إسرائيل اليوم: اعلان فك ارتباط ترامب

إسرائيل اليوم 2/3/2025، البروفيسور أبراهام بن تسفي: اعلان فك ارتباط ترامب
يوم الجمعة، 29 شباط، وقع انفجار كبير هزَ دفعة واحدة الشخصية الأساس التي صمم وتبلور عليها النظام العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى أيامنا هذه. خلاصة هذا النظام كانت في الاعتراف بان “القوى العظمى الغربية” وعلى رأسها الولايات المتحدة ملتزمة الان، في اعقاب تحدي المانيا النازية وشركائها في أوروبا وفي آسيا بإقامة عالم جديد ومستقر اكثر بكثير من سلفه الذي حطم ودمر على ايدي زعران هتلر المجرمين.
هذا الواقع العالمي الجديد قام على أساس مبدأ “الامن الجماعي” وبموجبه أوروبا المحررة تحظى بمظلة دفاع عسكرية واقتصادية مصداقة من جانب الولايات المتحدة من خلال هامش تحالفات واتفاقات، وفي نفس الوقت تكون البنية التحتية لاعمار القارة اقتصاديا وسياسيا وفقا للشخصية والقيم الأساس للديمقراطية الغربية.
في جبهة الحرب في أوكرانيا وجد هذا المفهوم تعبيرا جليا وصافيا. رغم أن أوكرانيا ليست عضوا في الناتو اضطرت إدارة الرئيس بايدن وبشكل فوري بان تمد لها المساعدة العسكرية، وبمساعدة أعضاء الناتو أتيح لها الصمود في الصراع في سبيل استقلالها ضد الدب الروسي الكاسح وذي المقدرات المتفوقة.
لكن هذه السياسة المتمثلة بصد التهديد الروسي على مجرد وجود مفهوم السيادة والوحدة الإقليمية لدول أوروبا وصلت الى نهاية طريقها في اثناء القمة البائسة والمحرجة التي انعقدت بين الرئيس ترامب وزعيم أوكرانيا زلنسكي في اليوم الأخير من شهر شباط. التهجم العلني والحاد يستوجب بضع تفسيرات.
ان اعلان فك الارتباط عن أوكرانيا، وربما حتى عن أوروبا ككتلة سياسية، والذي رأيناه في الغرفة البيضوية ينطوي على تفسيرات استراتيجية، أيديولوجية وشخصية تترابط الواحد بالاخر. الأول، وربما المركزي، هو الضغينة العميقة التي يكنها ترامب لزلنسكي. تعود هذه الضغينة الى الوراء حتى 2019، حين حاول ترامب اجبار الرئيس الاوكراني على أن يحول له مواد تدين هنتر بايدن، أبن جو بايدن الذي كان شريكا في حينه في شركة طاقة اوكرانية. بل ان ترامب هدده بان يعرقل نقل مساعدات امنية اذا لم يفعل ذلك. زلنسكي رفض، ومحضر المكالمة بينهما سرب، احرج ترامب وساهم في تورطه في محاكمة تنحية.
لهذه الرواسب انضمت منظومة العلاقات القريبة التي نشأت بين أناس بايدن وبين زلنسكي. صحيح ان الرئيس الأمريكي اكثر من الشكوى على جوانب معينة من المساعدة، لكن لا شك أن العلاقات كانت بعمومها علاقات محبة قامت على عطف واشنطن على دولة تقاتل في سبيل حياتها. اما ترامب بالمقابل فرأى في ذلك جزء من سياسة بايدن الفاشلة.
هكذا تداخل العداء الشخصي الذي طوره ترامب تجاه زلنسكي، مع معارضته لمبدأ “الامن الجماعي” والمساعدة العسكرية الامريكية بدون مقابل. ان إمكانية أن تكون شهية بوتين ستزداد نحو دول أوروبا لا توجد في رأس همومه. العكس هو الصحيح، كانعزالي جديد يرى في الديمقراطيات الغربية عبئا او حتى موبئة تمتص من أمته مقدرات غالية.
والاستنتاج واضح: الرئيس الـ 47 يرى أمام ناظريه ساحة دولية جديدة تقوم على أساس خرائب العالم القديم. هذه وان كانت ستكون ساحة ثنائية القطب لكنها لن تكون كدية مثلما في عهد الحرب الباردة. الولايات المتحدة وروسيا ستتطلعان بلورة بؤر توافق وتوزيع غنائم متبادل، يدفع قدما بالهدف المركزي الذي وضعه ترامب لنفسه: عزل الخصم الخطير، الصين. وماذا بالنسبة لاوروبا؟ الناشيء عن هذه الرؤيا، القائم على أساس تقسيم العالم الى مناطق نفوذ، هو أنها بالفعل ستترك لمصيرها.
على فرض أن المناكفة في البيت الأبيض لم تكن عفوية تماما، فقد استهدفت أيضا نقل رسالة رعب لدول صغيرة أخرى (مثل الدانمارك بالنسبة لغرينلاند؛ التي لا يعتزم الرئيس الحالي التردد في استخدام الوسائل كي يحقق أهدافه.
وماذا بالنسبة لنا؟ حتى لو كان نفور ترامب من حماس عميقا ورغم رغبته الشديدة في أن يرى القضاء على منظمة الإرهاب الاجرامية، فانه يبقى مصمما على تطلعه لان يصل الى نهاية سريعة للقتال في غزة وتحقيق رؤيا التطبيع الإسرائيلي – السعودي. التأخير في التقدم نحو المرحلة الثانية في الاتفاق قد يحمله الى انفجار إضافي، وهذه المرة تجاه الحليف الذي يعرض للخطر رؤيا وجائزة نوبل المنشودة.
في هذه اللحظة، على الأقل، مركز اهتمام ترامب يوجد في جبهة أخرى لكن لا ينبغي أن ننسى بان مثل هذه الأمور سبق أن وصلت في علاقاته مع نتنياهو، التي لم تسر دوما على مياه هادئة.