إسرائيل اليوم: خطاب فاشل لنتنياهو

إسرائيل اليوم 2023-04-14، بقلم: يوآف ليمور: خطاب فاشل لنتنياهو
في ظهر يوم الثلاثاء، قبل لحظة من دخول العيد الثاني، جلست مع تل روسو لنحتسي القهوة. في نظري هو خلاصة الإسرائيلية: محب البلاد ومحب أناسها. كيبوتسي من الشمال اصبح تل أبيبيا لكنه بقي مرتبطا بالجذور. اعطوه رحلة جيبات على جبل ما في الشمال أو في واد في الجنوب، مع قهوة في الميدان، فلا يكون احد اكثر سعادة منه.
نحن نعرف بعضنا منذ عشرات السنين. كما أننا قطعنا أشواطا طويلة معا – من عهد جنوب لبنان والانتفاضة الثانية، عبر العمليات الكبرى في غزة وحتى التسريح، السياسة والحياة المدنية بعدها. التفاؤل كان دوما يميزه والقدرة على أن يتحدث مع الجميع وأن يرتبط بالجميع: حريديا كان أم عربيا، بدويا أم مستوطنا، ليكوديا من المحيط أو تل أبيبيا يصوت لـ”ميرتس”. لا توجد كليا عسكرية تمهيدية دعته فلم يأت للحديث فيها، ناهيك عن جملة المشاريع الاجتماعية التي يشارك فيها – تطوعا بالطبع.
أما هذه المرة فقد التقيت روسو مختلفا. قلقا اكثر من أي وقت مضى. في بداية الأسبوع سافر إلى جنازة الشقيقتين رينا ومايا دي في “أفرات”. يقول، إنه شعر بالواجب لأن يكون هناك. تفاجأ بأنه خلافا لحالات مشابهة في الماضي، هذه المرة لم يتوجه أحد للحديث إليه. لاحظوه، لكنهم بالطبع ابتعدوا عنه، كأن شيئا ما لا تفسير له يقف بينهم. وارتبط له هذا بحدث آخر تلقى فيه بلاغا من صديق، شخص متدين، في نظر روسو كان دوما رمزا للتسامح وجسرا للوحدة. النص الذي تلقاه عرفه بأن شيئا ما عميقا تحطم، ليس فقط لدى محادثه، بل لدينا جميعا.
روسو هو في نظري رمز لما يحصل هنا، رمز لأن كل ما امسك بدولة إسرائيل وجعلها معجزة لا تصدق – هذا النسغ الذي ربط بيننا جميعا – يتفكك أمام ناظرينا. رمز لأننا اصبحنا أمة كارهة، مستقطبة، عديمة القدرة على الانصات أو الاحتواء. هناك من سيقولون إن هذا هو الإرث الأساس لبنيامين نتنياهو؛ وأن خليط السم الذي ينتجه محبوه مع السم الذي ينتجه كارهوه اكبر حتى من الحب الذي يمكن لشعب إسرائيل أن ينتجه. وأن ما كان ذات مرة وليدا ذا أصابع (علمانية، دينية، محيطية، مدينية، مهاجرين جدد) اتحدت إلى قبضة قوية اصبح وليدا من أصابع تتجه الواحدة ضد الأخرى من: يمين ويسار، متدينين وعلمانيين، حريديين وعلمانيين، محيط ومركز، يهود وعرب، قدامى ومهاجرين – جماهير كاملة يحمسها سياسيون عديمو المسؤولية، برعاية شبكات اجتماعية تقطر سما.
