إسرائيل اليوم: من يخاف من عزلة سياسية

إسرائيل اليوم – ايال زيسر – 28/9/2025 من يخاف من عزلة سياسية
في 13 كانون الأول 1949 أعلن رئيس الوزراء دافيد بن غوريون عن القدس كـ “عاصمة دولة إسرائيل” وأمر بان تنقل اليها مؤسسات الحكم، التي اتخذت من تل أبيب مقرا لها حتى ذلك الحين. في مشروع التقسيم في تشرين الثاني 1947 لم تدرج القدس في أراضي الدولة اليهودية، وفي اثناء حرب الاستقلال وبعدها طرحت في العالم اقتراحات لوضعها تحت سيطرة دولية، بل حتى تسليمها الى الأردن. وكانت إسرائيل ثبتت عمليا عاصمتها في تل أبيب وفيها وفي محيطها أقر وعمل الرئيس الحكومة، الكنيست والمؤسسات الأخرى للدولة.
لقد جاء اعلان بن غوريون (وكيف لا؟) حين انعقدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك للبحث في قضية الشرق الأوسطـ، هذا على خلفية صراع سياسي عنيد خاضته إسرائيل بهدف الحفاظ على إنجازات حرب الاستقلال في وجه معظم دول العالم، وعمليا كلها، التي طالبتها بتنازلات إقليمية بل بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى أراضيها، كالسبيل الوحيد، بزعمها، لتحقيق السلام بين إسرائيل والعرب.
لكن بن غوريون لم يتنازل، وقرر نقل العاصمة الى القدس. وكما كان متوقعا، ضج العالم وعصف، شجب بحدة إسرائيل وهدد بخطوات رد. وكانت على رأس المنددين، كالمعتاد، دول أوروبا، والى جانبها وقفت أيضا الولايات المتحدة التي كانت علاقاتها مع إسرائيل في تلك السنين باردة بل ومعادية. لكن الامر حسم، والقدس أصبحت العاصمة. في داخل إسرائيل أيضا عارض الكثيرون قرار نقل العاصمة الى القدس، بل ان وزير الخارجة موشيه شاريت رفع الى بن غوريون استقالته – مشكوك أن يكون هذا كاحتجاج على الخطوة، التي عارضها بشدة خشية أن توقع كارثة على إسرائيل، ومشكوك أيضا لانه لم يتوقع، على حد قوله، التسونامي السياسي الذي غمرنا.
اليوم أيضا يحذروننا من أن إسرائيل توجد على شفا عزلة سياسية، تعبيرها الأبرز – اعتراف بريطانيا، فرنسا ودول غربية أخرى لدولة فلسطينية. غير أن هذه التحذيرات ينبغي أن نأخذها بضمانة محدودة. أولا، معظم دول العالم – 147 من اصل 193 عضو في الأمم المتحدة – تعترف منذ سنين بالدولة الفلسطينية. وهذه، كما هو معروف، لم تقم وعلى ما يبدو لن تقوم في الزمن القريب القادم. ثانيا، دولة فلسطينية لم تقم ليس فقط لان إسرائيل تبقي في ايديها سيطرة كاملة على الأرض بل أيضا بسبب الفشل المتواصل للسلطة الفلسطينية في أن تقيم مؤسسات حكم فاعلة، وبالطبع، بسبب الظل المهدد لحماس، الكفيلة بان تسيطر على كل أرض تعطى للفلسطينيين.
في 1955، على خلفية صراع عنيد خاضته إسرائيل في حينه ضد موجات الإرهاب التي اجتاحتها وفي ضوء الدعوة للتجلد خشية النقد الدولي، قال بن غوريون: “جرأة اليهود وحدها اقامت الدولة. وليس قرار “الأمم المتحدة القفراء”… مستقبلنا ليس معلقا بما يقوله الاغيار، بل بما يفعله اليهود”. ومع ذلك، كان بن غوريون على وعي بقيود وحدود القوة. والدليل – الى حملة السويس انطلق في أكتوبر 1956، فقط بعد أن ضمن دعم فرنسا، التي كانت في حينه القوة العظمى الوحيدة التي دعمتنا ومنحت إسرائيل في زمن ما مظلة سياسية ومساعدة عسكرية.
ولا يزال، الدرس التاريخي واضح. دولة مثل إسرائيل، تتصدى لتحديات امنية وجودية في ساحة إقليمية ودولية مركبة ومهددة، لا يمكنها أن تحسب خطاها فقط وفقا لرد فعل العالم.
ان قرار بضع دول في اوروبا والعالم الاعتراف بدولة فلسطينية ينطوي على اعتبارات سياسية لارضاء اليسار الراديكالي وجاليات المهاجرين المسلمين، يفتقر لكل أهمية ومعنى، ومصيره أن يغرق في موجات التاريخ. مع ذلك، من المهم أن تعرف إسرائيل ماذا تريد وتستطيع تحقيقه، على ماذا تقاتل وأين تبدي مرونة. مع كل الاحترام لغزة هي ليست القدس. وسبق لمناحيم بيغن ان قال: “ينبغي ان نتعلم من متسادا كيف لا نصل اليها، ومن موديعين كيف نصنعها”.
وعليه، فما ينبغي ان يكون امام ناظرينا هو مسألة كيف نحافظ على الوحدة والتماسك في داخل المجتمع والدولة في إسرائيل، وكيف وحول ماذا نبلور توافقات قومية واسعة.