إسرائيل اليوم: نحو حرب لبنان الثالثة
إسرائيل اليوم 9/11/2025، ايال زيسر: نحو حرب لبنان الثالثة
قبل سنة بالضبط انتهت المواجهة في الحدود الشمالية مع حزب الله بما كان يبدو كضربة قاضية واضحة. فقد ضرب حزب الله وفقد زعماءه وقادته الكبار، وعلى رأسهم حسن نصرالله وكذا الكثير من قدراته العسكرية، وبدا بانه لن تكون له قائمة. في لبنان انتخب رئيس وقامت حكومة أعلنت عن التزامها بنزع سلاح المنظمة. ولم يتبقَ للإدارة الامريكية، المتفائلة والمنقطعة عن الواقع كما هي دوما الا الوعد بان يكون تحقيق اتفاق سلام إسرائيلي – لبناني مسألة وقت.
لكن في الحروب بين إسرائيل والعرب لا توجد انتصارات مطلقة او حسم تام. نحن نهزم جيوش العدو، كي نكتشف فقط بعد بضعة أيام من اعلان وقف النار بانه لا يزال حيا يرزق. هكذا كان بعد الانتصارات الكبرى في حرب الاستقلال وحملة السويس وكذا في الأيام الستة، حين استأنف المصريون والسوريون النار بعد بضعة أيام من هزيمتهم.
في الحرب الحالية يكرر التاريخ نفسه. هكذا حيال ايران الآخذة في إعادة بناء قدرتها واستعدادها للجولة التالية، وهكذا حيال حماس التي بقيت مسيطرة بلا منازع على القطاع. لكن يخيل ان لبنان هو حالة مميزة لتفويت فرصة كبرى. فعلى إسرائيل لم يمارس أي ضغط للكف عن ضرب حزب الله، ونحن بمبادرتنا ساهمنا في اتفاق مثقب ومهزوز عرف الجميع بانه لا يوجد أي احتمال بان يلتزم حزب الله بشروطه. عرفنا، ورغم ذلك وافقنا، على أمل أن يقرر حزب الله – التنظيم الشيعي الراديكالي الذي يعد الصراع ضد إسرائيل خلاصة جوهره ووجوده – ان يتصرف كولد طيب وينزع سلاحه. وبالطبع أملنا أن تستخدم الدولة اللبنانية – التي وصفها عن حق المبعوث الأمريكي توم براك قبل أسبوع فقط كدولة فاشلة ولا تؤدي مهامها – تستخدم جيشها ضد حزب الله، الأقوى والأكثر تصميما بعشرات الاضعاف من الجيش اللبناني.
وهكذا، بعد سنة من النصر العظيم في لبنان، يتبين ان شيئا لم يحصل وان إنجازات الحرب آخذة في التآكل. صحيح ان حزب الله يحافظ على نار هادئة ويمتنع عن العمل ضد إسرائيل، او حتى أن يرد على هجماتها، لكنه يفعل هذا ليس لانه اصبح “محبا لصهيون”، بل انطلاقا من تفكر بارد وواعٍ بالضبط مثل حماس، بان هذا هو الوقت لخفض الرأس الى أن يمر الغضب وانتظار الساعة المناسبة التي لا بد ستأتي. وفي هذه الاثناء يعيد التنظيم بناء قوته، يحافظ على التأييد له في أوساط الطائفة الشيعية في لبنان بل حتى وجد مسارات تهريب للسلاح من ايران بدل تلك التي فقدها مع سقوط نظام بشار الأسد.
أمام هذا الواقع تقف إسرائيل مكتوفة الايدي ويخيل أنه يوجد لدينا من هم مشتاقون للايام البهيجة للحرب ما بين الحروب، والتي في اثنائها نفذنا عدد لا يحصى من العمليات الناجحة التي لم تنتهي ولم تتلخص في أي تغيير حقيقي للواقع. صحيح ان إسرائيل تتباهى باليد الحرة التي تتمتع بها في لبنان، وبالضربات التي تلقيها على مخربين صغار من حزب الله، لكن يخيل أن هذه الاعمال موجهة للرأي العام ولوسائل الاعلام اكثر مما تستهدف المس بحزب الله بشكل أليم وقاسٍ. فهل يعتقد أحد ما حقا بان حزب الله الذي يوجد تحت تصرفه عشرات الاف المسلحين، سيرفع الايدي لأننا صفينا 300 من رجاله في السنة الأخيرة؟
حزب الله يقف في الظل، ومرة أخرى لم نعد نسمع تهديدات وتبجحات عن قدرات التنظيم والتي قضت في الماضي مضاجع أصحاب القرار في إسرائيل. التنظيم يتحدث أقل، ويتحدث بضعف، لكنه لا يزال يوضح بشكل قاطع بانه لا يعتزم تسليم سلاحه، وان “المقاومة” هي خياره الاستراتيجي.
يحسب حزب الله خطواته في مدى زمن السنين، وعليه من ناحيته فان الهدوء المخادع في حدود الشمال يمكن أن يتواصل لزمن طويل. لكن السؤال هو ليس اذا كان التنظيم سيستأنف اعماله ضدنا بل متى.
جدير ومرغوب فيه أن تعمل إسرائيل بتصميم اكبر لإحباط التهديد المتشكل من الشمال واذا كانت لا تفعل ذلك – فعلى الأقل فلتتابع بسع عيون حزب الله كي لا نتفاجأ مرة أخرى. فالعد التنازلي نحو مواجهة متجددة في حدود لبنان بدأ منذ الان.



