ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم – تريدون أن تشعروا بخير؟ اشعروا بسوء!

إسرائيل اليوم – بقلم  دان شيفتن – 20/4/2021

المتذمرون والمتنبئون في الآخرة امام كل صعوبة تواجهها اسرائيل يعيشون مرضا نفسيا يساعدهم على تنفيس الضغوط ويعزز حصانتهم ولهذا فلندعهم لشأنهم. فاسرائيل قوية وقلة فقط يتركونها رغم أنهم يحملون جوازات سفر اوروبية وامريكية ويتكلمون  اللغات ويختصون بمهن مطلوبة “.

مع عبور الكورونا، يتفشى في اسرائيل اضطراب نفسي موسمي. مجموعة الخطر الاساس هي متعلمون ممن تسمى “اسرائيل الاولى”، ساهم الكثيرون منهم للمجتمع وخدموا الدولة باخلاص. الفيروس بشكل عام نائم،  ويتفجر بين الحين والاخر بمعونة وسائل الاعلام، الشبكات الاجتماعية ولقاءات الجمعة. المرض ليس عضالا ولا يستدعي الدخول الى المستشفى، بل هو حتى ليس خطيرا، فقط غريب وعلاجه نادر. يشعر المرضى برضى غريب عند تفجره. والدافع لتلقي العدوى هو اجتماعي، اذا كنت لا سمح الله لا تعاني منه، فستتهم من رفاقكك المميزين كجبان. وكلما جربت المرض بقوة اشد- هكذا تشهد على ذكائك.

لب المرض هو اكتئاب راق، وتأبين يرافقه آهة شكوى، لمصير اسرائيل. وهؤلاء يكذبون بحجم الهجرة المضادة من البلاد ويرفقون ذلك بالتلميح بنواياهم للهجرة من اسرائيل، او على الاقل الاسف في أنهم في سنهم بات متأخرا عمل ذلك. مرغوب فيه الايضاح بان هرتسل وبن غوريون يتقلبان في قبريهما. والعرض الابرز هو تشخيص فشل موضعي او مشكلة عسيرة حقا في احد مجالات الحياة، والاستنتاج، بشكل عديم الاساس الموضوعي او المتوازن، من هذا الحدث بشأن وضع المجتمع ومصير الدولة. شرط ضروري لمثل هذا الاكتئاب عظيم النفس هو رفض كل منظور لعمق تاريخي او عرض مشابه، من شأنه أن يغطي على الرضا من نذر الخراب: محظور الاستيضاح اذا سبق أن اجتزنا اختبارات اقسى بعشرات الاضعاف من هذا الذي نقف امامه؛ محظور الفحص اذا كان التحدي العام (الى ما بعد الشأن الموضعي)، بكل قصوراته النكراء خطير أقل او تجري معالجته بشكل افضل في دول متطورة اخرى.

ظاهرا، هذه بالاساس ظاهرة شارة ومثيرة للحفيظة، ومن ناحية تحليلية يدور الحديث عن مبالغات سخيفة. هكذا مثلا، في اعقاب ركود مؤقت بعد فترة نمو مبهرة في منتصف الستينيات، تفشى في النخب وفي وسائل الاعلام جو يأس من مجرد بقاء الدولة. هناك تحدثوا في حينه عن “الاخير في المطار في اللد الذي سيطفىء الاضواء”، عن الفرق بين اشكول وزعيم م.ت.ف الشقيري: “الشقيري يهدد فقط بتدمير اسرائيل” وعن جامع الطوابع الذي سيبقى في البلاد “كي يحصل على غلاف اليوم الاخير للدولة”. وكذا بعد اخفاقات حرب يوم الغفران، التي بررت  الحزن وخيبة الامل واستدعت حسابا للنفس وأخذ للمسؤولية خرج رد الفعل الجماهيري عن التوازن: فقد ادمن الكثيرون على التوقعات الرهيبة حول تبدد قدرة صمود اسرائيل والتعاظم المفزع لاعدائها. من تجربتي اشهد كيف استنكروا من اشار الى الاخفاقات البنيوية للعرب والى  زخم اعادة البناء والنجاح المضمون لاسرائيل.

في منظور اوسع، يحتمل أن يكون لهذه الظاهرة دورا: مثابة آلية نفسية تساعد المجتمع المتعرض على مدى الاجيال للتهديدات ولانعدام اليقين للتنفيس عن الضغوط، مثلما تساعد النكتة السوداء احيانا على مرور العزاء او على مواجهة المخاوف القاسية والمبررة. لعل هذا يفسر التواتر في الاحاديث السخيفة عن خطر الديمقراطية، تفكك المؤسسات الاجتماعية والسلطوية وضياع الدولة بالذات في اوساط المتعلمين. فالوعي الاكثر تطورا في اوساطهم للمخاطر الحقيقية التي تحدق باسرائيل، يفترض آليات دفاعية  خاصة. ولعل هذا هو سبيلهم “للصفير في الظلام”. قد يكونوا جديرين بالرأفة على المخاوف، اكثر من الاحتقار على الترهات. بمعنى ما يتحصنون بواسطة هذا المرض من وباء اوروبي اخطر والمتمثل  بانعدام الوسيلة امام التهديدات، ومن وباء “شرق اوسطي” صعب بلا قياس يتمثل بالتدهور الى اساليب وقيم جيراننا في المنطقة.

ان اسرائيل هي مجتمع محصن جدا. فهو مزدهر منذ اجيال في محيط عنيف ومنفرر. بعد “الجرف الصامد” مثلا تمسكت اكثر من الف عائلة في غلاف غزة والاشغال في البلدات القروية والمدينية كامل. رغم المصاعب الخاصة للعيش في البلاد قلة فقط، بالنسبة للدول المتطورة، يغادرونها، رغم أن الكثيرين يحملون جوازات سفر اوروبية وامريكية، يتحدثون لغات ويختصون في مهن مطلوبة. اذا كان ثمة من يحتاجون الى القليل من التاريخ كي يعززوا الحصانة التي تدحض توقعاتهم، فلماذا نقف في طريقهم؟

******

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى