إسرائيل اليوم: عودة عصر الخوف اليهودي
إسرائيل اليوم 4/11/2025، د. ابراهام بن تسفي: عودة عصر الخوف اليهودي
أهمية الانتخابات لرئاسة بلدية نيويورك التي ستجرى اليوم، تخرج كثيرا عن المجال والسياق المحلي.
عمليا، هذه الانتخابات هي تعبير للهزات التي تعصف بالمجتمع الأمريكي، على الجالية اليهودية الكبيرة التي فيه. فالفوز المحتمل للمرشح الديمقراطي زهران ممداني وان كان بفارق صغير، سيكون هزة أرضية في تاريخ يهود الولايات المتحدة – ومن شأنه أن يعيدها الى فترات مظلمة ومتحدية. وللمفارقة، فان قسما كبيرا من المقترعين اليهود – واساسا لابناء الجيل الشاب – كفيلون بان يساهموا في هذا التغيير، اذا ما نجح ممداني في الحفاظ على التفوق الذي ابقى عليه في اثناء حملة الانتخابات حيال خصمه الأساس، الحاكم السابق آندرو كومو.
لكن فضلا عن الخطر الفوري، فان دخول مؤيد BDS متحمس لمنصب رئيس البلدية، الذي تعهد باعتقال نتنياهو لدى وصوله الى نيويورك ويعارض وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية – يمثل تحديا لا يقل خطورة. يحاول ممداني خلق فصل مصطنع وبلا أساس بين عدائه العلني للصهيونية وبين اللاسامية، التي يعلن انه يتحفظ عليها. ان مجرد صعوده الى مركز المنصة يضع امام الجالية اليهودية، وليس فقط في نيويورك، تحديا عميقا في مستوى الهوية اليهودية – الامريكية.
جالية على الدرب الذهبي
على مدى معظم القرن العشرين بحث يهود الولايات المتحدة عن الدرب الذهبي بين الولاء لارث ومؤسسات المجتمع الأمريكي الذي استوعبهم، وبين صلتهم للصهيونية وتماثلهم مع أبناء شعبهم – سواء كان هؤلاء إخوانهم الذين عادوا الى وطنهم أم أولئك اقرباؤهم الذين علقوا في براثن الطاغية النازي في أوروبا – خشية أن يتهموا بالولاء المزدوج.
هكذا امتنع معظم زعماء الجالية اليهودية عن الضغط على روزفيلت ليطلق صوتا واضحا ضد فظائع المحرقة خشية أن يعد الامر كـ “مبادرة فئوية” تغطي على المصلحة الامريكية الكبرى في الحاق الهزيمة بألمانيا النازية.
في العقد الأول لوجود دولة إسرائيل أيضا خاف زعماء الجالية على مكانتهم، فيما كانوا مضطرين للتصدي لموجة لاسامية متجددة كانت ذروتها لجنة مكارثي التي كان معظم ضحاياها يهود.
ولم تأتي الانعطافة الا في الستينيات: فقد باتت إسرائيل في نظر البيت الأبيض شريكا استراتيجيا، والتنافر في الهوية اليهودية الامريكية آخذ بالتبدد. خرجت الجالية من الظلال وسمحت لنفسها بان تؤيد علنا وعلى الملأ دولة إسرائيل، دون أن تخشى من أن تتهم بـ “اللا أمريكية”.
واليوم، المسائل الحساسة للهوية والصلة، والتي بدا انها تبددت، فتحت من جديد وفرمت بيد فظة. في هذا يكمن المعنى العميق لظاهرة ممداني. في الماضي اضطر سياسيون نقديون لإسرائيل لان يثبتوا بالثناء بانهم ليسوا معادين لها. اما اليوم فالصورة مغايرة تماما. امام جالية يهودية ممزقة ونقدية اكثر تجاه إسرائيل، وامام ضعف دراماتيكي للمنظمات التي تعمل من أجلها، نضجت الظروف لممداني. هو يتحدى مجرد جوهر الصهيونية، يعرفها كغير شرعية ويخرج علنا قسما هاما من يهود نيويورك – ممن الصهيونية هي جزء لا يتجزأ من هويتهم – الى خارج المعسكر.
يتنكرون لارثهم الثقافي والقيمي
المفارقة الحزينة تكمن في أنه رغم ذلك توجد استطلاعات تتوقع ان يحظى بتأييد لا بأس به في أوساط اليهود الذين يؤيدون “مذهبه” الاجتماعي الديماغوجي والشعبوي، وينجرون وراء الراديكالية السائدة التي يمثلها – في ظل تنكرهم لارثهم الثقافي والقيمي.
الأيام وحدها ستقول اذا كانت هذه موجة عكرة لكن عابرة، أم لعله امامنا تسونامي حقيقي، يحتاج الى شد المنظومات وإعادة التفكير، سواء من جانب زعماء الجالية في نيويورك وفي المجال الأمريكي كله، ام من جانب دولة إسرائيل وقادتها. النتيجة من شأنها أن تكون محملة بالمصير: عودة عصر الخوف اليهودي وانعدام الأمان في الولايات المتحدة.



