إسرائيل تفرض مناهجها في المدارس الفلسطينية، وتزيد خنقَ وملاحقَة فلسطينيي القدس
رصيف 22 – 10/10/2018
أظهر تقريرٌ حقوقيٌّ دولي صادرٌ في الثامن من أكتوبر الجاري تناولَ الانتهاكاتِ الإسرائيلية بحق السكان الفلسطينيين في مدينة القدس، شهر سبتمبر الماضي، أن إسرائيل لا تتوقف عن خنقهم وملاحقتهم عبر عملياتِ الاحتجاز والاعتقالات التعسفية ودهمِ وتفتيش منازلهم.
التقرير الذي أصدره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان -منظمة غير حكومية مقرُّها جنيف- أظهرَ كذلك أن الدولةَ العبريةَ تعاقب المصلين في المسجد الأقصى، وتمنعهم من الصلاة فيه، كما تعاقبهم بهدم منازلهم.
حمل التقرير عنوان “ممنوعون.. الإبعاد والتهجير والملاحقة التعسفية للفلسطينيين في القدس”، وأكد أنّ الانتهاكاتِ الإسرائيليةَ تضاعفت، سبتمبر الماضي بصورة كبيرة، تزامناً مع الاحتفال بالأعياد اليهودية “حيث يستنفر جنود الجيش الإسرائيلي في المسجد الأقصى ومحيطِه، وتزيد الاستفزازاتُ والانتهاكاتُ في مناطق العبادة في القدس، لا سيما في المسجد الأقصى والبلدة القديمة” بحسب التقرير.
كما تناولَ التقرير الذي جاء في 53 صفحةً في جزءٍ منه قضيةَ إخلاء قرية الخان الأحمر، التي برزت خلال سبتمبر الماضي وأدانتها الأمم المتحدة، واعتبرها التقرير مثالاً بارزاً على الانتهاكات التي تطال الفلسطينيين في القدس، حيث “لم يبقَ لهم حقٌّ بحرية دينية، ولا هم حتى آمنون على بيوتهم ومستقبلهم”.
فرض المناهج الإسرائيلية في المدارس الفلسطينية
اطلع رصيف22 على التقرير الذي أظهر أن الشهر الفائت شهد ما وصفه بأنه “سعيٌّ حثيثٌ” من قبل السلطات الإسرائيلية لفرض المناهج التعليمية الإسرائيلية في المدارس الفلسطينية، وتهيئة أجوائِها للتعامل مع قانون القومية اليهودي باعتباره جزءاً أساسياً من منظومة العمل في المحاكم.
ويمنح قانون “الدولة القومية” لليهود حصراً حقَّ تقرير المصير، ويعتبر أن إسرائيل هي “الوطن التاريخي للشعب اليهودي”. ويقول الكثيرون داخل إسرائيل وخارجها إن القانون يقود إلى الفصل العنصري، أو “الأبارتايد”.
كما جرّد القانون الذي أقرّه الكنيست في19 يوليو، اللغة العربية من مكانتها كلغةٍ رسمية في إسرائيل، واعتبار العبرية وحدها اللغةَ الرسمية بينما العربية مجرد لغة “ذات وضع خاص”.
وذكر الأورومتوسطي في تقريره أن إسرائيل تنتهج سياسةً تعسفية تجاه الفلسطينيين المتواجدين في المسجد الأقصى أثناء دخول مجموعات من المستوطنين، فمجردُ التواجد في ساحات المسجد في تلك الأوقات مدعاةٌ للاحتجاز، خصوصاً في منطقة باب الرحمة، حيث يتم توجيه تهمةِ “الإخلال بالنظام العام” لهم، وهي تهمةٌ يصفها التقرير بالواسعة والفضفاضة.
يوم 20 سبتمبر الماضي شنّت قواتٌ إسرائيلية اعتقالاتٍ بالجملة ضد الفلسطينيين الذين كانوا متواجدين في المسجد الأقصى، تزامناً مع الأعياد اليهودية.
ونقل التقرير شهادةً للمعتقَل “رامي الفاخوري”، الذي قال للمنظمة الدولية “ذهبت للصلاة في المسجد الأقصى يوم 20 سبتمبر، تزامناً مع عيدً لليهود، وأثناء تجولنا بدأ المستوطنون المقتحمون للمسجد بإثارة الشغب والصراخ واستفزاز المصلين في أكثر من مكان، ومع بدء المناوشات مع المصلين هناك، هجم رجال الشرطة والقوات الخاصة بشكلٍ همجي على كل الفلسطينيين الذين كانوا في المكان، بما في ذلك حراس الأوقاف والنساء”.
أكمل المواطن الفلسطيني “تم عرضي على المحكمة أنا وبعضُ موظفي الأوقاف، هناك طالبت الشرطة باعتقالنا مدة 3 أيام على ذمة التحقيق، غير أن المحامي الخاص بنا أكد عدمَ قانونية الاعتقال، حينها قررت المحكمة تمديد اعتقالنا حتى التاسعة مساءً، ومن ثمّ الإفراج عنا شرطَ الحبس المنزلي لمدة ثلاثة أيام مع الإبعاد عن البلدة القديمة، ودفع كفالةٍ مالية”.
