إسرائيل اليوم: نصر أشبه بالهزيمة
إسرائيل اليوم 2023-07-28، بقلم: يوآف ليمور: نصر أشبه بالهزيمة
سمعت بعض النواب في اليمين، أول من أمس، يدعون الى حل وسط. فقد شرحوا يقولون إن «التاسع من آب يجب أن يمنع شرخاً في الشعب مرة أخرى». سمعت، وابتسمت بحزن. كم ينبغي للمرء أن يكون منقطعا عن الواقع كي يقترح مصالحة بعد ثلاثة أيام من تمزيقه الشعب والدولة بكلتا يديه؟
كم متبلّد الإحساس ينبغي لك أن تكون كي لا تفهم بأنه بالنسبة لنصف الشعب استبق التاسع من آب هذه السنة موعده. كم من العمى ينبغي لك ان تكون عليه كي لا ترى الضرر الذي سبق أن الحقته. كم منقطعاً عن التاريخ ينبغي لك ان تكون كي لا تعرف بأنه في الزمن الذي تحزن فيه وتصوم على خراب البيتين، فإنك تهدم بكلتا يديك هذا البيت.
نعم، ينبغي للامور أن تقال باضعاف في هذا اليوم. بالنسبة لنصف الشعب، تصدّع البيت. توجد دلائل على ذلك في كل زاوية: في الأمن القومي والشخصي الذي تآكل، وفي الاقتصاد الذي تحطم، وفي استثمارات التكنولوجيا العليا التي تبتعد، وفي العقول الجيدة التي تترك، وأساسا في الفهم بأن ما كان مسلّماً به – دولة واحدة، شعب واحد، في الخير وفي الشر – بات موضع شك اليوم من ناحية الحكومة. لم نعد «نحن» بل «هم ونحن» أو من هم «منا» ومن لا.
كم مزدوجاً وشعبوياً اطلاق اليد للمصالحة في مثل هذا اليوم. اين كنتم سبعة اشهر حين خرج مئات الآلاف الى الشوارع، في الشمس وفي المطر، واستجدوكم ان تتوقفوا، ان تتحدثوا، ان تنصتوا؟ اين كنتم حين حذروكم من كل زاوية في البلاد وفي العالم من نتائج هذه الخطوات؟ اين كنتم حين طلب رئيس الأركان اللقاء برئيس الوزراء، ورُد، وحين استجدى رئيس الولايات المتحدة، وحين حذر محافظ بنك إسرائيل ومديرو البنوك، وكل من يفهم بأن الدولة تتفكك واننا كلنا نسير نحو الضياع؟
ليس فقط هكذا تصرفتم، فعلتم هذا بفظاظة. بينما السرور يغطي وجوهكم بإحساس من الانتقام العبثي. الطيارون بعثتم بهم الى السجن. وطلبتم ان تسحب منهم التقاعدات والنياشين. اليساريون بعثتم بهم الى المعسكرات. والمحتجون أسميتموهم فوضويين واتهمتموهم بخيانة الوطن.
تعالوا نجري ترتيبا من هم أولئك الناس الذين خرجتم ضدهم. ملح البلاد، هم. الجمهور، المنتِج، الخادم، دافع الضرائب. أولئك الذين هم الفجوة التي بيننا وبين اعدائنا، واحيانا بيننا وبين كل العالم في الامن وفي الاقتصاد، في الطب وفي التعليم، في جوائز نوبل وفي الاولمبياد. هم الحمار الذي على ظهره تحمل الدولة من يوم قيامها. على مدى السنين نالت مساهمتهم التقدير، لكن هذا انتهى منذ زمن بعيد. دعكم، قالوا. لا حاجة ليقولوا لنا شكراً، لكن على الأقل فلنحيَ بكرامة. الآن، تحت الحكومة الحالية، حتى الكرامة أخذوها منهم.
هذا عالم مقلوب: أولئك الذين يعطون الأكثر، هم اكثر من يتعرضون للاعتداء. يهاجمونهم متهمين إياهم بكل مشاكل الدولة. هم المذنبون بتدمير القيمة المجنونة التي وقعت لإسرائيل هذه السنة في كل مجال. هم وليس الحكومة التي تدمر هنا كل قطعة طيبة. من نور للأغيار أصبحنا ظلاماً لانفسنا. من مكان طلب فيه كل العالم أن يحتذي بنا، الى مكان يبتعد العالم فيه عنا كما يبتعد عن المنبوذ. وكل هذا عبثاً، لأنه يمكن، بالقوة، بالتسيد، مع نظرة سرور في صورة السيلفي التي التقطت بعد لحظة من «النصر».
اليوم، التاسع من آب، هم يفهمون أي نصر كان هذا وهو اشبه بالهزيمة. فهم لم ينتصروا على النصف الثاني من الشعب، بل على أنفسهم ولهذا فهم يستجدون المصالحة – التي كانت في متناول أيديهم، الاثنين الماضي، ولكنهم رفضوها باحتقار. مطلوب ان يجرى لهم الامر ذاته. ارسالهم الى طريقهم مع تمنيات النجاح.
لكن هذا ليس الطريق. ليس بسببهم، هم لا يستحقون. بسببنا، او لمزيد من الدقة: من أجلنا. إذ ان هذا هو البيت، وعن البيت لا يتنازل المرء. من اجلنا، وفقط من اجلنا، يجب إيجاد حل. والا فإن من شأننا ان نحد عليه أيضاً حزناً في المستقبل.