إسرائيل اليوم : خطة سياسية استراتيجية مفصلة وقابلة للتنفيذ الفوري في سياق بلورة اليوم التالي
إسرائيل اليوم 25/7/2024، ابراهام بن تسفي: خطة سياسية استراتيجية مفصلة وقابلة للتنفيذ الفوري في سياق بلورة اليوم التالي
في 3 اذار 2015، في جلسة خاصة لمجلسي الكونغرس، القى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطابا كديا وحازما ضد الرئيس أوباما، في ملعب الرئيس البيتي. الخلفية لذلك كانت واردة في عاملين: محاولة رئيس الوزراء اليائسة لإحباط الاتفاق النووي بين القوى العظمى وبين ايران عشية التوقيع عليه، وتطلع نتنياهو لان يبث في الساحة الإسرائيلية الداخلية صورة زعيم مصمم، شجاع وقاطع، لا يتردد في أن يتحدى الحليفة الأكبر حين تكون على المحك مصلحة جوهرية حيوية، وهكذا المساهمة في انتصاره في حملة الانتخابات للكنيست.
مع أن نتنياهو لم ينجح في جهوده لممارسة مفاعيل ضغط حقيقية على إدارة أوباما و “اتفاق فيينا” وقع بالفعل، الهدف الثاني – وان لم يكن غير معلن لخطابه – تحقق بكامله. فقد جرف الليكود في تلك الانتخابات 30 مقعدا، وواصل نتنياهو تولي منصب رئيس الوزراء.
وان كان مضمون واحد بقي مشابها في الخطابين – إحساس التهديد المباشر المحدق بإسرائيل وبالغرب من جهة محور الشر والإرهاب، ورأسه في ايران، الذي تبقى محورا مركزيا في حديث نتنياهو – فان سياق خطاب أمس، مثلما هي معظم عناصره، كانت مختلفة تماما هذه المرة مقارنة بخطاب 2015.
أمريكا تركز على الانتخابات للرئاسة
بينما في 2015 كانت مسألة النووي الإيراني في مركز الخطاب الأمريكي الداخلي، فان مركز الانتباه هذه المرة يوجد خارج الشرق الأوسط. محاولة اغتيال الرئيس السابق ترامب، قرار الرئيس بايدن عدم المنافسة، والارتفاع السريع في الاستطلاعات لنائبته كمالا هاريس، تشغل بال “الشعب الناخب” اكثر بكثير من الحرب المتواصلة في غزة. كما أن توقيت الخطاب – في الساعة 14:00 في توقيت واشنطن وعدت بنسبة مشاهدة متواضعة.
وبالتالي، فان أهمية الخطاب هي أساسا في الصلة باللاعبين السياسيين الكبار في الحزبين ويحتمل ان أيضا – مثلما في 2015 – في سياق المستوى الإسرائيلي الداخلي وذلك، سواء من ناحية رغبة نتنياهو في اظهار قدراته الزعامية ام من ناحية تطلعه (المخمن) باطلاق حملة الانتخابات التالية في شروط عظمة ومكانة سياسي كبير ومحبوب.
بالنسبة للمضمون – هنا يبرز الاختلاف الذين بين 2015 و 2024. مكان النقد اللاذع على أوباما (الذي جرت الزيارة عمليا من خلف ظهره) احتل هذه المرة حديث متصالح وممتن تجاه زعماء الولايات المتحدة في الحاضر وفي الماضي. نتنياهو في صيغته الحالية في الكونغرس اظهر شقلبة جدلية، فيما غمز غمزة ودية لبايدن، الا انه أضاف اليها ثناء لترامب على عمله كرئيس من اجل إسرائيل. هذا، على أمل الا يرى لا بايدن ولا ترامب (وواضح ان لا هاريس أيضا) في أقواله حتى ولا ذرة اخذ موقف او تفضيل الطرف الاخر في ذروة السباق. هذه الحذر واحد على نحو خاص على خلفية النقد الموجه لإسرائيل في الجناح التقدمي من الحزب والذي أدى الى غياب نائبة الرئيس ورئيسة مجلس الشيوخ هاريس ومشرعين ديمقراطيين غير قليلين.
صنعة محسوبة لنتنياهو
فضلا عن ذلك، وبالطبع فضلا عن موجات التصفيق الحماسية التي استقبل بها رئيس الوزراء وعلى مدى خطابه مثلما هي أيضا بدعوته لشراكة أمريكية إسرائيلية وثيقة في الصراع ضد قوى البربرية والتطرف، تميز الخطاب الذي لا هوادة فيه ليس فقط في اظهار الصداقة والامتنان تجاه الرئيس بايدن على دعمه العسكري والسياسي لإسرائيل (باستثناء انتقاده على ان السلاح الأمريكي لا يضخ بالسرعة اللازمة بل بما غاب عنه تماما تقريبا. وبخاصة تنطبق الأمور على الاحتمال الحقيقي العملي لصفقة تحرير المخطوفين كجزء من منحى سياسي محدد. هنا احتلّ فجأة ضباب من الغموض مكان الوضوح الجلي الصافي الذي ميز باقي أجزاء الخطاب البليغ والحازم. إذ ان رئيس الوزراء لم يتناول الصفقة بحقيقة ناجزة وناضجة بل اكتفى بالاعراب عن ثقته في أن تعطي جهود الوساطة ثمارها حقا وتساعد في خلق واقع جديد في غزة.
بدلا من عرض خطة استراتيجية مفصلة، شهدنا صنعة محسوبة لفظيا، كافضل تقاليد مصنع نتنياهو. وبالفعل، رئيس الوزراء اظهر تنوعا واسعا بصفة وزير اعلام (او وزير خارجية) لامع، منمق وخبير، تقدم بمرافقة مبهرة عن إسرائيل. خسارة فقط انه لم ترفق بهذه الاقوال المقنعة عن حرب الدفاع الإسرائيلية في ظل المذبحة الرهيبة التي وقعت ضحية لها في 7 أكتوبر، وعن خطورة ووحشية محور الشر الإيراني، خطة سياسية – استراتيجية مفصلة وقابلة للتنفيذ الفوري في سياق بلورة اليوم التالي وطبيعته الدقيقة، بعد انتهاء المعارك.