إسرائيل اليوم: لاهاي، ترامب والنظام العالمي الجديد الذي على الابواب
إسرائيل اليوم 25/11/2024، البروفيسور ابراهام بن تسفي: لاهاي، ترامب والنظام العالمي الجديد الذي على الابواب
مياه كثير تدفقت في نهر فوتوماك منذ نشأ في صيف 1950، بحكم قرار مجلس الامن في الأمم المتحدة، سلاح ارسال دولي، القسم الأكبر من جيوشه وقادته كان أمريكيا. وذلك لاجل صد هجوم كوريا الشمالية على جارتها الجنوبية.
صورة مشابهة لتدخل عسكري امريكي برعاية منظمة الأمم المتحدة (او التحالفات والمؤسسات التي كانت ترتبط بها وتلقت منها التفويض بالعمل) ترتسم عند مراجعة حرب الخليج الأولى في 1991 والنشاط العسكري الأمريكي الواسع في إطار حلف الناتو في البوسنه والصرب في تسعينيات القرن العشرين، وفي أفغانستان على مدى 20 سنة متواصلة من 2001 – 2021.
إضافة الى ذلك فان القوة العظمى الامريكية لم تكن فقط القوة المحركة والدافعه لاقامة منظمة الأمم المتحدة كجسم ذي صلاحيات عمل وعقاب في ظل الفشل المدوي لعصبة الأمم في تحقيق رؤيا الاستقرار في المجال العالمي في العشرينيات والثلاثينيات، بل شكلت المحور المركزي المبادر والممول للمؤسسات والهيئات (كالقضائية، الثقافية، الاقتصادية، التعليمية والاستراتيجية) التي نشأت عنها وعملت بروح تعليماتها وتوصياتها.
كان هذا فقط في 2017، بعد دخول دونالد ترامب لأول مرة الى البيت الأبيض، حين بدأ هذا النمط المتجذر للتدخل الأمريكي العميق في طيف واسع من المنظمات الدولية يتشقق ومن شأنه أن يتآكل اكثر فأكثر في عهد ولايته الثانية.
ان الايمان العميق للرئيس المنتخب هو أن مبدأ السيادة أهم باضعاف من مبدأ الامن الجماعي، وعلى الامة الامريكية ان تفك ارتباطها بالتدريج عن التزامها بحلفائها (بما في ذلك في أوروبا وفي آسيا). وهكذا يسعى ترامب لان يمتنع بكل بثمن عن انزلاق باهظ الثمن وخطير الى مواجهات ونزاعات لا تعرض للخطر الامن القومي بشكل مباشر وفوري. هذه السياسة تواصل بالتالي توجيه تفكيره الان أيضا، وبقوة اكبر.
ليس استعداد الولايات المتحدة في أن تؤدي في المستقبل أيضا دور لاعب المحور في هذه المنظمات تحمل معها، في نظر ترامب شارة ثمن اقتصادية لا تطاق بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، بل سيكون فيه ما يعطيها الشرعية حتى عندما تعمل بشكل متحيز، ومشوه تماما، مثل الموقف من إسرائيل.
محفز لتشديد الخط ضد اجسام دولية
هكذا، بذات القدر الذي لم يتردد فيه الرئيس ترامب في الانسحاب من منظمة اليونسكو ومجلس حقوق الانسان للأمم المتحدة في 2018 في ضوء نهجهما المعادي لإسرائيل في كل جوانب النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، هكذا من المتوقع لـ “قرار لاهاي” ان يكون بالنسبة له المحفز والرافعة في مسار تشديد الخط تجاه هذه الاجسام وتجاه مؤسسات ودول أخرى تعمل بشكل تعسفي ومناقض بشكل قطبي لسياسته في المجال الإسرائيلي – الفلسطيني.
لقد كان الرد الاولي للرئيس المنتخب على هذا القرار المؤشر الأول، الذي يبشر بوضوح بما سيأتي. فترامب ليس فقط شجب “قرار لاهاي” بكلمات حادة للغاية بل تعهد باتخاذ خطوات عقابية ضد المدعي العام والقضاة في المحكمة.
من هذه الحالة الاختبارية يمكن أيضا أن نستخلص استنتاجات واسعة عن الرمز التشغيلي لادارة ترامب الثانية في الساحة العالمية والإقليمية. فالى جانب نهجه التجاري الذي يعتقد ان الحروب الطويلة تشكل عبئا باهظا وزائدا على الكاهل الأمريكي وبالتالي ينبغي ان تنهى بسرعة سواء حرب السيوف الحديدية ام المعركة في أوكرانيا، يوجد في منظومة معتقداته أيضا بعد قيمي عميق يعكس محبته لإسرائيل واصولها التاريخية، الثقافية والتراثية.
هذا البعث يتعاطى بشكل اصيل مع البعد الاستراتيجي، ذلك ان اضعاف إسرائيل ينطوي بالنسبة له على خط تعزيز قوة محافل الإرهاب التي على رأسها ايران. فرغم الرؤية الضيقة لترامب لمدى وهامش المصلحة القومية فانها تتضمن التزاما بتحدي هذه القوات التي تشكل تهديدا مباشرا ليس فقط على إسرائيل بل وأيضا على قوات، منشآت وقواعد أمريكية توجد في المجال الشرق اوسطي (وبخاصة في ضوء حقيقة ان ايران أصبحت دولة حافة نووية).
من هنا، تنعكس، بالتالي، بعض من الخطوط الهيكلية الأساس للإدارة التي على الطريق. المركزي منها، الناشيء عن تصميمه لانهاء الحرب في أوكرانيا بشكل فوري، هو استعداد للتعاون مع زعيم روسيا فلاديمير بوتين والمحاولة من خلال هذا التعاون لاقامة محور امريكي – روسي مشترك بهدف كبح التطلعات الإقليمية والمبادرات الاقتصادية العالمية لبيجين (لشدة المفارقة، في بداية السبعينيات اقام الرئيس نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر محورا أمريكيا صينيا ضد الكرملين).
لما كان ترامب ويبقى زعيما يتبنى الاتفاقات على أساس الاخذ والعطاء، فليس مستبعدا انه مقابل تسليم الولايات المتحدة بنزع مقاطع من الأراضي الأوكرانية بل وحتى استمرار حملة الاحتلال الروسي المحدود في شرق أوروبا، سيطلب من بوتين (بعد انهاء الحرب في أوكرانيا بالطبع) التأثير بشكل لاجم على طهران ووكلائها، بما في ذلك في مستوى التعاون الاستراتيجي والسياسي وكل ما يتعلق بهجماتها المتواصلة، المباشرة وغير المباشرة ضد إسرائيل.
كانعزالي جديد، فان مصير أوروبا ومستقبل الناتو لن يكونا في مركز وعيه، وبالتالي لن يؤثرا على قراراته. هذه القرارات ستنشأ في غالبيتها الساحقة من تطلعه للانطواء في المجال الأمريكي وممارسة التأثير اللاجم والضغط على دول مارقة كايران من خلال عقوبات وتهديدات حادة اكثر مما مارسه في عهد ولايته الأولى. وذلك على امل الا يكون مطالبا بان يخرجها الى حيز التنفيذ.
بعد ترسيم ترامب في 20 كانون الثاني 2025 سيكون ممكنا ان نرى اذا كانت أنماط السياسة هذه ومبادئها ستبدأ حقا في التحقق عمليا.