إسرائيل اليوم: هل يدير احد ما هذه الحرب؟
إسرائيل اليوم 10/11/2024، ايال زيسر: هل يدير احد ما هذه الحرب؟
إقالة وزير الدفاع يوآف غالنت وتعيين الوزير إسرائيل كاتس عديم التجربة كبديل له تم كما يخيل لكل الأسباب غير الصحيحة أي لاعتبارات شخصية وحزبية قصيرة الأمد. من هنا تخوف الكثيرين من التداعيات التي يمكن أن تكون لها على حصانة المجتمع الإسرائيلي وعلى الجيش الإسرائيلي أيضا.
لكن حتى أولئك الذين يبكون رحيل غالنت خوفا من الا يكون الان من يدير حرب الوجود التي تعيشها إسرائيل، يعترفون في داخل قلوبهم بان حتى تحت غالنت لم تكن إسرائيل هي التي تدير الحرب، بل الحرب هي التي كانت تديرها. وبكلمات أخرى، تفتقد إسرائيل ولا تزال تفتقد استراتيجية وبالاساس خطة عمل واضحة لادارة الحرب، وبغياب هذا نجد انفسنا نتدحرج من حدث الى حدث، من عملية الى عملية ومن حملة واحدة الى أخرى، الامر الذي يؤدي الى استمرار الحرب ويجعل من الصعب تحقيق أهدافها.
الحقيقة هي أنه في اثناء السنة الأخيرة وصلنا الى إنجازات تاريخية فيها ما يعيد رسم خريطة المنطقة كلها وبالتأكيد خريطة المجال المحيط بنا. من نقطة درك اسفل، قد تكون هي الأسفل في تاريخنا، نجحنا في الانتعاش، ضرب العدو وإزالة السيف الذي وضعه على رقابنا. منظمات الإرهاب لا تزال تقاتلنا في غزة وفي لبنان، لكن التهديد الوجودي لذاك الطوق الناري من الصواريخ الذي احاطتنا به ايران – هذا التهديد ازيل.
هذه انتصارات في المعركة، ان لم تكن بعد في الحرب، يجب ان نعيدها الى جسارة الروح والبطولة التي ابداها جنود الجيش الإسرائيلي وقادته والى جانب ذلك أيضا الى الحصانة والوحدة للمجتمع الإسرائيلي.
في نفس الوقت ينبغي الاعتراف بأسى بان هذه الانتصارات تحققت ليس بسبب بل رغم الشكل الذي ادارت به، والادق الذي لم تدر به، قيادتنا السياسية والعسكريا العليا الحرب. يخيل أيضا ان هذه الانتصارات كانت نتيجة جملة نجاحات تكتيكية لكن ليس خطوات بنيوية في خطة عمل مرتبة من خلفها رؤية استراتيجية شاملة.
هذه نتيجة محتمة لواقع يمتنع فيه المستوى السياسي من اتخاذ القرارات ويخيل انه يفتقر أيضا الى الخيال، التفكير الإبداعي والجرأة وليس الى جانبه أجهزة اتخاذ قرارات وبلورة سياسة تساعده على ملء النقص. بغياب هذا فانه يترك لقادة الجيش إدارة الحرب، غير أن هؤلاء غارقون الى فوق الرأس لادارة المعارك في الميدان وليس لهم على أي حال القدرة والأدوات – ولا التفويض – لان يقرروا اهداف الحرب او لترجمتها الى خطة عمل للتنفيذ.
ان غياب الثقة بين المنظومة العسكرية وتلك السياسية، أي حقيقة أن رئيس الوزراء لا يروي للجيش ما هي أهدافه الحقيقية والى اين وجهته ولا يتبقى لهؤلاء التخمين ما هي ارادته، فانها هي أيضا تساهم في واقع تكون فيه الحرب لا تدار حقا من فوق والاحداث في الميدان هي التي تملي علينا طريقنا. هكذا دار القتال في غزة التي تدحرجنا فيه من حملة عسكرية واحدة الى أخرى، من شمال القطاع انتقالا الى مدينة غزة وحين رأينا بانه جيد، واصلنا نتدحرج أيضا الى خانيونس وأخيرا وصلنا الى رفح. كل هذا ليس كمراحل في خطة شاملة بل كخطوات متقطعة كل واحدة تقف بحد ذاتها.
النتيجة هي اننا ضربنا حماس، لكن الطريق الى هزيمتها طويلة ونهاية الحرب لا تبدو في الأفق. في لبنان أيضا دسنا في الوحل نحو سنة وعندها جاء القتل الجماعي للأطفال في مجدل شمس وبعده، هكذا حسب تقارير الاعلام – حاجة عملياتية لتفجير أجهزة الاشعار قبل ان يكشفها العدو، أدى الى تصعيد غير مخطط له. هنا أيضا جررنا من نجاح عملياتي واحد الى آخر، ولكن في السطر الأخير وبغياب رؤية استراتيجية شاملة، علقنا في حرب استنزاف متواصلة دون حسم ضد حزب الله.
ان إدارة الحرب هي موضوع للمستوى السياسي لينشغل به، ومن الخطأ تركه في يد الجيش الذي من مهمته أن يقاتل ويدير المعارك ضد العدو. غير أن الحكومة تمتنع عن وضع السياسة، عن اتخاذ القرارات وباختصار تمتنع عن إدارة الحرب.
اقالة غالنت هي لحظة أليمة للكثيرين لكن سيؤلمنا اكثر اذا ما واصلت الحكومة الهرب من مسؤوليتها عن إدارة الحرب واذا ما واصلنا السماح للاحداث في الميدان بادارتنا، مثلما حصل حتى اليوم.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook