إسرائيل اليوم: هكذا أصبحت وثائق سرية سلاحا سياسيا
إسرائيل اليوم 3/11/2024، يوآف ليمور: هكذا أصبحت وثائق سرية سلاحا سياسيا
قضية تسريب الوثائق السرية لوسائل اعلام اجنبية هي من أخطر القضايا التي شهدتها إسرائيل. واضرارها ليست فقط أمنية صرفة: يثور منها الاشتباه في أن مكتب رئيس الوزراء عمل على احباط صفقة مخطوفين بخلاف اهداف الحرب، كما أنها تدل على طرق عمل مرفوضة لمكتب رئيس الوزراء يشتبه حتى ببعضها بانها جنائية بما في ذلك إمكانية ان يكون مشاركا في القضية مسؤولون كبار لم يحقق معهم بعد. القضية، التي يحقق فيها الشباك، بدأت في أعقاب تسريب وثيقة سرية لصحيفة “بيلد” الألمانية اليومية وفيها تعليمات مزعومة من قيادة حماس لكيفية إدارة المفاوضات في قضية المخطوفين. وكان لتسريب الوثيقة هدفان اساسيان: الأول، عرض قيادة الجيش الإسرائيلي وجهاز الامن كمن تخفي عن نتنياهو ورجاله المعلومات بمعنى كمن يتآمرون على رئيس الوزراء؛ الثاني، خلق انطباع بان ليس لحماس أي مصلحة بالصفقة، والادعاء بان نتنياهو هو الذي يحبط الصفقة عديم كل أساس.
منذ يوم النشر تبين أن الوثيقة اجتازت تلاعبات، شوه مضمونها عن قصد، واساسا لا يدور الحديث عن سياسة رسمية بل عن ورقة عمل كتبها مستوى صغير – متوسط في حماس. في الجيش الإسرائيلي قلقوا جدا من التسريب، الذي اضيف الى نشر سابق في المجلة البريطانية اليهودية ” جويش كرونيكل” بان حماس من شأنها ان تهرب مخطوفين في محور فيلادلفيا فقرروا التحقيق في مصادر التسريب.
نقل التحقيق الى الشباك، الذي نجح في حل اللغز بسرعة. قاد التحقيق الى مستشار في مكتب نتنياهو، استخدم جهات مختلفة في الجيش كي يحصل منها على المعلومات. هذه المعلومات وزعت حسب الاشتباه بشكل متلاعب على صحافيين مختلفين في البلاد وفي العالم لاجل تحقيق مصالح نتنياهو، وكجزء من حملة عميقة تستهدف المس بخصوم، بمن فيهم من قادة جهاز الامن.
يدور الحديث عن شبهات خطيرة وغير مسبوقة. أولا، بان اخراج وثائق سرية من الجيش هو مخالفة جنائية حكمها السجن الطويل. ثانيا، لانه حسب الاشتباه عمل مكتب رئيس الوزراء عمليا بالتجسس في داخل جهاز الامن، في زمن الحرب. ثالثا، لان توزيع الوثائق على جهات غير مسموح لها ان تتلقاهها هو مخالفة جنائية أخرى. رابعا، لان لحكومة حددت تحرير المخطوفين كهدف أساس للحرب، والمنشورات التي استندت الى الوثائق (والتي كما يذكر أجريت عليها تلاعبات) استهدفت التخريب على إمكانية الوصول الى صفقة – أي كانت تتعارض وقرار الحكومة.
اشتباه باخفاء مواد
في محيط بنيامين نتنياهو بذلوا في الأيام الأخيرة جهودا واضحة للابتعاد عن القضية. في اطار ذلك، طرح ادعاءات أساسيا: الأول، بان المستشار الذي اعتقل لا يعمل في مكتب رئيس الوزراء. الثاني، بان كل العالم يسرب (واساسا جهاز الامن) ورئيس الوزراء هو الذي يطالب باستمرار بتحقيق آلة الكذب لكشف المسربين.
الادعاءان اشكاليان، على اقل تقدير. فالمستشار كان جزءً من مكتب نتنياهو، جاء معه الى جولات في جهاز الامن وتحدث باسمه باستمرار مع صحافيين كثيرين (بمن فيهم الموقع ادناه). وهذا، رغم أنه فشل في الفحص الأمني ولم يتلقَ تصنيفا امنيا. بمعنى انه واصل التعرف على اشخاص ومعلومات في المكتب السري في الدولة فيما كان واضحا انه يشكل خطرا. التحقيق سيظهر بالتأكيد مع من في المكتب اشرك المعلومات التي عرضها في الجيش الإسرائيلي. الصحافي ميخائيل شيمش نشر أن تساحي بريفرمن ويونتان اوريخ، المقربين من نتنياهو تشاورا مع المحامي عميت حداد.
بالنسبة للتسريبات، لنتنياهو توجد عادة طويلة من التسريب، منذ الفترة التي كان فيها رئيس المعارضة في منتصف التسعينيات. كان بوسعه أن يأمر الشباك بالتحقيق فيها (والبدء برجال مكتبه)، وان كان التحقيق كان سيصطدم بمشكلة منذ بدايته: فهو لا يسمح بالفحص بالة الكذب لمن زرع في جسده منظم دقات قلب. أي ان نتنياهو نفسه كان معفيا منه.
فضلا عن هذا، في الأشهر الأخيرة طرحت ضد نتنياهو ومكتبه ادعاءات خطيرة، بما في ذلك من جانب اللواء آفي غيل الذي كان سكرتيره العسكري، حول اشتباه باختفاء مواد وتغيير محاضر المداولات والقرارات. اذا كان هذا ما تم بالفعل، فهذه مخالفات جنائية تستوجب التحقيق، ليس واضحا اذا كان بدأ. والمحول بإدارة مثل هذا التحقيق هو الشباك، الذي يتعرض رئيسه رونين بار لهجوم دائم من نتنياهو وابواقه في وسائل الاعلام، مما يمكن فهم دوافعهم الان. في التحقيق في القضية الحالية، اثبت بار بانه لا يخشى من أن يهز أيضا الفروع الأعلى لكن عليه أن يطالب – الى جانب رئيس الاركان والمستشارة القانونية للحكومة ان يتم استيضاح الشبهات حتى منتهاها.
التلاعب بالرأي العام
تتيح هذه القضية أيضا الاطلال على الطريقة التي يعمل فيها بنيامين نتنياهو. التوزيع المنهاجي وغير المسؤول للوثائق والمعلومات، أحيانا جزئية أو زائفة، لاجل التلاعب بالراي العام في البلاد وفي العالم كجزء من حملات التأثير على الوعي والتأثير الذكي والشرير. مثال جيد على ذلك كانت احبولة محور فيلادلفيا والادعاء “الكاذب” بانه سيتم عبره تهريب مخطوفين، ذاك الادعاء الذي استخدم أيضا لعرقلة الصفقة. كل هذا تم في اثناء حرب متعددة الجبهات، فيما تستعد إسرائيل (مرة أخرى) لهجوم إيراني وتناور في لبنان وفي غزة – بما في ذلك مصابين آخرين في نهاية الأسبوع الماضي. بدلا من أن يكون الراشد المسؤول، يتبين محيط نتنياهو مرة أخرى كمن يعنى بالنبش وكمن لا يتردد (حسب الاشتباه) في سرقة وثائق سرية وتوزيعها في التشهير بالخصوم وفي احباط تحرير المخطوفين لاجل خدمة اهداف سياسية. هذا استمرار مباشر لهروب نتنياهو من الاعتراف بمسؤوليته عن قصور 7 أكتوبر وامتناعه عن إقامة لجنة تحقيق رسمية، وخطوات مختلفة يقودها – وعلى رأسها قانون التملص من التجنيد – والتي تدل على ان إسرائيل وامنها لا يوجدان امام ناظريه بل استمرار حكمه.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook