إسرائيل اليوم: الملعب العالمي: هكذا تؤثر القوى على حروب الشرق الأوسط
إسرائيل اليوم 18/8/2024، دافيد بارون: الملعب العالمي: هكذا تؤثر القوى على حروب الشرق الأوسط
تتنافس الولايات المتحدة والصين على النفوذ في منطقة الهند – الهاديء؛ روسيا تتحدى النفوذ الأمريكي (والقوى العظمى الاستعمارية الأوروبية سابقا) في افريقيا التي في الصين أيضا موطيء قدم كبيرة جدا؛ بيجين من جهتها تقضم من نفوذ موسكو في وسط آسيا؛ في الولايات المتحدة توجد في مواجهة مع روسيا من خلال دعمها لكييف.
هذه مجرد بعض من الساحات التي توجد فيها القوى العظمى الرئيس للقرن الواحد والعشرين في نزاع. لكن يخيل أن الشرق الأوسط، هو، مرة أخرى الساحة المركزية التي تلتقي فيها – وتتضارب – مصالح هائلة تمنح اطارا واسعا – عالميا حقا، للمواجهات الحالية في المنطقة.
بمعنى ما، ليس في لقاء مصالح القوى العظمى هنا بالذات أي شيء جديد. في الشرق الأوسط يلتقي الشرق القديم والعالم الهلنستي، حيث قامت امبراطوريات عظمى في العالم الكلاسيكي، وهنا – في قفزة عظمى الى الامام – كانت البوابة لتجارة الغرب مع الهند. واذا لم تكن هذه بكافية – فان المنطقة هي أيضا منتجة النفط المتقدمة (31.5 في المئة في العام 2023)، سبب وجيه آخر للصراعات. بالمقابل، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تتمتع الولايات المتحدة بهيمنة واضحة تقريبا في كل الشرق الأوسط – ربما كخلاصة بسيطرتها العالمية. في 2024، الوضع معقد أكثر، حين نجد أن الصين وروسيا تتحديان الولايات المتحدة.
روسيا
موسكو عادت كعامل عسكري الى الشرق الأوسط في 2015، مع التدخل في الحرب الاهلية في سوريا الى جانب نظام الأسد. وهكذا نالت ميناء في البحر المتوسط (طرطوس) ومطارا (حميميم) اصبحا بالنسبة لبوتين بوابة الى المنطقة. كما أن التدخل أتاح لموسكو الحصول على قدرة وصول الى حقول النفط السورية ليصبح لاعبا إقليميا ينبغي مراعاته – سواء في المدى البعيد (مثلا بتسوية مستقبلية بين القوى المختلفة في سوريا)، أم في المدى الفوري – مثلا أن تكون على الخط حين تكون دول معينة معنية بالهجوم على ذخائر إيرانية في سوريا.
منذ تورطت في الاجتياح لاوكرانيا، اضطرت موسكو بان توثق اكثر فأكثر العلاقات مع طهران. وفرت الجمهورية الإسلامية لروسيا الاف المُسيرات التي استخدمت للهجوم على أوكرانيا. وهي مشاركة في إقامة انتاجها في روسيا: موسكو، من جهتها، قدمت لإيران معلومات استخبارية، قدرات سايبر وطائرات تدريب، وحسنت دفاعها الجوي. كما ان روسيا توفر لطهران مظلة دبلوماسية في مجلس الامن، فيما أن ايران أصبحت محورا ضروريا في تجاوز العقوبات الغربية على موسكو. روسيا، التي علاقاتها مع إسرائيل تكدرت منذ 7 أكتوبر، خططت أيضا لان تنقل صواريخ الى الحوثيين.
رغم أن الاثنتين لا تزالان تتنافسان في مجالات معينة (مثلا على تصدير النفط)، ورغم أن التردد الروسي في تزويد آيان الله بكل وسيلة قتالية (كي لا تفقد التفوق التكنولوجي ولا تغضب الشركاء في الخليج)، أصبحت طهران شريكا لا بديل له. ليس صدفة ان سارع سكرتير مجلس الامن الروسي شويغو الى طهران في ذروة الانتظار للهجوم إيراني ضد إسرائيل: فالرسالة العلنية كانت الامتناع عن المس بالمدنيين، لكن حسب احد التقديرات من خلف الكواليس حذر شويغو أيضا من تداعيات رد إسرائيلي يحدث ردا تسلسليا خطيرا من نظام الصديق.
بين هذا وذاك تواصل روسيا تقاليد الدعم للمنظمات الفلسطينية، ومنذ 7 أكتوبر استضافت عدة مرات وفود حماس. ومع ذلك الدعم هو أيضا من خلال مناكفة الولايات المتحدة التي تعرض كذات معايير مزدوجة (“تدعم أوكرانيا، لكن ليس الفلسطينيين”) ولهذه الرواية يوجد الكثير من المشترين في الجنوب العالمي.