تابع قائلاً “بعد ثلاثة أيام تم استدعاؤنا إلى محطة القشلة مرة أخرى، ومن ثمّ أصدر قرارٌ بإبعادنا عن المسجد الأقصى مدة أسبوع كامل. ونهاية الأسبوع استُدعينا مرة أخرى للمخابرات في القشلة، حيث سُلِّمتُ قراراً من قائد شرطة لواء القدس بإبعادي عن المسجد الأقصى مدةَ ستة أشهرٍ كاملة”.
دهم المنازل.. سياسة إسرائيلية ممنهجة
حول سياسة دهم المنازل للاعتقال، استعرض التقرير عشراتِ الحالات التي سجلها خلال شهر سبتمبر وتظهر أن دهمَ المنازل وتفتيشها بشكلٍ شبه يومي صار سياسةً إسرائيلية ممنهجة، يتمُّ أغلبها دون إظهارِ مذكراتٍ بالتفتيش أوالاعتقال أو تقديمِ سبب واضح لعملية التفتيش.
وعرض التقرير شهادةً لمواطن فلسطيني قال إنَّ جنوداً حضروا إلى بيته، وأخبروه أنهم يريدون إجراء تفتيشٍ لأمرٍ يتعلق بابنه القاصر، مضيفاً في شهادته “بدأ الجنودُ بالتفيش في البيت بشكلٍ همجي حيث قلبوه رأساً على عقب، وعندما سألتهم لماذا تفعلون ذلك، لم يجيبوا، ثم خرجوا من بيتي بعد تحويله إلى دمار وخراب”.
بعد أسبوعٍ، استدعت المخابرات الاسرائيلية الابنَ القاصر وسلَّمته قراراً صادراً عن قائد شرطة لواء القدس يقضي بإبعاده عن المسجد الأقصى مدة 3 أشهر.
كما شهد شهر سبتمبر وفقاً للتقرير حالاتٍ عديدةً من استخدام القوة والعنف والاعتداء بالضرب على فلسطينيين في مدينة القدس، منها ما تم بواسطة رجال الشرطة الإسرائيلية أو الجنود والقوات الخاصة، ومنها ما تم على أيدي مستوطنين.
فيما يتعلق بانتهاكات المستوطنين الإسرائيليين، أوضح التقريرُ أنَّ خطورةَ تلك الممارسات غيرَ القانونية للمستوطنين تجاهَ الفلسطينيين تتمثل في أمرين، أنها تتم غالباً بحراسة القوات الأمنيةِ الإسرائيلية وعلى مرأى منها، وفي معظم الأحيان لا تخضعُ للمحاسبة والمساءلة القانونية.
على سبيل المثال اعتدت مجموعةٌ من المستوطنين يوم 26 سبتمبر على ثلاثة شبان فلسطينيين في أحد متنزهات القطمون في القدس. وقال أحدهم في شهادته إن المستوطنين ضربوه ورفاقه بالحجارة والعصي الكهربائية، حيث كانوا يبحثون في المتنزه عن العرب، وعندما شاهدوهم هجموا عليهم، ثم حضرت الشرطة إلى المكان، غير أن المستوطنين قد هربوا.
وشهد شهر سبتمبر أيضاً ارتفاعاً كبيراً في عدد حالات دخول المستوطنين في مجموعاتٍ كبيرة إلى ساحات المسجد الأقصى تحت حراسةِ قوات الشرطة الإسرائيلية، وعادة ما تكون هذه الاقتحامات سبباً رئيساً للتوتر بين الفلسطينيين وبين قوات الشرطة والمستوطنين.
وكانت منظماتٌ إسرائيلية قد وجهت نداءاتٍ متعددةً للمستوطنين للمشاركة الواسعة في اقتحام المسجد الأقصى تزامناً مع أعياد ومناسباتٍ يهودية متعددة خلال الشهر.
سياسة تعسفية قاسية تجاه الفلسطينيين
تقول المنظمة في تقريرها إن السلطات الإسرائيلية تمارس سياسةً تعسفيةً قاسية تجاه الفلسطينيين في القدس فيما يخصُّ بيوتهم ومساكنهم، ساعيةً إلى تهجيرهم في صورة تكتنز العديدَ من انتهاكاتِ حقوق الإنسان الأساسية.
وطالب تقرير الأورومتوسطي السلطاتِ الإسرائيليةَ بمنع المستوطنين اليهود من مواصلة الممارسات غير القانونية تجاه الفلسطينيين، والعمل على حمايتهم كغيرهم من السكان ومحاكمة من يعتدي عليهم.
كما طالبَ بإلزام بلديةِ القدس بإصدار مخطط بناء واضح لمناطق القدس بما يسمح للفلسطينيين البناء بحرية وفق متطلبات التنظيم الهندسي وليس الاستيطان، فضلًا عن إجراء التحقيقات اللازمة في حوادث الاعتداء على الفلسطينيين في مدينة القدس، والاتهامات الكاذبة بحقهم، وتعويض الذين تعرضوا لإجراءات تعسفية، ومحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات.
أيضاً طالب التقرير المجتمعَ الدولي بضرورة الضغط على السلطات الإسرائيلية لوقف انتهاكاتها في القدس المحتلة وتحذيرها من مغبة استمرار انتهاكات الحريات الدينية في المدينة المقدسة وسياسات هدم المنازل، مطالبًا بالعمل عبر اجتماع للدول الأعضاء في اتفاقيات جنيف على كفالة احترام سلطات الاحتلال الإسرائيلي لها، بما في ذلك الامتناع عن التهجير القسري والاعتقال التعسفي واحترام الحريات الدينية ووقف التعديات على المسجد الأقصى.