إسرائيل اليوم: الإنجاز الأهم للمشروع الصهيوني
إسرائيل اليوم 2022-08-30، بقلم: دان شيفتن
في ذكرى مرور 150 عاماً على المؤتمر الصهيوني، نحتاج إلى إجمال مرحلي. فالثورة الصهيونية المتواصلة هي واحدة من القلائل في تلك الفترة، التي نجحت في تغيير الواقع بشكل راديكالي، وتعميق سيطرتها، وتكييف نفسها المرة تلو الأخرى مع التحديات المتغيرة.
غيرت من الأساس الشعب اليهودي، وأنقذته من خطر التناقص التدريجي من خلال خليط من الأقلية المتزمتة الأرثوذكسية ومتمثلين بالآخرين من أصل يهودي. أعادت الشعب اليهودي إلى التاريخ كشعب يقف بحد ذاته ويصمم مصيره.
وضعت المعطيات الأساس في بداية القرن الماضي أمام المشروع الصهيوني عوائق بدت منيعة. يدور الحديث عن إقامة سيادة قومية لليهود دون الشروط الضرورية: شعب يؤدي وظائفه، لغة قومية حية، وتجميع إقليمي في البلاد المنشودة، مقابل مقاومة نشطة للسكان المحليين.
لم يكن معظم الشعب اليهودي نفسه شريكا فاعلا في هذه الرؤيا الثورية. قلة قليلة فقط، من بين مؤيديها الكثيرين أيضا كانت مستعدة لتتجند لتحقيقها. معظم الزعامة الحاخامية عارضتها، بل إن بعضها رفض عودة صهيون بصفتها “صعودا في السور” يدنس اسم الرب.
معظم اليهود، الذين تجندوا بالتدريج لتأييد إقامة الوطن القومي في “بلاد إسرائيل”، لم يعتزموا تحقيق الرؤيا بأجسادهم. والإنجاز الصهيوني مميز ليس بسبب اشتداد المقاومة الخارجية من أوساط سكان المكان وأمم العالم ولا حتى بفضل إقناع نواة صغيرة ومصممة من أولئك الذين تجندوا منذ البداية لبناء البلاد انطلاقا من إيمان عميق.
النجاح الدراماتيكي والمميز يكمن أساسا في إقناع اليهود الذين علقوا فيها بدوافع لم تكن في أساسها صهيونية لأن يضموا بأثر رجعي مساهمتهم الحاسمة والحماسية لأجل استكمال الهيكل الذي بناه الطلائع لبناء قومي متين وقابل للحياة.
أغلبية ساحقة من اليهود الذين يعيشون في إسرائيل هم من أولئك الذين وصلوا إليها اضطرارا وليس بالأساس لاختيار صهيوني، وكذلك أنسالهم. فهم لم يعودوا يستطيعون البقاء في بلادهم الأصلية، وبخروجهم لم يتمكنوا من الوصول إلى دول فضلوها. الاختبار الأعلى لإسرائيل، اختبارها الصهيوني، كان استيعابهم رغم أزماتهم وإقناعهم وإقناع أنسالهم بالبقاء فيها اختيارا كي يبنوها ويبنوا أنفسهم فيها.
الإنجاز الأهم للمشروع الصهيوني هو نجاح إسرائيل في أن تجمع فيها التجمع الأكبر لليهود، القريب جدا من أغلبيتهم الساحقة وان تخلق فيها، من العدم تقريبا، الشروط التي تضمن مستقبل الشعب. بفضل هذا المشروع أعيد اليهود إلى التاريخ كشعب يؤدي مهامه، وأعيدت إلى الحياة لغته القومية وأقيمت سيادته في وطنه التاريخي.
من رؤيا راديكالية لأقلية، تحول المعقل في “بلاد إسرائيل” إلى مركز حياة الشعب اليهودي. ما بدأ قبل جيلين دولة عالم ثالث فقيرة وضعيفة يسكن فيها 6 في المئة فقط من الشعب اليهودي بعد الكارثة، ارتفع بفضل كفاءة وتفاني أبنائها وبناتها إلى قوة عظمى إقليمية ديمقراطية ومزدهرة، تقف في واجهة الإنجازات الثابتة في القرن الواحد والعشرين.
أهم من إنجازات الماضي الوعد بما سيأتي. يعد الميل المحتم تقريبا بأن يواصل المستقبل اليهودي التركز في إسرائيل، على حساب التركيز اليهودي الثاني في أهميته في الولايات المتحدة. فالجمع بين التمثل الواسع جدا في الجيل الشاب ومعدل الولادة المتقلص في أميركا، وبين صفر التمثل ومعدل الولادة العالي في أوساط الأغلبية الإنتاجية في إسرائيل يملي تركيز الأغلبية الساحقة من الشعب اليهودي في وطنه السيادي.
إن التحديات الداخلية خطيرة، بل هي اكثر خطرا من تهديد الحرب مع ايران ووكلائها. فالقدرة على الانتعاش حتى بعد تراجعات مؤقتة ثبتت في أعقاب حرب “يوم الغفران” والانتفاضة الثانية. ما ينبغي أن يقلق هو ارتفاع معدل السكان للنواة الصلبة من الحريدين واستمرار السيطرة على ملايين الفلسطينيين. كلاهما يهدد المزايا البناءة للديمقراطية والتعددية الحديثة للمشروع الصهيوني، المسؤولة عن نجاحه المدوي في القرن الماضي. بدونها سنتدهور إلى مزايا سلطوية ومتخلفة تعرض مستقبل الشعب اليهودي للخطر.