إسرائيل اليوم: آلاف الصواريخ وتعطيل البنى التحتية: سيناريو المواجهة مع حزب الله
إسرائيل اليوم 7-8-2023، بقلم ليلاخ شوفال: آلاف الصواريخ وتعطيل البنى التحتية: سيناريو المواجهة مع حزب الله
في ظل الصراعات الداخلية داخل إسرائيل مع وضد الإصلاح القضائي، تشهد الأحداث الحدودية الشاذة بين إسرائيل و”حزب الله” في الأسابيع والأشهر الأخيرة على ارتفاع بارز في احتمال الحرب على حدود إسرائيل – لبنان.
لن تنحصر الحرب هذه المرة، كما تقدر إسرائيل، في ساحة واحدة فقط، بل ستكون متعددة الجبهات ومتداخلة، ومن غير المستبعد أن تنضم غزة أيضاً إلى المعركة، وستكون إسرائيل مطالبة بالتصدي للإرهاب في الضفة أيضاً، وعنف وإغلاق طرق داخل الخط الأخضر. وكذا بتهديدات أبعد، ستأتي من إيران أو من دول أخرى في المنطقة.
لفهم السلوك الإسرائيلي تجاه استفزازات “حزب الله”، والتخوف من الحرب التالية، ثمة حاجة للتعرف على السيناريو الذي تستعد له إسرائيل في المجال المدني، الذي تعرّفه محافل الأمن على أنه السيناريو الـ “خطير – معقول” للحرب. فضلاً عن الإصابات المحددة للبيوت وآلاف المصابين، يتخوف جهاز الأمن من ضرر استراتيجي يتمثل بعدم قدرة الدولة على مواصلة مهامها؛ لشبكة الكهرباء، والاتصالات، والإنترنت، وسلسلة توريد الغذاء، والقدرة على توريد الخدمات للمواطنين عقب عدم الامتثال للعمل.
حسب السيناريو الـ “خطير – معقول” في يوم واحد من القتال، ستضطر إسرائيل لمواجهة نار آلاف الصواريخ، وفي اليوم الأول من الحرب سيطلق على إسرائيل نحو 6 آلاف صاروخ. ولاحقاً سيهبط العدد ويقل في أثناء أيام الحرب حتى 1500 – 2000 صاروخ في اليوم.
يقدر خبراء الأمن حدوث نحو 1500 إصابة توصف كفاعلة في الأراضي الإسرائيلية، وذلك بعد حسم الصواريخ الثابتة التي ستقع في أراض مفتوحة، والاعتراضات الناجحة من القبة الحديدية. مع علم بأن معدلات اعتراض عالية كتلك التي اعتدنا عليها ستكون طفيفة في جولات القتال الأخرى في الجنوب.
وللمقارنة، في حملة “درع ورمح” الأخيرة في القطاع، أطلق نحو 1470 صاروخاً إلى الأراضي الإسرائيلية طوال أيام الحملة الخمسة، في “حارس الأسوار” كلها (أيار 2021) أطلق إلى إسرائيل نحو 4500 صاروخ في أيام الحملة العشرة. وفي “الجرف الصامد” كلها (صيف 2014) التي استمرت نحو 50 يوماً، سجل 3850 صاروخاً (متوسط نحو 90 في اليوم). وكما يمكن أن نرى، فإن الأعداد في المعركة الشمالية أعلى من ذلك بنسب كبيرة.
الساحة الإسرائيلية الداخلية
في ضوء حجوم النار المتوقعة، حسب آخر سيناريو لجهاز الأمن، في المعركة المتداخلة التي سيقودها “حزب الله” سيقتل نحو 500 مواطن في الجبهة الداخلية (العدد لا يتضمن الجنود القتلى) وسيصاب آلاف آخرون. لكن رغم الأعداد المذهلة، فإن ما يقلق جهاز الأمن أكثر من أي شيء آخر هو القدرة الدقيقة المتعاظمة حولنا.
تشير محافل أمنية إلى أن أحد الدروس المهمة من الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا، هو فاعلية المسيرات الإيرانية.
في إطار السيناريو الـ “خطير – معقول”، لا يستبعد جهاز الأمن إمكانية نجاح “حزب الله” وإيران أو مبعوثيهم في ضرب منشآت استراتيجية معروفة وثابتة في إسرائيل، مثل محطات كهرباء، بشكل يجعل إسرائيل تعيش في الظلام ساعات طويلة، وربما أياماً. حسب السيناريو، ستعلق إسرائيل في الظلام بين 24 و 72 ساعة.
التخوف الشديد هو من ضربة دقيقة لمحطات توليد الطاقة بشكل يضر بقدرة إسرائيل على إنتاج الكهرباء. وبدون كهرباء، ستتشوش أيضاً الاتصالات وشبكة الخلوي وحتى قدرة الإخطار من نار الصواريخ. الجواب على هذا التحدي، كما تقول محافل الأمن، ليس مكتملاً بعد، والنية زيادة الحماية الفاعلة لتلك المواقع وإلصاق قبة حديدية ووسائل أخرى بها، مع سياسة اعتراض متشددة.
وهناك تحدٍ آخر لا يقل أهمية، وسيكون في الساحة الداخلية التي من غير المستبعد أن تتصدى إسرائيل لعشرات عديدة من أعمال الإخلال بالنظام في الوقت نفسه. ولإخلاء المحاور لحركة السير للقوات وللتصدي لأعمال الإخلال بالنظام في الجبهة الداخلية لعدم عرقلة القتال في الجبهة، أقام الجيش الإسرائيلي 16 كتيبة في الاحتياط.
من ناحية المواصلات، يشير جهاز الأمن إلى إمكانية تعطل الموانئ والمطارات في إسرائيل. وربما يتوقف الطيران الأجنبي وستكون المحاور مغلقة. وهناك تخوف آخر هو من عدم امتثال أبناء الأقليات لعملهم الحيوي كسائقي شاحنات. هذه الوضعية ستقطع سلسلة التوريد في إسرائيل، وثمة تقدير بأن يكون الضرر دراماتيكياً. وحسب التقديرات، فإن نحو 50 في المئة من المواطنين سيتغيبون عن عملهم، و60 – 70 في المئة سيتغيبون عن مرافق تُعرف كـ “حيوية”، وسيعاني “القطاع الحيوي” من نحو 20 في المئة من التغيبات.
وهناك تحدٍ إضافي ستضطر الدولة لمواجهته، وهو عشرات آلاف المواطنين ممن سيحاولون إيجاد ملجأ في مواقع تحت أرضية (أنفاق الكرمل مثلاً) أو ينتقلون جنوباً لحماية أنفسهم من النار. كما لا تستبعد إمكانية آلاف بؤر الحرائق، عشرات آلاف من أحداث لمواد خطيرة، ولبضع موجات من هجمات السايبر. مسؤولية مواجهة الحدث العظيم في الجبهة الداخلية ترتبت منذ أكثر من سنة، وهي تتوزع بين قيادة الجبهة الداخلية وسلطة الطوارئ الوطنية.
منع التدهور
السيناريو الوطني موضع الحديث الذي يعرض هنا هو سيناريو يتعلق بالمجال المدني ولهذا فهو لا يذكر بما يكفي من العمق خطة حزب الله “لاحتلال الجليل”، وعمليا التسلل إلى أراضي إسرائيل، للخطف، للقتل ولاحتلال المناطق المجاورة للحدود.
على خلفية هذا السيناريو الكابوسي، نفهم انعدام الرغبة في الظاهرة للانجرار إلى الحرب، وسياسة الرد المعتدلة بل وربما المعتدلة جداً في ضوء استفزازات “حزب الله” على طول الحدود.
يفهم نصر الله جيداً صورة الوضع وكذا حقيقة أن الشرعية الإسرائيلية تلقى التحدي الشديد بسبب الشرخ والصدع الداخليين في إسرائيل. وبإذن إيراني، يختار رفع مستوى الرهان. إسرائيل قوية جداً، لكن لا شك أن صورة الوضع المفزعة تردعها، وتحاول القيادة عمل كل شيء لعدم التدهور إلى مواجهة، وإن كان التقدير بأن احتمال الحرب، أو على الأقل بضعة أيام قتالية، ارتفع بشكل كبير. غير أن التردد الإسرائيلي والوضع الداخلي المعقد يدفعان نصر الله ليزيد ثقته بنفسه ويعدّ التربة وأعمالاً أخرى تسهّل انجرار الطرفين إلى حرب.
ثمة افتراض معقول بأنه إذا بادرت إسرائيل إلى خطوة ما لتقليص التهديد على الجبهة الإسرائيلية الداخلية وتحسين شروط بدء الحرب التالية في صالحها، فلن تتمكن من عمل ذلك في المناخ السياسي الحالي حين يشكك كثيرون في دوافع الحكومة ورئيسها. ولكن في ضوء الوضع الأمني المتحدي، لن تسمح إسرائيل لنفسها لمواصلة المناكفة الداخلية، وجهاز الأمن قلق جداً من آثار استمرار الشرخ الداخلي على الوضع الأمني.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook