ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم: مفارقة تاريخية: تصوروا عالما بلا نووي ايراني

إسرائيل اليوم 22/8/2024، عوديد عيلام: مفارقة تاريخية: تصوروا عالما بلا نووي ايراني

صباح شتوي ما في العام 2011، في مكتب سري ومحصن جيدا، اجتمعت مجموعة شديدة العظمة من قمة جهاز الامن الإسرائيلي. كانت هذه تضم غابي اشكنازي، رئيس اركان متقاعد؛ مئير دغان، الذي كان اعتزل لتوه من منصبه كرئيس الموساد؛ ويوفال ديسكن، رئيس الشباك، الذي هو الاخر كان اعتزل لتوه. هؤلاء الأشخاص الذين على اكتافهم وقع وزن أمن الدولة، شعروا بانهم مكلفون بمهمة استثنائية – انقاذ الشعب من قرار “خطير ومجنون” تبلور في مكتبي رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع باراك.

هذان، برأيهم، اتخذا خط تفكير خطير. نتنياهو وباراك، اثنان ممن اراؤهما المختلفة حول جملة مواضيع شكلت مرات عديدة مصدرا لتوتر سياسي، وجدا هذه المرة لغة مشتركة في شكل الحاجة لهجوم جوي على منشآت النووي الإيرانية. “الطريق الوحيد لضمان مستقبلنا هو أن نضرب الان، بلا تردد، ادعى الاثنان بتصميم. لكن الامنيون الثلاثة رأوا الأمور بشكل مختلف. بالنسبة لهم، كانت الخطة مثابة لعب بالنار يمكنه أن يشعل نارا إقليمية لن يكون ممكنا اطفاؤها. فقد شعروا بان هذه الخطوة تشبه شخصا يستيقظ من نومه في منتصف الليل ويقرر الركض واجتياز طريق سريع – لعله يصل الى مكان مبتغاه، لكن يحتمل أيضا أن ينتهي تحت عجلات السيارات.

فقد آمنوا بكل قلوبهم بان الحل الصحيح يكمن في خلق عقوبات دولية حادة على ايران واستخدام قوات سرية لاجل التخريب على المنظومات الإيرانية من الداخل، لا في عملية عسكرية علنية وخطيرة. وبخاصة اعتقدوا بان إسرائيل لا يمكنها أن تسمح لنفسها بان تخرج الى مثل هذه الحملة دون اسناد امريكي واضح. ولاجل منع الخطوة دغان ويسكن، اللذان لم يعودا مكبلين لمنصبيهما الرسميين، قررا العمل بطرائقهما: دغان سرب الخطة للامريكيين، بل وحتى اجرى مقابلة مع “صحيفة نيويورك تايمز” ليتأكد من ان العالم كله يفهم الخطر الذي في هذه الخطوة.

إدارة أوباما قلقة – وسارعت لان تصدر بطاقة حمراء لإسرائيل. في ذاك الوقت كانت تسعى الى اتفاق نووي مع ايران، الذي وقع بعد نحو اربع سنوات، في تموز 2015. لم يتضمن الاتفاق عدم تسلح ايران بأسلحة باليستية ولم يلمس على الاطلاق الطوق الناري حول إسرائيل، الذي نشعر بحريقه اليوم. الخطوة في حينه قضت على العملية الإسرائيلية. 

تبقت مسألة كبرى ومعقدة: هل كان خطأ منع الهجوم؟ في نظرة الى الوراء واضح ان الإيرانيين لم يتوقفوا للحظة. العكس هو الصحيح، واصلوا تطوير برنامجهم النووي وإسرائيل وجدت نفسها مع عدو مسلح وخطير أكثر. لو كنا عملنا في حينه حيال ايران ضعيفة نسبيا وحيال الذراع الطويل لحزب الله والذي لم يكن بعد مزودا بعشرات الاف الصواريخ التي تهدد اليوم كل نقطة في إسرائيل، لكان من المحتمل انه كانت ستنشأ معادلة جديدة تماما حيال ايران. اليوم، فيما نقف امام واقع صعب، السؤال المطروح هو هل تسبب التخوف من العملية في حينه بسبب انعدام اليقين ان نفوت فرصة تاريخية.

في نهاية الامر، هذا هي المفارقة الكبرى للتاريخ. مرات عديدة تكون بالذات خطوات تسعى لمنع “كارثة” تجلبها الى عتبتنا. توجد لحظات يكون فيه الامتناع عن قرار مصيري يتبين كخطأ جسيم بقدر لا يقل عن اتخاذ القرار نفسه.

حين ننظر الى الوراء، نتساءل هل كانت الحكمة في جانب أولئك الذين فضلوا الحذر ام ربما بالذات في جانب أولئك الذين كانوا مستعدين لان يأخذوا مخاطرة جريئة في واقع من انعدام اليقين. مفارقة التاريخ هي انه تكون أحيانا نظرة الى الوراء فقط يمكنها أن تشخص الخطوط التي كان يفترض أن تقودنا الى الامام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى