إسرائيل اليوم – بقلم دان شيفتن – نبوءات الخراب كأداة سياسية
إسرائيل اليوم – بقلم دان شيفتن – 28/12/2021
” الديمقراطية الاسرائيلية متينة، المجتمع يتصدى بنجاح لتحديات كثيرة وعنيدة والجمهور يعيش بحرية تامة، تتحداها الفوضى. ولا يزال – مسموح التباكي “.
شريط بنيامين نتنياهو الاخير يؤكد مرة اخرى ما كان يفترض بنا أن نعرفه: نبوءات الغضب الهستيرية عن “نهاية الديمقراطية” في اسرائيل وان كانت سخيفة في مضمونها، الا انها تستخدم بنجاعة تلاعبية في كل المعسكرات لاجل تجديد حماسة الاغبياء السياسيين كأداة للاستيلاء على الحكم. فالموقف الاستخفافي اياه جدير ايضا بشجب عاصف لـ “الحيل والاحابيل” والوعود المتواضعة بـ “السياسة النقية”. الاتهامات غير المسنودة والوعود الفارغة من هذا النوع هي اداة عمل اساس في العملية الديمقراطية.
ان صرخات النجدة بشأن نهاية الديمقراطية تستخدم منذ قيام الدولة ممن ليسوا في الحكم – من بيغن، عبر بيرس وحتى نتنياهو – وممن يعمل بتكليف منه او يستغل من ناحيته دون ان يعرف. قال نتنياهو ان الديمقراطية في الكنيست توجد “تحت التهديد” بسبب قوانين “تصفي الحريات الاساس في الديمقراطية”. وعلى حد قوله، فان هذه الهوة “تدفن وتشطب” فيها الحقوق الاساس للديمقراطية، بشكل يؤثر على الديمقراطيات الاخرى؛ وهذه مدعوة لان تطلق صوتها “قبل فوات الاوان”. انطلقت في السنوات الاخيرة صراخات تتنبأ بالاخرة عن خراب الديمقراطية على لسان معارضي نتنياهو. عشرات الاف “التنابل السياسيين الاستعماليين”، المثقفين وطاهري الدوافع، خرجوا الى الشوارع والى الجسور مع اعلام سوداء، لم يفهموا معناها “كي ينقذوا الدولة من ضياع طريقها”. وتحدثوا عن الفاشية وهذروا بان اردوغان بات هنا”. وعادوا كلهم بعد ذلك الى بيوتهم باحساس من الرضى عن أنفسهم كمنقذي حرية الانسان.
ودرءً لسوء الفهم: المظاهرات السياسية هي أداة ديمقراطية فرعية وهامة؛ التدخل الجماهيري الواسع في المعركة لتغيير الحكم مرغوب فيه ويشهد على صحة وحصانة الديمقراطية. اما ما هو سخيف فهو الادعاء بخراب الديمقراطية، دفنها وتصفيتها، في ذروة حدث يشهد على ادائها السليم. ان الحق في الديماغوجيا، الهستيريا والتفاهة منصوص عليه عميقا في النظام الديمقراطي. هذا الهراء ناجع ومفهوم في حالتين وغريب في الثالثة. هو مفهوم في اوساط السياسيين الساعين الى تغيير الحكم وفي اوساط مساعديهم ومؤيديهم الاستعماليين؛ وهو مجدٍ كتلاعب في اوساط عديمي الفهم السياسي ممن يغريهم حدث ما لاغراض الاشفاء؛ وهو غريب في اوساط من توجد له الادوات التحليلية لان يفهم الديمقراطية الاسرائيلية ويختار ان يستسلم لنبوءات عديمة الاساس عن خرابها.
هكذا يجدر التعاطي ايضا مع ادعاء “الحيل والاحابيل”. الحيلة والاحبولة المطلقتان هما تضليل “السياسة النقبة” التي لا تحتاجهما. فالامتناع التام عن المناورات السياسية هو وصفة للانتحار السياسي. الامر ممكن، وحتى عندها بقدر محدود، فقط في ظروف لم تعد موجودة في ديمقراطيات العصر الجديد: اغلبية متينة وحاسمة في الانتخابات. في ظروف السباق المتلاصق يحسم الصراع بواسطة الاستخدام شبه غير المحدود لكل حيلة واحبولة.
كل وسيلة على الطاولة، ومن كل الجهات: كل شريك، بما في ذلك بن غبير وعباس، كل بندوق، كل قانون حيوي، بما في ذلك قانون المواطنة، ومثلها تضخيم الحكومة بوزراء وبنواب وزراء، اموال ائتلافية مشوهة وفاسدة، قوانين شخصية وكل تذاكي قانوني واداري. وبطلة الاحابيل هي المنظومة القضائية – النيابة العامة ومحكمة العدل العليا. السياسيون يسلمون بسيطرتها في تصميم السياسة بسبب ازالتها للعوائق من امام سعيهم الى الحكم، من درعي في عهد حكومة اوسلو وحتى نتنياهو مؤخرا. كل هذا ليس جميلا، ولكن هذه هي الديمقراطية: خليط من قواعد اللعب العادلة مع حيل، احابيل وصفقات مشبوهة على حساب المصلحة العامة، وكل ذلك في مرقة سميكة من الازدواجية الاخلاقية وتدوير العيون.
واليكم الانباء الطيبة: الديمقراطية الاسرائيلية متينة اكثر من اي وقت مضى؛ المجتمع يتصدى بنجاح لتحديات كثيرة وعنيدة، رغم أن الكنيست والحكومة لا تؤديان دورهما جيدا. الجمهور الاسرائيلي يعيش بحرية تامة، تتحداها الفوضى، ليس من الجانب الفاشي. ليس لـ “اردوغان” سيطرة في التيار المركزي للجمهور. المجتمع الامريكي ممزق وعنيف اكثر بكثير. المجتمع الاوروبي يتصدى بشكل اقل جودة للتحديات الصحية والاقتصادية، دون اضطرابات امنية. ولا يزال- مسموح التباكي. الحق في الهستيريا محمي ومتوفر للجميع.