إسرائيل اليوم: ترامب يتطلع الى الانتقال في غزة من “حرب ساخنة” الى “حرب باردة”
إسرائيل اليوم 25/12/2025، البروفيسور ابراهام بن تسفي: ترامب يتطلع الى الانتقال في غزة من “حرب ساخنة” الى “حرب باردة”
ظاهرا، امامنا زيارة أخرى في سلسلة مؤتمرات قمة بين المهيمن الأمريكي وبين حليفته إسرائيل، ترمي الى تنسيق الخطوات والمواقف عشية اطلاق المرحلة الثانية والحاسمة في خطة الرئيس لتثبيت وتنفيذ الاليات والاطر الدولية لضمان التقدم في الطريق الى تصميم محيط محلي جديد ومستقر في غزة. هذا كرافعة لاختراق طريق أيضا في مسار توسيع ورفع مستوى “اتفاقات إبراهيم”.
لكن نظرة أعمق الى اللقاء، المزمع عقده في 29 من هذا الشهر تشير الى أن هذا اجتماع شاذ، بل وحتى عاجل، بين رمزي العلاقات الخاصة التي وصلت الى مفترق مصيري.
التعبير الأول عن ان هذه قمة طواريء هدفها تقليص خطر الانزلاق المتجدد الى العنف في المجال الإسرائيلي – الإيراني، في الجبهة اللبنانية وفي الساحة السورية، هو توقيتها. اذ انه لو لم نكن نوجد في ذروة فترة مفعمة بالازمات والتحديات الخطيرة، لما كان حيويا عقدها بعيدا عن العاصمة الامريكية في ذروة إجازة عيد الميلاد. هذا الانحراف البارز عن المقاييس الدارجة يشهد على ان البيت الأبيض اقتنع بانه لاجل استقرار الوضع المتفجر في كل الساحات التي تهدد بالتصعيد، عليه أن يتخذ خطوات وقائية فورية تجاه نظام آيات الله، وبحقنة مختلفة بالطبع تجاه القدس أيضا.
فجوة في سلم الأولويات
في هذه النقطة بالضبط تبرز الفجوة بين مواقف إسرائيل والولايات المتحدة، والتي سبق أن عبرت تعبيرا جليا عن “شرط المحبة” والمصالح المشتركة والتعاون بشكل مبهر للقضاء مؤقتا على التهديد الإيراني. اما هذه المرة فيختلف وجه الأمور، وجملة من المسائل الجوهرية موضع الخلاف تهدد بتعكير صفو الخلفية الامريكية الإسرائيلية.
يجدر بالذكر بانه بالنسبة لترامب بقي هدف التقدم من “حرب ساخنة” الى “حرب باردة” في جبهة غزة والتقدم من “سلام بارد” الى “سلام ساخن” بين إسرائيل والعالم السني المعتدل، امنية تحمل معها إمكانية كامنة سياسية واقتصادية عظيمة القيمة. هذا أيضا بلا حاجة الى مواجهة عسكرية مباشرة أخرى مع “محور الشر”. واضح ان ترامب يريد أن يسرع الطريق، فما بالك أن جدول اعماله مليء بمسائل مشتعلة أخرى – الحرب في أوكرانيا، علاقاته مع الكرملين، المهاجرين غير الشرعيين، الازمة مع فنزويلا، المواجهة مع الصين والخلاف حول غرينلاند.
في المقابل، فان جدول اعمال نتنياهو في المسار الذي يفترض أن يؤدي الى المرحلة الثانية يختلف جوهريا. في الماضي كل مقترح اتفاق كان ينطوي على انسحاب إسرائيلي جر تهديدات بالانسحاب من جانب شركائه من اليمين. ولهذا السبب فان الضغط لانسحاب فوري إضافي من شأنه هذه المرة أيضا ان يولد تحفظات واشتراطات من جانب نتنياهو. إضافة الى ذلك فانه يتعرض لضغط داخلي وجماهيري في جملة واسعة من المسائل – قانون التجنيد، رفضه اخذ المسؤولية عن كارثة 7 أكتوبر، معارضته إقامة لجنة تحقيق رسمية، البروز المتجدد لقضية “قطر غيت” وتجاهله لاعمال “فتيان التلال” في يهودا والسامرة.
على هذه الخلفية، لا شك ان رئيس الوزراء سيبذل كل جهد مستطاع كي يركز الحديث على مواضيع امن، بل وسيتطلع لان يعظم ويتطرف في شرح خطورة وفورية التهديد الصاروخي من طهران. من ناحيته، منح “ضوء اخضر” امريكي لخطوة هجومية إسرائيلية وقائية لتحييد تهديد الصواريخ سيكون تجسيدا لاحلامه – ليس فقط في ان الخطوة كفيلة بان تزيل خطرا امنيا، بل تحمل في طياتها إمكانية لإزالة العوائق في الداخل في الوقت الذي يقترب فيه موعد الانتخابات.
ما الذي سيقترحه الرئيس مع ذلك؟
مهما يكن من أمر من الصعب الافتراض بان البيت الأبيض سيقتنع بانه نضجت الساعة للعودة الى الخيار العسكري. رغم المواقف الحازمة التي عرضتها الولايات المتحدة اول أمس في مجلس الامن، لم يطرق الباب تماما بعد على الخيار الدبلوماسي، فما بالك ان الرئيس ابدى غير مرة مرونة مفاجئة في موقفه من ايران، إضافة الى ان وجهته، وبخاصة الان، للعمل على تسوية او تلطيف حدة النزاعات وليس لتفاقمها.
بالنسبة لسوريا، هنا أيضا من المتوقع ان تصطدم مطالبة إسرائيل بحرية عمل عسكري بطلب امريكي قاطع للامتناع عن عمل من شأنه ان يمس بمكانة وقدرة الحوكمة للرئيس الجديد احمد الشرع.
وختاما – جملة كاملة من العقبات الكأداء تقف في طريق الرجلين، ومشكوك أن تنجح حتى طلاقة لسان نتنياهو بتربيع الدائرة.
الرئيس من جهته، يمكنه ان يقترح على إسرائيل جملة حوافز عسكرية واقتصادية وامنية سياسية مقابل المرونة. من جهة أخرى لا يمكن استبعاد إمكانية أن يتخذ نهجا مواجها اكثر. فالرمز التشغيلي لديه يشهد على ان ليس لديه قيم ثابتة بل فقط مصالح تميل لان تتغير مع تغير الظروف.
ينبغي الامل في أن تتضح الصورة الأسبوع القادم، وان تدخل مار آلاغو القاموس الإسرائيلي كمطابقة لكامب ديفيد 1978 وان يكون بوسعها اختراق الجمود ومنح هوامش استقرار على الأقل للمستوى المليء بالإرهاب والتطرف.



