتوصيات.
وعلى صعيد النتائج الرئيسة؛ بيّن الكتاب أنّ “محافظة الزرقاء، وبالأخص مدينة الرصيفة، تمثّل اليوم المركز الأكبر لنفوذ التيار وحضوره، وذلك يتضح من خلال القيادات المعروفة للتيار من المحافظة، وحجم المشاركة في تنظيمي فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) و”داعش”، ونسبة من وصلوا منهم إلى مواقع قيادية في الحالة السورية”.
ويشير التحليل الكمّي إلى أنّ “40 % من الحالات المدروسة هي من محافظة الزرقاء، و17.4 % من محافظة إربد، و13 % من محافظة البلقاء، و12 % من محافظة العاصمة عمّان”.
وأشار إلى أنّ هنالك “صعوداً في حضور التيار في محافظة إربد، بخاصة مخيم إربد والأحياء المجاورة له، وهو أمر ملاحظ في عدد المقاتلين في سورية والعراق، والمشاركين في عملية إربد (2016)، ثم تأتي وفقاً لهذه القراءة محافظة البلقاء، وأخيراً عمّان، بخاصة عمّان الشرقية، ثم معان والكرك”.
وعلى صعيد السمات الاجتماعية، يشير الكتاب إلى “ثلاثة أجيال من الجهاديين”.
وجاء فيه: “إذا افترضنا أنّ العمر المثالي للانخراط بهذا الفكر هو العشرينيات، فإنّنا سنجد تناسباً بين الأجيال الثلاثة الجهادية في الأردن وبين متغيّر العمر، فالجيل الأول الذي شارك في القتال أو تأثر بساحة أفغانستان وكاريزما الشيخ عبدالله عزام خلال عقد الثمانينيات، ثم عاد مع بداية عقد التسعينيات، من بقي منه جهادياً يفترض أنّه اليوم في عقد الأربعينيات أو الخمسينيات”.
وأضاف: “وهناك الجيل الثاني، الذي ظهر في مرحلة لاحقة، مع أحداث سبتمبر 2001 واحتلال العراق 2003، ممن قاتلوا في العراق مع تنظيم الزرقاوي أو في أماكن أخرى. أمّا الجيل الثالث، فهو من قدّم أو التزم بالتيار في الأعوام الستة الأخيرة، وبصورة خاصة مع أحداث سورية والعراق نهاية 2011”.
وأكد تحليل بيانات الكتاب أنّ “غالبية أبناء التيار هم من جيل الشباب، بخاصة العشرينيات، وإن كانت هنالك أعمار أخرى، مثل الأحداث، ويشير التحليل الكمّي إلى أنّ 77 % دون الثلاثين”.
أمّا فيما يتعلّق بالتعليم، قال الكتاب: “من الواضح أنّ هنالك ارتفاعا ملموسا خلال الفترة الأخيرة، في نسبة المتعلّمين في هذا التيار، إذ وصلت إلى 21.6% من البكالوريوس وطلاب الجامعات، و1.8% من الدراسات العليا (ماجستير، وحاصلون على شهادات الدكتوراه)، بمعنى أنّ النسبة تكاد تصل إلى ربع العدد الكلّي، وهي نسبة مرتفعة، مقارنةً بالصورة النمطية التي كانت تربط قبول هذا الفكر بمستوى متدنٍ من التعليم والثقافة”.
وأضاف: “هنالك ارتفاع في نسبة العاملين مقارنة بالصورة النمطية التي تربطهم بالبطالة، إذ تصل نسبة البطالة إلى 27.6 %، فيما الآخرون يعملون، وذلك لا يعني بالضرورة التقليل من أهمية البطالة كأحد المداخل في قراءة الظاهرة، فهذه النسبة التي تقترب من الثلث تعني أنّ البطالة قد تكون عاملاً مؤثّراً”.
وبين أنه “من خلال التجربة البحثية ودراسة الحالات تظهر مجموعة من النتائج المهمة، منها أنّ هنالك روافد أو خلفيات فكرية متباينة لمن انضموا لداعش والنصرة في القتال في سورية والعراق، فليسوا جميعاً من أعضاء التيار السلفي الجهادي الأردني، فهنالك مجموعة ممن تعود خلفيتهم إلى جماعة الإخوان المسلمين، أو كانوا في مرحلة من المراحل أعضاءً فاعلين في الجماعة، وهنالك من ينتمون إلى خلفيات سلفية تقليدية”.
