ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم: تفكُّك جيش الشعب سيسحق معادلة الردع أمام الأعداء

إسرائيل اليوم 2023-07-25، بقلم: تمير هايمن*: تفكُّك جيش الشعب سيسحق معادلة الردع أمام الأعداء

تقف إسرائيل أمام أيام دراماتيكية. نموذج جيش الشعب هو مثل كل الأمور الطيبة المسلم بها وفقط حين تختفي يبدو نقصها وهشاشتها.

إن تفكيك نموذج جيش الشعب سيكون حرجا لأمن إسرائيل. بدأ التفكيك منذ الآن. فمحاولات إبقاء الجيش خارج الخطاب السياسي لم تعد ذات صلة. والخطاب حول الأسباب التي أدت إلى الوضع مهم لكنه غير ذي صلة وغير مجدٍ.

الجيش الإسرائيلي داخل الحدث، والتوقع في أن يبقى خارجه كان على ما يبدو ساذجا إذا أخذنا بالحسبان حقيقة أن الحديث يدور عن جيش الشعب بكل معنى الكلمة. جيش سر قوته ليس الطاعة العمياء للأمر، بل روح التطوع والمبادرة المنتشرة في كل عناصر قوته المميزة. روح التطوع ذاتها لدى شرائح عديدة من السكان، من اليمين ومن اليسار، من المركز ومن بلدات المحيط، متدينين وعلمانيين، هي التي تجعل الجيش الإسرائيلي جيش الشعب.

روح التطوع هذه في خطر وجودي. وبدونها فإن الجيش الإسرائيلي الذي نعرفه ونحبه كجيش الشعب سيتفكك. كل ما سيتبقى هو جيش عادي، عديم البريق المميز الذي نحب والذي هو جزء من الثقافة الإسرائيلية وسر ردعنا. على المستوى العملي، بدون منظومة احتياط، تكاد تقوم تماما على أساس التطوع، فإن الجيش الإسرائيلي هو جيش صغير مع قدرات محدودة اكثر بكثير من تلك الموجودة، اليوم. جيش الاحتياط يسمح لإسرائيل دفعة واحدة، عند صدور الأمر، بأن يجعل الجيش الإسرائيلي أحد الجيوش الكبرى، وبالتأكيد النوعية، في المنطقة. صحيح أنه ليس الجميع يتطوعون، ومن يتلقى أمرا عسكريا قانونيا ملزم حسب القانون بأن يخدم، لكن أوامر عسكرية قانونية (كتلك التي تستوفي معايير الإخطار المسبق) نادرة لدى الجماعات التالية: قادة وحدات الاحتياط، ورجال احتياط يخدمون في إطار وحدات نظامية، ورجال وحدات خاصة. هؤلاء الأشخاص يجدون أنفسهم في وضع دائم من التطوع، والتحدي كبير على نحو خاص كون الحديث يدور عن عمود فقري مهني وحرج لأهلية الجيش. إن إضعاف الدافع لخدمة هذه الجماعات من شأنه أن يكون هداما.

سلاح الجو الإسرائيلي، الذي هو أحد الأسلحة الأفضل في العالم، يكاد يكون كله يقوم على أساس التطوع. من التطوع إلى دورة طيران، عبر الوحدات الخاصة لسلاح الجو، وحتى مدربي الطيران الذين يرافقون متدربي الطيران لسنوات طويلة بعد أن كان بوسعهم الاعتزال. في وحدات شعبة الاستخبارات المختلفة أيضا، وأساسا في الوحدات التي تمنح إسرائيل قدرات سايبر وتكنولوجيا ذات مغزى، القاعدة هي التطوع لخدمة ذات مغزى، واحيانا أطول من المعتاد.

الوحدات المختارة جدا في الجيش الإسرائيلي تقوم أيضا على أساس التطوع. لا يوجد شاب إسرائيلي لا يعرف “السييرت” العسكرية الإسرائيلية – افضل شبيبتنا، الذين يتنافسون على مكان في وحدات السييرت هذه. الخروج إلى الضابطية في الجيش الإسرائيلي هو أيضا يقوم كله على أساس التطوع على إرادة الشباب لمواصلة المساهمة بالجيش وللدولة. في هذه الحالة أيضا فإن غياب الدافع للتطوع سيضعف عناصر القوة الجوهرية للجيش الإسرائيلي: الجو، الاستخبارات، والقوات الخاصة.

شفاء الجروح سيستغرق وقتاً

تواصل إسرائيل السير بنفسها هذه الأيام، وكلما واصلنا هذا الميل الخطير من شأننا أن نؤدي إلى تآكل معادلة الردع الجوية. كقاعدة، الردع ليس مفهوماً قابلاً للقياس، بل عنصر يرتبط بالنفسية ولا يمكن قياسه إلا عندما يفشل.

قسم مركزي في الردع يقوم على أساس رواية وصورة، وليس على الحقائق. في هذه اللحظة ميزان ردع إسرائيل إيجابي في أساسه. رغم تعاظم التهديدات والشرخ الداخلي المتعمق، نشهد استقرارا امنيا نسبيا في الجبهات المختلفة. ومع ذلك، الخطر هو أن الصورة والمظهر لما نحدثه لأنفسنا على مدى الزمن من شأنهما أن يقنعا خصومنا بأن قوتنا ضعفت. توجد أماكن يؤدي فيها تغيير طفيف في ميزان الردع إلى مضاعفات قاسية.

مثلا، جبهة الشمال مع “حزب الله”، حيث يبدو أن نصر الله بات منذ الآن يعاني من إحساس مبالغ فيه بالثقة بالنفس. ساحة أخرى من شأن كل تغيير طفيف فيها أن يؤثر على ميزان الردع هي ايران. ايران ذاتها التي على أي حال غير مقتنعة بالتهديد العسكري عليها لكنها لا تزال تخشى قدرات الجيش الإسرائيلي، حقيقة تلجمها بقدر معين.

ستتأثر الساحة الفلسطينية أقل بالحدث بسبب الاحتكاك اليومي الذي يجسد لهم قدرات إسرائيل. رغم ذلك تحاول ايران تفعيل الساحة الفلسطينية والداخلية كي تغذي اكثر فأكثر رقصة الشياطين التي تجري هنا. ومن فوق كل هذه تحوم الأزمة المتعمقة في علاقات إسرائيل – الولايات المتحدة التي ترتبط هي أيضا بالخوف في الإدارة من فقدان القيم المشتركة التي تقوم على أساسها العلاقات الخاصة.

في ضوء كل هذا لا يوجد أي بديل آخر. حكومة إسرائيل هي الوحيدة التي بوسعها أن تمنع استمرار ميل هذا التفكيك. يعرف رئيس الوزراء جيدا خريطة التهديدات، والتوقع منه واحد: أن يتوقف ويعيد النظر في المسار. يجب السعي إلى تغييرات في جهاز القضاء بتوافق واسع. الجروح ستستغرق سنوات لإشفائها. لكن إذا لم نتوقف الآن فلعله لن يكون هناك ما ومن يشفى.

*مدير معهد بحوث الأمن القومي.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى