إسرائيل اليوم: الأمن القومي الإسرائيلي وتحولات النظام العالمي
إسرائيل اليوم: الأمن القومي الإسرائيلي وتحولات النظام العالمي، تامير هايمن 23-10-2022م
إلى جانب نجاحات تكتيكية إسرائيلية في جبهة القتال ضد الفلسطينين في الضفة الغربية، وفضلاً عن إنجازها في إعادة الاستقرار على الحدود الشمالية مع توقيع مرتقب على اتفاق الحدود البحرية، فإننا في تطور جغرافي سياسي آثاره مهمة للغاية: المنافسة بين الشرق والغرب على تغيير النظام العالمي.
الحلف الروسي الإيراني، وتطور المعركة في أوكرانيا، ونشر محدث لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكية- ثلاثة تطورات مركزية. رغم أنها في نظرة سطحية لا يرتبط أحدها بالآخر وغير خطيرة على إسرائيل، فإنها قد تتحدى الأمن القومي الإسرائيلي، ويجب الاستعداد لها.
التطور الأول هو دعم طهران لموسكو: فإيران تزود روسيا بمنظومات سلاح دقيقة، وإنها -حسب البيت الأبيض- تشارك بشكل مباشر أيضاً من خلال مهاجمة أوكرانيا بمسيرات إيرانية ترابط في شبه جزيرة القرم. في الساحة الداخلية، تصدر إيران أكثر من مليون برميل نفط في اليوم، الأمر الذي يكفي لوجود اقتصادها (وجود وليس ازدهار). بخلاف الانطباع الشديد في الشبكات الاجتماعية، والنظام يتصدى لمظاهرات “احتجاج الحجاب” بتصميم وبنجاعة.
التطور الثاني هو المعركة في أوكرانيا: تعلن روسيا عن وضع طوارئ غربي الدولة، وتستأنف الضغط على كييف، لكنها تواصل تورطها في حرب فاشلة. موسكو مصممة على مواصلة المعركة حتى النصر. وإلى جانب تعثرها في تجنيد الاحتياط، تضطر لنقل قوات ووسائل قتالية من سوريا إلى الجبهة الأوكرانية. ظاهراً، تطور ليس سلبياً بالذات، لكن سنبين كيف سيصبح كذلك.
التطور الثالث هو وثيقة استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة: حسب الوثيقة الأمريكية، تعدّ الصين هي المشككة الأول للنظام العالمي والتهديد الأول في أهميته على الأمن القومي الأمريكي؛ ويتعين على دول الشرق الأوسط أن تعالج مشاكلها بنفسها، بينما الولايات المتحدة ستؤيد من بعيد؛ والولايات المتحدة ملتزمة بمنع وضع إيران نووية، لكنها لن تستخدم القوة العسكرية لتغيير الأنظمة؛ والتكنولوجيا مقدر من مقدرات الأمن القومي.
هذه التطورات تلزم إسرائيل بموقف؛ إذ إنها تتضمن، من تحت شفا الضجيج، معاني سلبية. الخطر ليس في المدى القصير، وهو ليس ملموساً وصاخباً مثل تهديدات الضفة الغربية، لكن لأن الخطر لا يستوجب رداً تكتيكياً فورياً (نتميز في هذا)، فجدير بأن نبحث فيه. ينبغي تحليل المخاطر المحتملة في المدى البعيد، إلى جانب استخدام الفرص المختلفة كرافعة.
من شأن التهديد التكتيكي أن يأتي من جهة سورية. صحيح أن روسيا لن تتخلى عن وجودها في الساحة لأنها تعتبر المخرج إلى البحر المتوسط وموطئ القدم في الشرق الأوسط، لكن تخفيف حجم القوات هناك والتزام إيران المتزايد من شأنهما أن يزيدا التعاون بين طهران وموسكو على الأراضي السورية. بخلاف الماضي، من شأن روسيا هذه المرة أن تدعم جهود التموضع الإيراني في سوريا، أو على الأقل تمنحه ريح إسناد – مثلاً، من خلال حماية الذخائر الإيرانية في سوريا بشكل يشوش حرية العمل الإسرائيلية، وبمساعدة غير مباشرة في نقل وسائل قتالية إيرانية متطورة إلى سوريا، ويحتمل حتى في اتخاذ رد فعل يتجاوز التنديدات المعروفة للهجمات المنسوبة لإسرائيل.