وأضاف: “من ضمن نتائج دراسة الحالات نجد تأثيراً مهماً ورئيساً لشبكة الأصدقاء، سواء كانوا في الجامعة أو الحيّ أو الجامع أو حتى النادي، ولدور عامل القرابة أيضاً تأثير ملحوظ، لم يعد الموضوع ضبط نشاطات هذه التيارات والأفكار في المساجد، بل أصبح الحيّ والنادي والمنازل والجامعة والعمل، كلّها أماكن متوقعة لعملية التأثير”.
وعرض الكتاب عدداً من المؤشرات البحثية المهمة من بينها “تزايد ملحوظ في نسبة انخراط النساء في هذا التيار، وتطوّر هذه المشاركة من مجرد أن تكون زوجة لأحد الأفراد المنتمين لهذا التيار، إلى مشاركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالتعبير عن الانتماء لهذا التيار والدعوة إليه، وعبر المشاركة في الإعداد اللوجستي للعمليات، ما انعكس على حضور المرأة الأردنية للمرة الأولى في قضايا أمن الدولة الخاصة بالإرهاب”.
وأضاف: “بصورة موازية، لكن أقل من حيث الكثافة والنوعية، يبرز موضوع الأحداث الصغار، كمشاركين في هذا التيار، وقد سبق وأشرنا أنّ التحول من الفردية إلى العائلية من الضروري أن ينعكس على الأبناء، كما نلاحظ في أدبيات وإعلام تنظيم داعش اهتماماً خاصاً بالأطفال والأحداث، عبر من يسميهم بأشبال الخلافة”.
وأشار إلى ما سماه “التواصلية في مسار التيار، فالعديد من الأفراد الذين تمّ اعتقالهم والحكم عليهم في قضايا محكمة أمن الدولة عادوا إلى العمل والنشاط خلال فترات لاحقة، وبعضهم تم الحكم عليه في أكثر من قضية متتالية، وآخرون شاركوا في أكثر من ساحة خارجية في القتال إلى جوار هذه الجماعات والتنظيمات”.
وكشف “ازدياد الظاهرة لدى المعلّمين، سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة، فهنالك نسبة تصل إلى 8.2 %، ولاحظنا أنّ العديد ممن قتلوا في سورية والعراق، أو اعتقلوا وتم الحكم عليهم هم من المعلمين، ما يستدعي الاهتمام بهذه الشريحة المهمة في عملية التربية والتعليم والتأثير على الأجيال القادمة”.
وفي نهاية الكتاب قدّم المؤلفان العديد من التوصيات المرتبطة بنتائج البحث في بناء استراتيجية مكافحة التطرف والإرهاب، ومنها “تغيير المقاربات الحالية لسياسات مكافحة التطرف والإرهاب، من التفكير فقط بالأفراد الذكور البالغين لتشمل النساء والأطفال”، مبينا أن “من الضروري أن ينعكس ذلك على الأساليب والخطاب والمؤسسات أيضا”.
وأوصى بالاهتمام بموضوع “تحدّي عائلات العائدين من الخارج، فمن الضروري أن يكون التفكير في النساء والأطفال، الذين كانوا في الخارج، واندمجوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع مجتمع هذه الجماعات وتلك الأفكار، ما يستدعي تخصيص جهد مؤسسي وثقافي ومجتمعي خاص بهذه الفئة، من أجل دراستها وتقديم تصوّر لكيفية التعامل معها، وإعادة إدماجها في المجتمع قدر الإمكان”.
ولفت إلى “تحدي العائدين من السجون الذي يعتبر أكثر أهمية وإلحاحاً، لأنّه مؤكّد ويمكن معاينته قريباً، فهنالك اليوم المئات من المحكومين على خلفية قضايا عديدة، منها قضايا الترويج ومحاولة الالتحاق وغيرها، ومن المتوقع أن ينهوا فترة محكوميتهم في مراكز الإصلاح والتأهيل خلال العامين القادمين 2020-2022، وأغلبية هؤلاء وضعوا في مهاجع مخصصة لأفراد هذه التنظيمات، ما يعني أنّهم على الأغلب طوّروا وجذّروا من انتمائهم وعلاقته بهذا التيار، وهو ما توضّحة التجربة التاريخية مع العديد من خرّيجي مراكز الإصلاح والتأهيل.
ودعا المؤلفان إلى “تقييم كامل لبرنامج الإرشاد والرعاية داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، ومأسسة الجهود في هذا المجال، وإشراك مؤسسات متعددة من الدولة والمجتمع المدني بهذا البرنامج الخاص بتأهيل لمرحلة السجن والتكيف لما بعد السجن، مثل إطلاق السراح المشروط، وتوفير بيئة أخرى مغايرة، ومراقبة السلوك من قبل مؤسسات مجتمع مدني متخصصة، وغيرها من أدوات ومقاربات لكن الأهم أن يتم تطوير الخطاب الموجّه لهم بصورة مدروسة وذكية”.