حصانة حماة الحمى
كانت لنتنياهو فرصة ذهبية في خطابه يوم الاثنين. كان يمكنه أن يعانق، أن يمد اليد وأن يوحد. بدلا من هذا انطلق في رقصة ساخرة من الاتهامات التي كلنا فيها نتحمل المسؤولية باستثنائه. هو بطل العالم في إسقاط الملفات على الآخرين وفي أخذ الحظوة من الآخرين، لكن هذه المرة اخطأ. أغلبية واسعة في الجمهور تريد أن توقف رقصة الشياطين التي تجري هنا مؤخرا. ويجد هذا تعبيره في الاستطلاعات، وفي المشاعر في الشارع أيضا. إذا كان نتنياهو اعتقد بأنه سيحمس قاعدته ضد عدو وهمي – الحكومة السابقة، اليسار، الاحتجاج – فإنه مخطئ جدا. حتى جمهور ناخبيه لا يريد أن يدمر الدولة باسم التشريع القضائي والنزوات الصبيانية لبن غفير أو أنا سموتريتش.
لقد كان نتنياهو ذات مرة خطابيا فائقا. ثان فقط لمناحيم بيغن (وافضل منه بكثير بالانجليزية). أما هذا الأسبوع فكانت في خطابه ثقوب اكثر مما في الجبن. فصل باستطراد تعقيدات الوضع الأمني، لكنه لم يشرح لماذا أقال وزير الدفاع يوآف غالانت الذي حذر بالضبط من هذا الوضع الأمني. كما أثنى على الهجمات التي نفذت في سورية وفي غزة، لكنه قفز عن حقيقة أن بعضا من أعمال القصف قام بها أولئك الطيارون الذين يعارضون سياسته ويشاركون في الاحتجاج – ذاك الذي انقذه وانقذنا من إقالة غالانت في مثل هذا التوقيت الحساس.
مساء الغضب إياه لم يحصن غالانت فقط، بل حصن كل حماة الحمى، وعلى رأسهم المستشارة القانونية غالي بهراف ميارا. يمكن أن نروي الحكايات عن أن التشريع لن يمس بالديمقراطية، لكن إذا كان يرى أمام ناظريه قطع رؤوس بالنزوات وبانعدام المنطق – بالتشجيع الحماسي لمغردي البيت (وزيرة الإعلام سارعت لأن تتمنى لغالانت “النجاح في مواصلة طريقه”) – فإنه يفهم، اليوم، أن هذا غالانت وغدا هذا كل واحد آخر. وعليه فقد كان مهما جدا إغلاق هذا الملف رسميا؛ إبقاء غالانت في منصبه، بلا تحفظ أو اعتذار، كان انتصارا للمنطق والعقل السليم على الجنون وعبادة الشخصية.
نتنياهو أقال الوزراء في الماضي أيضا، واكثر من واحد، لكنه أبدا لم يعرض للخطر بهذا القدر أمن الدولة. قادة جهاز الأمن يحذرونه منذ بضعة اشهر مما يحصل ومما قد يحصل، الأميركيون يقرعون كل جرس محتمل، الدول العربية المعتدلة تحاول جذب انتباهه بكل سبيل – أما هو فعلى حاله. “الكابنيت” عقده فقط الأسبوع الماضي في أعقاب إطلاق الصواريخ في الشمال وفي الجنوب أثناء عيد الفصح. وبعد أن لم ينعقد على مدى شهرين، كي لا يطلع الوزراء على القلق الذي تراكم في جهاز الأمن من آثار التشريع على الوضع.
كما هي الحال دائما فإن من يزرع الريح يحصد العاصفة، ونتنياهو اضطر إلى أن يعمل فقط بعد أن دفعت إسرائيل الثمن، وكان هذا ثمنا باهظا (بعمليات الإرهاب أساسا) لكنه محتمل إذا أخذنا في الحسبان احتمالات الصواريخ التي أطلقت والعبوة التي فجرت في مجدو. لقد أتاح هذا لإسرائيل أن ترد باعتدال نسبي دون أن تنجر إلى تصعيد واسع، لكن هذا أيضا وضع أمامها علامة تحذير فاقعة: إذا لم تصحو وفورا – فإن الثمن الذي ستدفعه في المستقبل القريب سيكون أعلى بكثير.