أما التهديد الاستراتيجي، فقد يأتي من جهة البرنامج النووي الإيراني. كلما مر الوقت على هذا النحو، يتقلص احتمال التوصل إلى اتفاق. يرفض رئيس إيران إقرار مسودة الاتفاق التي عرضت عليه في صيغتها الحالية، ما دام الغرب لا يتنازل تماماً عن تحقيق “الملفات المفتوحة” (العثور على يورانيوم مخصب غير معلن عنه في ثلاثة مواقع مما هو بمثابة خرق للميثاق ضد نشر السلاح النووي). ورغم الانتعاش الاقتصادي المرتقب جراء الاتفاق، لا يشخص رئيس إيران فيه جدوى بعد.
بخلاف الماضي، حيث اضطر الرئيس لـ”احتساء كأس المرارة” (على حد تعبيره)، فإن الواقع الحالي لا يستدعي تنازلاً كهذا. فحتى لو عاد إلى الاتفاق النووي، واضح للجميع بأن المردودات الاقتصادية لن تؤدي إلى تغيير كبير في إيران.
لا يوجد حافز للدخول إلى اتفاق
يكمن سبب ذلك في التطورات الأخيرة. الدعم الإيراني العملي للحرب في أوكرانيا أدى إلى موجة عقوبات جديدة ضدها. عدم الاستقرار في الشوارع الإيرانية وآلية الاتفاق النووي، حتى لو استؤنفت، لن يشجعا المستثمرين الغربيين على الاستثمار في الدولة. وبالمقابل، فإن إيران تنجو بحياتها من العقوبات. والآن، في ضوء المساعدة لروسيا، ستتلقى تعزيزاً مهماً من الإسناد الروسي – الصيني، الذي يمنحها شبكة أمان اقتصادية – أمنية حيال الغرب.
في ضوء النظرة الأمريكية لإيران كمشكلة شرق أوسطية محلية، نشأ وضع خطير تواصل فيه إيران تسريع البرنامج النووي بلا عراقيل ودون أي مانع من تأخيره أو تقييده. قد يستنتج الزعيم الإيراني بأن العقوبات غير ناجعة، وأن أي عملية عسكرية أمريكية ضد نظامه هي أقل معقولية في العهد الحالي. في مثل هذا الوضع، وبفرض أن النظام لن يسقط قريباً، قد نجد أنفسنا في واقع إيران نووية كجزء من حلف شرقي من القوى النووية.
خطر على التجارة بالتكنولوجيا
ثمة تهديد استراتيجي أبعد مدى، لكنه لا يقل أهمية، ينبع من المنافسة الأمريكية المتزايدة للصين. فوضع موضوع التجارة بالتكنولوجيا والبحث والتطور كموضوع أمني حساس، يعرض للخطر القاطرة الاقتصادية المركزية في إسرائيل – التجارة بالتكنولوجيا وبالعلم.
إسرائيل، كدولة استحداث، قد تحشر في حسم إزاء سياسة تصدير التكنولوجيا والبحث لمنافسي الولايات المتحدة. وما يعتبر اليوم كتجارة وكأعمال تجارية شرعية قد يعتبر في المستقبل القريب موقفاً قيمياً لا يستوي أو ينسجم مع مصالح الولايات المتحدة.
تحولات النظام العالمي الجديد تدق باب الأمن القومي الإسرائيلي. في المنافسة العالمية الحالية، لإسرائيل مصلحة واضحة في انتصار الغرب. كما أن الجلوس على الجدار هو نوع من اتخاذ موقف، وينبغي إعادة النظر فيه. إن أي نجاح روسي جراء مساعدة إيرانية سيعزز العلاقة والالتزام الإيراني – الروسي. معنى هذا النجاح هو تعزيز قوة الجمهورية الإسلامية بشكل يسمح لها بتحقيق هدفيها الاستراتيجيين: قدرات نووية وهيمنة إقليمية.