الصين
اذا كانت روسيا تركب جزئيا على التراث الجغرافي – السياسي السوفياتي فان بيجين هي لاعبة عالمية جديدة نسبيا، ودوافعها الأساس للتدخل في الشرق الأوسط هي التجارة والطاقة. في السنوات الأربعة الأخيرة وجهت الصين مقدرات هائلة الى المنطقة: لغرض التجسيد بالملموس في 2021 و 2022، كانت معظم الاستثمارات في اطار المشروع الاقتصادي – السياسي “الحزام والطريق” وصلت الى الشرق الأوسط (والى شمال افريقيا)؛ صحيح حتى اليوم، الصين هي الشريك التجاري الأكبر لمصر، العراق ودول مجلس التعاون في الخليج؛ ونصف استيراد النفط من جانبها يأتي من الخليج. كما يوجد تعاون ذو مغزى كبير جدا مع ايران: بيجين وطهران وقعتا على اتفاق استراتيجي في اطاره تستثمر الصين في ايران 400 مليار في غضون 25 سنة. الى جانب التعاون مع طهران، تطور الصين أيضا علاقات قريبة مع الرياض، مدنية وعسكرية على حد سواء (مثلا في نقل صواريخ باليستية وإقامة مشروع مُسيرات في المنطقة).
التعاون مع الرياض وطهران على حد سواء وقف أيضا من خلف الاتفاق لتطبيع العلاقات الذي وقعته المملكة السُنية مع النظام الشيعي برعاية الصين.
تتخذ بيجين نهج منع الاحتكاكات وخلق محيط آمن لتحقيق مصالحها، تأتي – بخلاف الولايات المتحدة – دون طرح شروط قيمية مثل الحفاظ على حقوق الانسان او حقوق الأقليات. غير أن لهذا النهج يوجد مع ذلك ثمن قيمي: بيجين لا تقاتل الحوثيين بل توصلت الى تسوية معهم: وبعد مذبحة حماس لم تشجبهم، سارت على الخط مع الدول العربية للمطالبة بمؤتمر سلام، شجبت الدخول الى رفح، بل ودافعت عن حق الفلسطينيين في المحكمة في لاهاي.
الولايات المتحدة
كلما حاول رؤساء الولايات المتحدة تقليص التواجد في الشرق الأوسط لاجل التركيز على ساحات أخرى وعدم استهلاك المقدرات، كانت المنطقة تلاحقهم. فقد اضطر أوباما لان يقاتل داعش الذي قام في اعقاب حرب العراق الثانية، وأقر ترامب هجمات في سوريا وتصفية سليماني. وقال بايدن Don’t لمحور المقاومة بعد 7 أكتوبر، ودفع على هذا بذخائر عسكرية كي يدافع عن إسرائيل.
حسب التقديرات، نحو 46 الف جندي ورجل حراسة أمريكيين يرابطون في 11 دولة في المنطقة. في قطر توجد القيادة الوسطى الامريكية، في الكويت القوة الأكبر. ويكاد يكون غني عن الإشارة ان للولايات المتحدة يوجد تعاون امني واسع مع اسرائيل.
التواجد الأمريكي هنا ينبع من الالتزام بامن الحلفاء. لكن هام أيضا للحفاظ على الهيمنة العالمية، بالتأكيد في عالم ليس احادي القطب مثلما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. المنطق التي يوجه واشنطن هنا بسيط: ازدهار الولايات المتحدة يرتبط ارتباطا وثيقا بامن المسارات التجارية، وهذا الامن ليس ممكنا بدون قوة واحدة تحرص عليه. وذلك لان البديل، عندما يكون لاعبون اقليميون يخضعون لانفسهم، هو حرب الكل ضد الكل – والدليل، كل الاحداث التي جلبت الولايات المتحدة للعودة الى الشرق الأوسط عندما حاولت تقليص تواجدها.
ان الحفاظ على الامن في المنطقة، تقليص الاحتكاكات فيها والرغبة في اخلاء المقدرات الى ساحات أخرى – كل هذه توجد في خلفية التطلع الأمريكي للوصول الى تسويات توجد مثل دمية متريوشكا الروسية الواحد في داخل الأخرى. الولايات المتحدة ملزمة بوقف نار وفي النهاية تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين لاجل التقدم الى اتفاق بين إسرائيل والسعودية، والذي بدوره ضروري لاقامة ائتلاف امني تحت رعايته يضم أيضا امارات الخليج، يهديء “محور المقاومة” الإيراني – الشيعي وذلك في نهاية المطاف يسمح للولايات المتحدة بالخروج ولو جزئيا من المنطقة. من ناحية الولايات المتحدة هذا الهدف يستهدف أيضا دحر الصين من تعميق تعاونها في شبه الجزيرة العربية.